“الدختور مازال أبخص” ج4

إشكالية النسق 

 يعتقد المفكرون أن المشكلة الذي يعاني منها الفكر العالمي عموماً، و الفكر العربي والاسلامي خصوصا هي الإشكالية المزمنة Chronic Problematic  التي لو طبقت معياريا  Standardized Application لما اختلف – الكثير – بمعنى أشمل وأعم هي مشكلة المصطلح والمفهوم العام والخاص على المستويين العلمي والعملي وبينهما منظومة الاخلاق.

تعريف المشكلة

لقد بحثت في الادبيات عن التعريف العام للمصطلح ،والتعاريف كثيرة فرجحت هذا التعريف ، فالمفهوم العام للمشكلة هي خليط مركب من عدم القدرة ، عدم الرغبة والاستعداد لتلبية الحاجة أو تجاوز حد الاشباع الحدي .إن درجة إشكالية اشتغال المصطلح، وما ينتج عنه من أدلجة أو حجب معرفي أو إسقاط مفاهيمي يُلقي بدوره على مصداقية المنهجية المتبعة في فالمشكلة تتفاقم نحو سوء الفهم الذي يقود إلى الاختلافات والصراعات النسبية، من حيث حجب مفاهيم على حساب مفاهيم أخرى، أو استنطاق نصوص بطريقة قسريّة لم تخضع لأبجديات المنهج العلمي.

مشكلة سوء الفهم

فالعالم المتقدم يعاني نفس المشكلة من المصطلح والمفهوم ولكنها قليلة مقارنة مع الدول النامية التي تتأثر كثيرا وتنتهي بنتيجة سوء الفهم – وما ادراك ما سوء الفهم – الذي أيضا يؤدي إلى ارتكاب أفعال واعمال جسيمة. فطريقة تداول المصطلحات أو حتى سك المصطلحات أو نحتها في الفكر العربي المعاصر لا يزال مثار إشكالية لا يمكن إنكارها مما يجعل بعض نتائجها لا بد من إخضاعها لنقد مضاد وبنفس الدرجة أيضاً لبيان زيفه وألاعيبه، فاللغة العربية دستورا في نحوها وصرفها وبيانها وبلاغتها، واللغة قد تكون مصدر خلاف أو ائتلاف وتعايش بسلام.

التحدّيات التي تواجهها اللغة العربية

فأم اللغات – العربية المعربة – واجهت وما زالت تواجه تحديات كبرى، رغم من تملكه اللغة العربية من مقومات وخصائص فريدة، فهذه اللغة هي الأولى عالميًا كماً ونوعاً وملائمةً فهي لغة سياسة، ولغة أمن واقتصاد، ولغة اجتماع وثقافة، وتقانة وإلا ما حفظها القرآن لُغةً والشعر الجاهلي نشداً. ومن المُخجل أن أهل اللغة العربية لا يعبرون عن معانيها لتحقيق المطلوب، فاللسان العربي مُتكلس ومُصاب بمُتلازمة لحن القول وسوء الفهم والعمل معًا بل وأسوء أيضاً.

هل الاختلاف يقع بسبب التأويل؟

إن أكثر من يختلف فيه الناس هو ردة فعلهم من التأويلات الغير منضبطة، انتقلت وهي محملة بحمولة مفاهيمية كبيرة سواء على كانت تلك الحمولة المفاهيمية على المستوى الفلسفي أو على المستوى التاريخي أو حتى على المستوى العقائدي، لذلك يذكر د.سفر الحوالي بأنه لا يوجد في عالم المنطق البشري ولا لدى الفلاسفة والمُنظرين ما يمكن أن يضبط المصطلح، فقد شكى منها الأئمة الكرام فالإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- قال: “إن أكثر من يختلف فيه الناس هو بسبب التأويل”.

الاختلاف بين القديم والحديث

وهنا نرى ما حصل بين القديم والحديث (حدثان مؤثران) ففي القديم كانت اللغة العربية في الصدارة فولدت حضارة عظيمة شعارها الأدب والعلم فصدرت الكتب والرسائل والمعاجم. …..الخ، واستمرت النهضة لمئات السنين حتى وصلت الاشباع الحدي، تلاها تناقص المنفعة الحدية للحضارة، ويؤيد ذلك صاحب معجم لسان العرب ابن منظور، ففي عام 710هـ وهو القائل لقد أصبح اللحن في الكلام لحنًا مردودًا، وصار النطقُ بالعربية من المعايب معدودًا.

وتنافس الناسُ في تصانيف الترجمات باللغة الأعجمية، وتفاصحوا في غير اللغة العربية فجمعت لسان العرب في زمنٍ أهلُهُ بغير لغته يفخرون، وصنعته كما صنع نوحٌ الفلكَ وقومُه منه يسخرون. والحدث الثاني نشهده بحضارة اليابان الراهنة ووصولها للمكانة العالمية واليابان اليوم أحد الدول الصناعية السبع الكبرى في العالم، ولا مجال للمقارنة بين اللغة العربية ولغة أهل اليابان المُصنفة باللغة المعزولة التي ليس لها قرابة أو نسب إلى غيرها من اللغات، ومع ذلك اتقنوا صناعة المصطلح والمفهوم بفهم في بيئة دون أخرى وفي سياق دون سياق.

الفرق بين العرب واليابان

فاليابان أنتجت قاطرات متنقلة كبيرة تملك خاصية تحويل المركبة إلى مسجد يقام فيها الاذان والصلاة. فمعلوم أن مفتاح الحضارة هي اللغة، فعندما قننوا مصطلحاتهم ومفاهيمهم وصلوا درجات متقدمة في الإنتاج والتوزيع والاستهلاك المرشد بكافة المجالات. وهنا أتساءل ماذا تتوقع لو أن اليابان لغتهم العربية، فما هم إذن فاعلون؟. فلو أن اليابان لا يجيدون المصطلح والمفهوم لما صنعوا الثقافة الاجتماعية المُتقدمة، بل نجدهم في حالة جدل بيزنطي بل منهم من يوظف ويوجه المصطلح لما يريد ضد الآخر.

أسير العوالم الخفية

على المرء ألا يكون أسيراً لما يسمع وما يقرأ، بل لابد من تفحص ما يطرق أذنه، حتى لو قدم له ذلك على أنه نص مأثور أو حكمة بالغة، فهل تُغني النُذر؟ أتمنى ذلك! وهل نحن العرب نُفكر باستقلالية؟. وكيف عايشه أسلافنا القدماء من الأدباء والشعراء، وكيف عبروا عنه بمؤلفاتهم بقوة وعمق؟[1].

يرى المُفكرون أننا بذلك نُهدد وظائف أُناس ينحصر عملها في التفكير بالنيابة عنا، فإذا فكرنا بأنفسنا، فسيخسرون هم وظائفهم.! أمثال دهورت التفكير المنطقي لبعض الناس فأصبحت هي معلمه، ومنها ينهل الحكمة ولا يُرى غيرها صدقًا.. حتى أنك ترى علامات الاستغراب أينما ذهبت، تنقض ما كان يُردد آلاف السنين.. ولك أن ترى كمية الاحباط والتثبيط في “ما طار طير وارتفع، إلا كما طار وقع”، فلا بد أن نتفحص ما يَطرق آذاننا، حتى لو قدم له ذلك على أنه نصف مأثور أو حكمة بالغة.

ولعل تجاربنا الحياتية منذ أمد الله أعمارنا فيها، نطقت أزمانها، بأن المقلدين من كل أمة، يكونون فيها منافذ ومهابط الوساوس، ومخازن الدسائس، بل ويكونون شؤما على أبناء أمتهم وفي طلائع جيوش الغالبين وأرباب الغارات، حتى يُثبتون أقدامهم ويمكنون سلطتهم.

لكن الكتب التراثية تحمل كثيرا من التناقض، وعلينا أن نكون حذرين أثناء القراءة، والأمثال أيضًا كونها تحمل أشياء متناقضة، فإلحاحه على ضرورة فحص النصوص قبل تقبُلها، ما لم تكن نصوصاً ذات صبغة دينية تمنحها؛ فالثوابت لا مجال لعرصها على العقل، ولكن هل لنا أن نسأل! أليس من حق المبدع أن يأتي بالشيء ونقيضه، إذا كان ذلك في نصين مختلفين، أو نص طويل ككتاب ممتد أو قطعة أدبية طويلة نسبيا؟،

كقول الشاعر:

أني لأرحم حاسدي لحر مـــا   ضمت صدورهم من الأوغار

نظروا صنيع الله بي فعيونهم    فــي جـنة وقلوبهم في نـــااار

التقليد الأعمى

إن ما يقوم به الإنسان أو النخبة المستلبة، في توهين الأمة، ليُسيطروا للعدو الحضاري على مستقبل الأمة ومقدراتها، ليبدوا الانسان المُستلب معول هدم في جسد أُمته، فالعالم لن يخسرك ولن يشعر بفقدك، لذلك تجدهم مُقلدين جامدين لم يأتوا بتفسيرات تُبرز العمق المعنوي والانساني لهذه النصوص للأسف وكله بسبب صعف ادوات فهم اللسان العربي او انعدامها.

لقد كان نموذج “الاستلاب طريق التغرب” مما كان لها دور سلبي وخطير يجب مواجهتها، ولنأخذ الخدمات الصحية وإدارتها إنموذج بطرح الموضوع كمادة للنقاش والتدارس حوله، مُستفيدين من الحوار الذي دعانا إليه، ولي أمرنا الملك الصالح، ملك الإنسانية بهدف الوصول إلى معالجات حقيقية، تكون هي سر تقدم الدول وتأخرنا… فلدينا العقول والامكانيات، فلماذا لا نكون نحنُ العالم الأول في كافة المجالات لا الخدمات الصحية فقط؟[2].

المصادر والمراجع

  • [1] – أ.د خالد بن محمد الجديع 2001م المقامات المشرقية ومقالات صحفية.
  • [2] – د.إبراهيم جلال فضلون رويات وقصص مترجمة ومقالات صحفية.

فيديو مقال “الدختور مازال أبخص” ج 4

أضف تعليقك هنا