أُقدِم أم أُحجِم؟

في المجلس الخاص بأثاثه البسيط وكنبه المريح، تُزنيه بعض اللوحات المتنوعة، وفي جانبيه مكتبة تضم الكثير من الكتب.جلس الشيخ ومعه خاصة طلابه الثلاثة، بدأ الحديث:

الحوار الذي دار بين الشيخ وطلابه

  • لقد تعلمنا من هدي رسولناﷺ الشورى، وقد جمعتكم اليوم واخترتكم، لمشاورتكم في أمر مهم وحيوي بالنسبة لي.
  • لعله خير، تفضل يا شيخ.
  • في اليومين الماضيين اتصلت عليَّ المؤسسة الإعلامية أكثر من مرة، يرغبون مني معاودة تسجيل وبث بعض برامجي على مختلف المستويات: المقروء والمسموع والمرئي.
  • رعد: أليسوا هم الذين أوقفوا برامجك قبل سنة فجأة بلا إخبار ولا إعتذار ودون بيان الأسباب، و كُنتَ معهم لأكثر من عشرين عاماً؟
  • نعم، اعتذروا عن الفترة السابقة.

استشارته لهم بالعرض الذي عُرِض عليه

  • حمد: ومالذي تستشيرونا فيه؟
  • هل أقبل وأُقدم، أم أرفض وأُحجم؟
  • هادي: بل تقبل يا شيخ بلا تردد، فهي فرصة لإيصال الحقِّ للملايين دون جهد أو تعب، فجمهورهم يكاد يغطي أكثر البلاد وخارج البلاد بكثير.
  • رعد: على رسلك، وهل نسيت المنكرات والفواحش التي ينشروها عبر نفس الوسائل، كم من العباد قد أضلوا بالشهوات والشبهات. مايُقدِّمه شيخنا كضوء شمعة في مدينة تعج بظلام دامس!
  • لكن لا دخل للشيخ بكل ذلك، فقد كان منبرَ خيرٍ وايصالَ حقٍ فبدل أن يكون ظلام دامس بلا ضوء كانت فيه شمعة للمهتدين.
  • وهل الشيخ لعبة يتحكمون فيها، يسمحون ويمنعون وبدون سببٍ يذكرون!
  • حمد: هل حددوا لك شيئاً، يا شيخ أم لك أن تتحدث بماشئت؟

هل سيستطيع الشيخ التكلّم بكل ما يريد؟

  • الشيخ: لم يذكروا أُطراً معينة، لكن بلاشك لن أستطيع أن أتكلم بكل ما أريد، خاصة ما يتعلق بمنكراتهم.
  • رعد: يعني يريدونك أن تُفصل ما تقول على مايريدون لا على ما يرضي ربَّ العالمين، وهذا عين التبعيض، بحيث يصبح الحق مشوهاً ومائلا إلى جهتهم، سمعت يا هادي.
  • نعم، وليس هذا بجديد، فالمؤمن يتحرك وفق المُستطاع فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
  • رعد: وهل من وسعها كتمان الحق والسكوت عن المنكر لسنوات عدة، ثم ماذا سيقول الناس عن الشيخ؟
  • حمد: شيخنا، لقد سمعنا منك لسنوات ماضية أنك كنت تنصحهم سراً عن المنكرات وأنت مستمر معهم، فهل تغير شيء من ذلك؟
  • الشيخ: لم يغيروا شيئاً حتى هذه اللحظة، بل على الكعس استمرؤا المنكرات ووضعوا لها أسساً وحاربوا أهل الفضيلة، ويقيني أنهم سيستمرون في ذلك.
  • رعد: هل نسيتم الشيخ محمود الذي شوهوا صورته وافتروا عليه لإنكاره عليهم ورفضه التعامل معهم، وغيره كثير، ولا أستبعد أن يعملوا الأمر نفسه معك إن رفضت.
  • هادي: إن لم تَقبل أنت، سيبحثون عن غيرك وينصبونه قدوة للناس، وأظنكم عرفتم مَن أعني.

ما هو هدف الشيخ من العرض الذي عُرض عليه؟

  • حمد: ليكن، فشيخنا ليس مقصده أن يكون قدوة، ولا لحظوظ النفس وحب الشهرة وإنما تبليغ الحق ونصرته.
  • هادي: إنها ثغرة مهمة وبابُ تبليغ، إن لم يتقدم لها الشيخ سندفع الثمن غالياً في المستقبل.
  • رعد: بل نصرةً لهم على بغيهم ومحاربتهم للدين، لقد دفعنا ثمن سكوتنا لفترة طويلة، وأظن تجربة الشيخ خير برهان، أكثر من عشرين سنة والشيخ ينصح سراً وبلا جدوى، ماذا ننتظر حتى يتغير المنكر.
  • حمد، ياشيخ هل لكَ حدوداً معينة بحيث بعدها ترفض التعامل معهم.
  • الشيخ: ماذا تعني؟
  • أعني أنك أنكرت عليهم لسنوات ماضية بطريقة النصيحة سراً، وقبلتَ التعامل معهم على أمل التغيير وعلى مضضٍ منك، فإلى متى تستمر سلسلة التنازلات والقبول وتضييق المسموح وزيادة المحجوب، ما القضية (المفصلية) التي عندها سترفض التعامل معهم طالما هم على غيهم.
  • الشيخ: لم أفكر في هذا.

لماذا اختاروا الشيخ لتقديم البرامج دون غيره؟

  • رعد : يا شيخ هل سألت نفسك: لماذا أنت بالذات دون غيرك؟ أظنه لشهرتك ومحبة الناس لك فهم يستغلون ذلك لبث سمومهم من خلالك، فيستشهدون بوجودك معهم على صحة منهجهم.
  • هادي: لا دخل للشيخ بذلك، الشيخ يقول كلمته ولا يسمع ولا يرى منكراتهم.
  • حمد: لكن الناس يرون ذلك.
  • رعد: على الأقل نصرة لإخوانك العلماء الذين شوهوا سمعتهم، وكم حدثتنا عن نصرة الحق بالأفعال لا بالأقوال فقط، وكما قُلتَ أنت : القدوة العملية أوقع ألف مرة من القدوة القولية.
  • هادي: نصرتهم بالدعاء لهم ونصحهم بالسير على طريقة شيخنا.
  • حمد: وهل حققت طريقة شيخنا المرجو من تغيير المنكرات أو تقليلها، عذرا ياشيخ!
  • هادي : وما أدراك ربما لوجود شيخنا منع سيل المنكرات وقلّل من إنجرافه.
  • رعد: ربما، لكن بلا أدلة.

الحوار الذي دار بين الطّلاب بخصوص تقديم الشيخ للبرنامج

  • هادي: الرفض يعني منع وصول الحق لكثيرٍ من الناس.
  • حمد: ما يقوله شيخنا يمكن أن يقوله غيره طالما هو في دائرة المسموح، أما صوت شيخنا فيمكن وصوله عبر وسائل أخرى عبر النت ووسائل التواصل الاجتماعي.
  • هادي: لكنها لن تكون مثل قدرة تلك المؤسسة ولا بعدد جمهورها.
  • رعد: الناس أقسام، والأكثر يتقبل ويتعامل مع ما يُقدَّم لهم، والقلة التي تريد علم الشيخ ستبحث وتصل إليه بسهولة.
  • حمد: شيخنا هل تسمح بسؤال؟
  • تفضل.
  • حمد: ما أعرفه أن هذه المؤسسة قديمة، وقد مر عليها عدد من المشايخ والعلماء بمختلف الأشكال.
  • صحيح، ثم ..
  • هل كان لهم دور في تغيير منكرات المؤسسة أو تقليلها؟
  • الشيخ: لا أستطيع الإجابة بالضبط، لكن المؤكد أن المنكرات تزداد مع الزمن، وحين كنا نناقش مشايخنا يقولون ننصح سراً، ولا أدري ما ثمرة تلك النصائح؟ بالتأكيد لم توقِف عجلة المنكرات، لكن هل قللّت من سرعة انحدارها؟ الله أعلم.
  • حمد: والمؤمن لا يُلدغ من جُحرٍ مرتين، لسنوات وأنتم تنصحون سراً، لكن بلا نتيجة تُذكر، أليس من الفِطنة تغيير الطريقة؟ ويستمر
  • حمد: أظن يا شيخ أنه لابد لك من مدحهم أحياناً ، أو السكوت عن منكراتهم، خاصة في مناسباتهم واحتفالاتهم، فأقلها ستوافقهم سكوتاً، فلن يسمحوا لك بتعكير جوهم؟

هل سيوافق الشيخ على العرض أم سيرفضه؟

  • الشيخ (وقد بدى عليه الحزن وتمعير الوجه): قد حصل من قبل ولم أفعل سوى السكوت، بل يطالبونني أحياناً بالإطراء عن بعض إنجازاتهم وخاصة الدينية منها كتحفيظ القرآن ومساعدة الأيتام، وهذا حق ،لكنهم لم و لن يسمحوا بظهور اللوحة كاملة، وكنت أتعبُ كثيراً من ذلك، وأسأل الله العفو والتوبة، لشعوري بالجور والظلم وترك العدل.
  • هادي: لقد أتعبت الشيخ وحملته ما لا ذنب له فيه.
  • الشيخ: على العكس فواجب أهل العلم بيان الحق كاملاً للناس دون تحريفٍ أو تبديلٍ أو كتمان، ولذا طلبتكم لمعرفتي بحرصكم واخلاصكم.
  • هادي: لكن يا شيخ كان لكم دوراً في بيان الحق وتقليل الباطل، وصناعة الرموز والقدوات.
  • رعد: ربما قدوات وِفق مقاييسهم أو صوراً ناقصة، وكم من القدوات السيئة قد صنعوا وكم من ساقطٍ قد مجَّدوا؟
  • حمد: أظن يا شيخ أن هذا أنسب وقت ليعرف الناس تلك المؤسسة على حقيقتها وبدون مكياج كما قال تعالى:”لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ” الأنفال 42.
  • هادي: أظننا أثقلنا على الشيخ، لندعه يستخير ويقرر، لكن تذكر يا شيخ موقفك أمام الله يسألك عن تلك الفرصة في تبليغ الحق، ينهض هادي.
  • رعد: واستحضر معه سؤال الله لكَ عن كتمان الحق و استمرار المنكر وزيادته مع وجودكَ في دائرته، ونهض رعد.
  • حمد: شيخنا أنت قدوتنا ونحن بك ومعك، ولتضع طلابك ومحبيك في اتخاذ قرارك، ونهض حمد وخرج الثلاثة، وبقي الشيخ متحيراً قلقاً وهو يردد:” لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ

فيدي مقال أُقدِم أم أُحجِم؟

أضف تعليقك هنا