أزمة اللغة العربيّة..

أزمة اللغة العربيّة هي أزمة رجال

إنّ أزمة العربيّة هي أزمة رجال، لما كانت العربيّة في أيام عزها والعلوم تنتج بها كان هناك رجال، قد عرفوا قيمتها، فكروا باللغة العربيّة، أنتجوا علوما باللغة العربيّة، ذاع صيتهم في الغرب بلغتهم العربيّة، البيروني في علم الفلك، الخوارزمي في الرياضيات، ابن سينا في الطب،…. والقائمة طويلة_لكن من المؤسف أنّ نتحدث عن ماض مجيد عَقِبَهُ حاضر مخجل_  أما عن اللغات التي توصف بالعالميّة اليوم، فقد وجدت رجالا كانت العربيّة قد فقدتهم، أو بالأحرى راحوا يلتحفون غطاء العولمة، بعدما تعروا من ثياب العزة التي ألبستهم إياها العربيّة، بقولنا هذا نحن لسنا ضد اللغات أو ضدّ تعلمها بل ضد الانتقاص من عربيتنا، ضد رميها بالعقم، وما العقيم إلا نحن، فنحن مشكل العربية العويص. مقال يتحدث عن أزمة اللغة العربيّة ويمكنك قراءة المزيد من المقالات التي تتحدث عن أدب من هنا.

هل فقدت اللغة العربيّة القدرة على استيعاب العلوم الحديثة؟

نعيب لغتنا والعيب فينا وما للغتنا عيب سوانا، فما دمنا نعيب اللغة سنظل قوما تُبّعا إلى يوم يبعثون، ونجد موضوع استحقار العربية كثيرا لدى أصحاب التخصصات العلميّة، وكأنهم تشبعوا أو غسل دماغهم ضد العربية، إذ صاروا يقفون موقف المدافع للغات الأجنبيّة، المعارضِ للغة العربيّة كأنها لا تعنيهم، أو لا يفهمون قيمتها في تكوين الهويّة ( الهويّة الثقافيّة، الدينيّةّ، القوميّة)، وما ابتعادهم المبرر هذا عن العربيّة إلا لأنه انقطعت بهم العلاقة فور التحاقهم بالجامعة ودراسة تخصصاتهم باللغة الأجنبيّة، فأصبحوا يرون فيها النموذج الأعلى لاكتساب المعرفة، والاندماج في عالم العولمة، إنّ اللغة العربيّة في وقتنا هذا ما تزال قادرة على حمل العلوم والمعارف، ولا يمكننا أن نغفل الجهد الذي بذلته سوريا في تدريس العلوم الحديثة بالعربيّة: كالطب والفيزياء، والهندسة والكيمياء، فهذا يبرهن على قدرة اللغة العربيّة على استيعاب العلوم الحديثة، وأنّ إشكال اللغة العربيّة يتعلّق بواقعنا المعرفي الراهن، فمن المعروف أنّ حصيلة الإنتاج العلمي في وطننا العربي بما فيها براءات الاختراع التقني، ضئيلة جدا حتى مقارنة ببلدان خرجت لتوّها من عهود التّخلف والاستعمار، وتحررت قبل حوالي نصف قرن، أو أقل من الهيمنة الكولونياليّة، مثل الهند والصين وكوريا والفيتنام، وكوبا المحاصرة منذ أربعة عقود”(1) ( محمد العربي ولد خليفة: المسألة الثقافيّة وقضايا اللسان والهويّة، موفم للنشر، الجزائر، 2016، ص351_352.)

السياسة اللغويّة والتخطيط اللغوي في العالم العربي:

يعد هذان العاملان من أبرز العوامل التي تسهم في ترقيّة اللغات الوطنيّة، فدورهما وضع القوانين التي تحفظ مكانة اللغات الوطنيّة والتخطيط لهذه القوانين من أجل وضعها موضع التنفيذ، وبالنظر إلى حال اللغة العربيّة والاغتصاب الواضح لمكانتها لصالح اللغات الأجنبيّة في شتى المجالات (التعليم، الإعلام، الإدارة، القطاع الخاص، الحياة اليوميّة،…)، يدفعنا إلى القول أنّه لا صرامة في وضع السياسات اللغويّة، كما أنّ هذه الأخيرة تفتقد إلى عامل التخطيط العلمي ذو الرؤية الاستشرافيّة ؛ حيث إنّه من المفترض على كل دولة أن تعليم العلوم بلغتها الوطنيّة، ومثال ذلك اليابان التي تعتمد على الترجمة في استيراد مختلف العلوم إلى لغتها الوطنيّة ثم تعلم أبناءها بلغتهم الأصل وبذلك تصبح المعرفة منتوجا وطنيا، وعليه فقد عززّت اليابان هويّتها بدل من زعزعتها، عكس ما يحصل في  دول العالم العربي الأخرى، وإذا نظرنا إلى واقع الترجمة في  كل البلاد العربيّة نجدها قليلة جدا مقابل ما تقوم به دولة واحدة من الاتحاد الاوروبي فقط، مما يسهم في عدم الانفتاح على ما وصلت إليه العلوم والمعارف الإنسانيّة اليوم، وهذا سيزيدنا تبعيّة للآخر، وصعوبة أكبر في اللحاق بركبه، فالترجمة وسيلة مهمة للإطلاع على الآخر والاحتكاك به والاستفادة مما وصل إليه من تجارب في مختلف ميادين الحياة. واللغة العربيّة في العالم العربي بحاجة إلى سن القوانين اللغويّة والمراسيم التنفيذيّة، مع تعيين لجان تختص بتنفيذها وتتبع مسار ومدى تطبيق هذه القوانين في الواقع ومعاقبة المخالفين، من باب الإعلاء من مكانة اللغة العربيّة على أساس أنّها لغة الهويّة والثقافة العربيّة بالدرجة الأولى.

اللغة العربيّة ؛ بين الحفظ الإلهي والجهد البشري:

صحيح أن اللغة العربيّة غير مهددة بالانقراض نظرا لإيماننا العقائدي المرتكز على قوله تعالى ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾ ونظرا للعدد الكبير والمتزايد للمتكلمين بها، لكن يرجع هذا السبب إلى عامل الدين فقط، لأنه غير ذلك لكانت قد زالت اللغة العربيّة كما حدث مع الكثير من اللغات التي اندثرت منذ قرون، والذي يجب الإشارة إليه هنا هو الفرق بين الحفاظ على اللغة وبقائها رهن الاستعمالات الدينية وتغليفها بالنظرة القدوسيّة بعيدا عن صفة العلميّة، وبين حاجتها إلى الجهد البشري المتمثل في ترقيتها وتطويرها وربطها بمجال التكنولوجيات الحديثة قصد جعلها منافسة في السوق اللغوي العالمي.

فيديو مقال أزمة اللغة العربيّة..

 

أضف تعليقك هنا