النظام البيئي بإقليم آسفي: مورد ثراء ومصدر تنمية وعطاء

بقلم: نبيل الهومي

على سبيل البدء

ذاع صيتها في البقاع وانساب نفع خيراتها في الآفاق، هي مرتع خصب للأتربة بمختلف أشكالها ومربع أثير للزراعات بجميع أنواعها، ثروتها السمكية تجوس دروب الوطن لتصل إلى مناطق كثيرة وأماكن عديدة، حتى إن المتذوق لأسماكها وإن بعدت به الديار، يلهج باسمها وإن لم  تطأ قدماه أراضيها، شامخة بماضيها الضارب في أعماق التاريخ، والذي تستلهم صفحاته المشرقة لتضيء حاضرها وتستشرف مستقبلها.

إنها بيسير العبارة “حاضرة المحيط” آسفي؛ المدينة التي تحفل بطبيعة خلابة خضراء وتزخر بخيرات طبيعية انتظمت في نظام بيئي شكل، على امتداد عقود سحيقة وسنين مديدة، مصدر تنمية لساكنة المدينة، ومورد ثراء ميزها عن باقي مدن بلادنا الغراء. فريق التحقيق الصحفي اقتفى أثر النظام البيئي المميز لإقليم آسفي، وندب كل جهوده، قصد تسليط الضوء على مكامن هذا الغنى البيولوجي، والبحث في العوامل المفضية إلى ديمومته واستمراريته، بشكل جعل هذا النظام البيئي، ماضيا وحاضرا ومستقبلا، يضفي على حاضرة المحيط صفة النماء وطابع الازدهار.

إقليم آسفي: علامات على الطريق

يعد إقليم آسفي أحد الأقاليم المشكلة لجهة مراكش آسفي، يضم حوالي 691.983 ألف نسمة بناء على الإحصاءات التي  أجريت سنة 2014، تشكل آسفي عاصمة الإقليم. تفوح مدينة آسفي بعراقة تاريخها؛ الذي اهتبل به العديد من الكتاب والشعراء، فوسمها ابن خلدون بوسم “حاضرة المحيط”، وذكرها الرحالة الشهير ابن بطوطة في مذكراته التي ترجمت إلى أكثر من عشرين لغة.

تعاقب على آسفي أقوام كثر من قبيل القرطاجيين والبرتغاليين والفرنسيين، وخلفوا آثارا شاهدة على أيامهم، وقد حفظت لنا كتب التاريخ أيضا أحداثا كبرى شهدتها المدينة، يبقى أبرزها وصول القائد عقبة بن نافع إليها سنة 681 م، ونشره لتعاليم الدين الإسلامي داخلها. لقد شكلت آسفي، على امتداد التاريخ، ملاذا للتعايش بين مختلف الأجناس، وليس ذلك بغريب على المدينة، فأهلها اشتهروا بالطيبة وكرم الضيافة، مما جعل الوزير الأديب الشاعر محمـد بن إدريس العمراوي يثني على أهل آسفي، قائلا:

إِنْ لَمْ تُعَاشِرْ أُنَاسًا خَيَّمُوا آسَفِي

فَقُلْ عَلَى عُمْرٍ قَدْ ضَاعَ وَا أَسَفِي

تعرف عاصمة عبدة نظاما بيئيا متنوعا؛ ينصرف إلى بيئة حيوية/ لاإحيائية تتمثل في المناخ، ثم بيئة حية/ إحيائية تتجلى في مجموعة من الكائنات الحية (حيوانات- نباتات) التي تتفاعل مع بعضها بشكل مستمر. ولا شك أن هذا النظام البيئي الذي تتميز به آسفي يجعلها عنوانا للتنمية وقِبْلَةً للحياة.

التنوع الفلاحي بإقليم آسفي: مظاهر غنية تَعِدُ بتنمية حقيقية

تشتهر حاضرة المحيط بإنتاجها الفلاحي المتنوع، ومن ذلك زراعة الشمندر، وأشجار الزيتون، والكبَّار، والخضر والحبوب وغيرها. وينتج الإقليم كميات وفيرة من العناصر الفلاحية السابقة، يساعده في ذلك وفرة الأراضي الزراعية وشساعتها ولاسيما بمنطقة “جمعة سحيم”، وعليه، يحقق الإقليم اكتفاء ذاتيا لساكنته على مستوى المنتوجات الفلاحية، بل إنه يتجاوز الاكتفاء المحلي إلى المساهمة في تغطية الحاجيات الوطنية؛ إذ يعد أحد أهم الأقاليم تزويدا للبلاد بالخضر والفواكه والحبوب وغيرها.

وتساهم الموارد الفلاحية في خلق مناصب شغل لساكنة الإقليم؛ إذ تشغل يدا عاملة مهمة بشكل موسمي أو بشكل دائم. ويساهم الإقليم بشكل كبير في الإنتاج الوطني، وعلى سبيل المثال لا الحصر، يعد إقليم آسفي أهم منطقة منتجة للكبَّار في المغرب؛ إذ تقدر مساحته المزروعة بسبعة آلاف هكتار، مما يساهم بشكل كبير في إنتاج المغرب أربعة عشر ألف طن من الكبَّار تُصَدَّرُ سنويا بقيمة مالية  تصل إلى حوالي 25 مليون دولار سنويا، مما يبوئ المغرب المرتبة الأولى عالميا على صعيد إنتاج هذه النبتة.

والأكيد أن جودة الفلاحة بإقليم آسفي راجع إلى التربة الغنية التي تتميز بها حاضرة المحيط، وأهمها تربة “التيرس” التي تمثل أغلبية مساحة آسفي، فهي تشكل حوالي 70000 هكتار خاصة بمنطقة “جمعة سحيم”، بالإضافة إلى وجود تربة “بياضة” المنتشرة بشمال آسفي، ويسميها الفلاحون أيضا باسم “الحمري” وتصل مساحتها الإجمالية إلى حوالي 80000 هكتار.

ويتميز هذا النوع من التربة بكونه لا يتطلب كميات كبيرة من الماء، كما أنه يتلاءم وزراعة جميع أنواع الحبوب، كالقمح والشعير والذرة والعدس..، وكذا مختلف أنواع الأشجار كالتين والزيتون. وأخيرا، تهيمن أراضي “الرّمل” على طول الساحل العبدي في شكل تلال ساحلية تقيم حاجزا طبيعيا يفصل بين البحر المحيط وشواطئه والساحل الصخري الفاقد لتربته بسبب عوامل التعرية.

وفي ما يخص الإنتاج الحيواني تُعَدُّ آسفي المزود الأول للإقليم على مستوى اللحوم، وتساهم بشكل كبير، إلى جانب أقاليم جهة مراكش آسفي، ب ٪ 18 من إنتاج الحليب، و ٪ 12 من إنتاج اللحوم على المستوى الوطني، وتبعا لهذا الإنتاج الحيواني الواعد تنتشر على تراب إقليم آسفي مجموعة من التعاونيات التي تختص بجمع الحليب وبيعه وتسويقه جهويا ووطنيا، بشكل يؤمن حاجيات المغاربة من هذه المادة، إضافة إلى أن الإقليم يضم مجازر عصرية تعنى بذبح الأبقار والمواشي بطرق عصرية تستجيب لمعايير السلامة المعتمدة، ضامنة بذلك جودة اللحوم المعروضة.

يساهم الإقليم، إلى جانب أقاليم جهة مراكش آسفي، ب ٪ 18 من إنتاج الحليب، و٪ 12 من إنتاح اللحوم على المستوى الوطني

وعلاقة بالحيوانات، يعرف إقليم آسفي ظهور نوع من القطط يعرف ب “القط المُرَقَّطُ” ظهر مؤخر بمنطقة “ولاد سلمان” ويعد هذا القط قريبا من فصيلة النمور، وذلك لشبهه الكبير بها. أما بالنسبة للزواحف، فيتميز الإقليم بالضفادع بأنواعها المتعددة، كما تهاجر إلى حاضرة المحيط عدة فراشات، من صنف: “المنقوشة”، و”أمير البحر”، و”النحاسية”.

آسفي: ثروة سمكية هائلة تفتح آفاقا تنموية واعدة

يعد قطاع الصيد البحري من أهم القطاعات التي تميز المدينة منذ سنوات عديدة، ويشتهر الإقليم بسمك السردين الذي تعرف به المدينة وطنيا ودوليا، وهو بمثابة رافد سياحي يجلب متذوقيه إلى حاضرة المحيط قصد التلذذ بطعمه اللذيذ والمفيد. يشغل قطاع الصيد البحري 12 ألفا 600 بحار، وحسب أرقام مندوبية الصيد البحري بآسفي، بلغت نسبة الإنتاج سنة 2018 42 ألف طن بقيمة مالية تجاوزت 290 مليون درهم. وارتباطا بهذا الغنى عرفت آسفي مجموعة من الوحدات الصناعية، منها 19 معملا لتصبير السمك يشغل 20.000 يدا عاملة أغلبها نساء، يساعدهن تصبير السمك في إعالة أسرهن وتوفير مدخول قار يقيهن مؤونة السؤال.

يشغل قطاع الصيد البحري 12 ألفا 600 بحار، وحسب أرقام مندوبية الصيد البحري بآسفي، بلغت نسبة الإنتاج سنة 2018 42 ألف طن بقيمة مالية تجاوزت 290 مليون درهم

مناخ آسفي: تنوع يخلق فرصا أكبر للاستثمار

يتسم مناخ آسفي بكونه شبه جاف في فصل الصيف خاصة ما بين شهري ماي وأكتوبر، ويكون رطبا ممطرا في فصل الشتاء، ويتأثر هذا المناخ بشكل كبير بالمظاهر الطبيعية المحيطة بالمدينة. وتشمل هذه المظاهر الجبال والمحيطات والبحيرات الصغيرة، وقليلا ما تصل درجات الحرارة بآسفي إلى ما تحت الصفر، والعادة أن تتراوح الدرجة ما بين 12 و26 درجة في صل الشتاء.

ويشكل هذا المناخ المتنوع الذي تعرفه آسفي عاملا مساعدا لتحقيق نمو اقتصادي مستدام؛ إذ شجع، وسيجشع، مستثمرين كثر على إقامة مشاريع مختلفة بتراب الإقليم تعود، على ساكنته، بالنمو الكثير والخير العميم.

 على سبيل الختم

النظام البيئي بإقليم آسفي يشكل غنى كثير، هو بالنسبة للساكنة، قمر مضيء ينير لهم دروب التنمية ويسير بهم نحو تقدم كبير.

بقلم: نبيل الهومي 

أضف تعليقك هنا