“الضياء والنور” في السرد القرآني

《هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً وقدّره منازل لتعلموا عدد السنين …..》سورة يونس الآية ٥

لقد ذكر الله سبحانه و تعالى في مُحكم كتابه أثناء السرد القرآني أنه جعل الشمس ضياء في حين أنه جعل من القمر نور، هنا يتبادر إلى النفس سؤالاً هل هناك مغايرة وإختلاف بين الضياء والنور أم أنها مجرد ترادفات لمعنى واحد؟؟؟!.

الفرق بين الضياء والنور من حيث المعنى 

نجد أن أغلب القواميس الإنجليزية وأيضاً بعض المعاجم العربية تشير إلى أن الضياء والنور ذوي معنى واحد ومُشابه وأنها ألفاظ مختلفة لنفس المسمى.

إن الدقة البلاغية في السرد الإلهي للقرآن ترشدنا وتهدينا إلى حقيقة علمية فيزيائية ذات قيمة بالغة وهي أن الضياء يختلف عن النور والنور يختلف عن الضياء ؛ حيث أن ضياء الشمس هو مصدر الطاقة المباشرة التي ينتج عنها الضوء والحرارة والدفء والطاقة ، أما نور القمر فهو مصدر غير مباشر من مصادر الطاقة.

إن هذا يعني أن ضياء الشمس هو مصدر طاقة ذاتي ومباشر غير مستمد المصدر من غيره ، بل إنه مانح للغير، أما نور القمر فهو مصدر طاقة غير مباشر يعمل على إنعكاس أشعة الشمس لكي يعم بنوره ويبدد ظلام دمس العالم، أي أنه عاكس وليس مانح ذاتي.

تشبيه الله نفسه بالنور في بعض آيات القرآن الكريم

ولكن إذا كانت الشمس ضياءً والقمر نوراً كما ذكرنا سلفاً في مستهل حديثنا ،  فتتبقى إشكالية بالغة الأهمية يثيرها ذلك المعنى ويرمي بظلالها على آية أخرى من النسق والسرد القرآني.

ولنا أن نقول أن تلك الآية قد شكّلت الكثير من أوجه الشبهات وإثارة المزاعم حول القرآن ، إلا أن ذلك يرجع إلى غياب الوعي الإيماني والجهل بالمعاني والمفردات والترادفات وأيضاً إجتزاء النسق القرآني من سياقه لإلحاق المزاعم والتهم الواهية والباطلة من أجل التشويه الواهم لصورة القرآن الكريم ، زاعمين بذلك تحقيق مكاسب عديدة على كافة الأصعدة العلمية والدينية من خلال نشر ذلك الإفك والبهتان على الله.

وتلك الآية التي يدّعون بها تلك المزاعم هي:

《الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح فيه زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درّي يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم 》
سورة النور الآية ٣٥.

لقد أدّعى المتنطعون على الله أن الله وصف نفسه بالنور في حين أن النور مصدر غير ذاتي وغير مباشر ؛ أي مستمد نوره من غيره ، إذن فإن الله ليس مصدر إلهي ذاتي بل هو عاكس لذلك النور من خلال قوة إلهية أعلى من قدرته. سبحانه وتعالى تعاظم جدّه عما نُسب إليه من هؤلاء المتنطعين .

التفسير الصائب للآية “الله نور السموات والأرض…”

لقد غفل هؤلاء المدّعون أن القرآن يفسر بعضه بعضاً وأنه لا يجوز أن نجتزئ آية منفصلة من مجمل آيات القرآن كاملة  ؛ وتدعيماً لعدم صحة ذلك الزعم حيث أن الله سبحانه وتعالى قد ذكر في محكم آياته :

《فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون》سورة النحل الآية ٧٤

وكذلك 《ولله المثل الاعلى》سورة النحل الآية ٦٠

وأيضاً《ليس كمثله شئ》سورة الشورى الآية ١١

نستخلص من مجمل تلك الآيات أن الله سبحانه وتعالى عندما يأتي بذكر مَثَل يخاطب به الإنسان في محكم كتابه فإنه يأتي به للتقريب إلى الأذهان والأفهام وليس لكي يصنع من خلالها الأشباه والأنداد لله في الصفات المشتركة والخصال الواحدة ، فهو سبحانه ليس كمثله شئ .

فعندما وصف الله نفسه بالنور فذلك لكي يوضّح لنا المعنى الخاص بتنويره سبحانه على الكون ؛ حيث أن ذلك التنوير يهدي ويرشد الجميع إلى طريق الحق والصواب والهداية ويُجنبهم طريق المعصية والضلال ؛ وبناء عليه فالمقصود هو التنوير وليس النور المتعارف عليه بين العامة، وإنما جِئ بذلك للتقريب والتبسيط لسهولة الوصول بالمعنى للقلوب ، وتلك هي عظمة ودقة المخاطبة الإلهية التي يخاطب الله بها عباده وخلقه .

فاللهم نُزهت ذاتك عن أي عيب 

وتعالت صفاتك عن أي سلب

وتفردتّ بالعبودية عن أي ندّ 

فيديو مقال ” الضياء والنور ” في السرد القرآني

أضف تعليقك هنا