البحث الإجرائي التربوي

بقلم: غدير رشاد علي ياسين

مقدمة:

إن البحث الإجرائي ذو نهاية مفتوحة بطبيعته. فهو لا يبدأ بفرضية محددة بل بفكرة تطورها أنت فهو عملية تطويرية للأفكار. من خلالها نجد أن البحث الإجرائي عملية تقييمية. فهو يستخدم بكثرة في السياقات المهنية، وتقديم النصائح وتقييم الذات. فالبحث الاجرائي عملية استراتيجية لمساعدتك على العيش في طريقة تشعر أنها جيدة. تساعدك على عيش الأمور التي تؤمن بها، وتهيئك لإعطاء أسباب لكل خطوة من خطوات طريقك.

كلنا نعمل بحثاً إجرائيا:

كم مرة سقطت عن الدراجة الهوائية قبل أن تتقن ركوبها، في الحقيقة لم تتوقف عن المحاولة بعد كل سقوط، وغالبا لم تفكر لماذا سقطت على الأرض. ربما جربت استراتيجيات جديدة لقيادة الدراجة حتى نجحت في الطريقة.
فروتين البحث الاجرائي، أنك عرفت القضية، تخيلت طرقا لمعالجتها، طبقت حلولا ممكنة، قيمت الحل، غيرت الممارسة في ضوء التقييم. كتبته، وأطلعت علية أحد الزملاء، فأنت بهذا تعمل بحثا اجرائيا. يقول لورنس ستينهاوس إن البحث فحص وتحقيق منهجي يتم الإعلان عنه، وهذا ما تفعله فعليا، فهذا بحث إجرائي غير رسمي كنشاطاتنا في الحياة اليومية، فهو بمثابة وضع نظام أو هيكلية منطقية لأفعالنا في حل المشاكل، ونعلن للناس بأننا نعلم ماذا نفعل.

أما البحث الإجرائي الرسمي فيتم بمساهمة المهنيين في سياق حرفي، بالأخص كجزء من تعلمهم المهني. ونظرا إلى النجاح الذي حققه هذا النوع من البحوث في الحياة المهنية، فقد تم تطبيقه في التربية، مما يتطلب صياغة تعريف خاص به في المجال التدريسي.

ما هو البحث الإجرائي:

البحث الإجرائي يتكون من كلمتين كلمة إجراء تعني الفعل والتدخل وكلمة بحث وتعني الاستقراء والتأمل. فالبحث الإجرائي يعني الإجراء الذي تبنى من خلاله معرفة جديدة كما يعني تجريب الأفكار في الممارسة كوسيلة للتطوير وزيادة المعرفة، ولضمان جودة العملية التدريسية ينبغي أن ندرس جوانبها كافةً بحيث لا نهمل جانباً على حساب الآخر ومن هنا ينبغي أن نوضح مجالات البحث الإجرائي في العملية التربوية.

فالبحث الإجرائي هو استقصاء منظم يجريه أطراف العملية التربوية من معلمين، القائد التربوي، المشرف التربوي، تجمع فيه البيانات عن الطرق التي تدار بها مدارسهم وكيفية تدريس المدرسين، لاكتساب فهم أعمق يتيح تطوير ممارسات تأملية تسهم في تغييرات إيجابية لتعزيز كفايات الأطر التربوية كضمان تحقيق الجودة في العملية التدريسية.

  • المشكلات التربوية: التي تتصل بالمناهج وطرائق التدريس وأساليب التعليم وتحصيل الطلاب وأساليب التقويم.
  • المشكلات النفسية: التي تتصل بشعور الطلاب وسلوكياتهم وتفاعلهم في الصف.
  • المشكلات الاجتماعية: التي تتعلق بالمدرسة والبيئة المحيطة لها وعلاقة الطلاب مع بعضهم ومع معلميهم.
  • المشكلات المادية: التي تتعلق ببيئة المدرسة المادية ومرافقها (مختبرات، فصول، ملاعب، مسرح، قاعات، الخ).

يمكن القيام بالبحث الإجرائي على وجه فردي بحيث يقوم به المعلم في الصف الذي يعلمه، وقد يكون على وجه تعاوني مع عدد من المعلمين (تخصص واحد مثلاً)، وقد يكون جماعياً من جميع معلمي المدرسة.

إن أهمية البحث الإجرائي تسوّغ الجهد والوقت المبذول لأجله، فهو يعالج مشكلات غير نمطية يصعب اتخاذ قرار حيالها بالطرق التقليدية، كفحص المعلم أدائه المهني لتطويره من خلال تعرفه على المشكلات التي يواجها وحلها باستخدام منهجية علمية ملائمة تزيد من قدرته على العمل والإنتاج لتتكامل معرفته ومهاراته نتيجة اكتسابه قدرة تحليلية تنمي تفكيره الناقد وتطور قدرته على كتابة المذكرات والتقارير، ونشرها للاستفادة منها.

كما ويساهم البحث الإجرائي في ترسيخ فكرة المعلم المتعلم والمعلم الباحث الذي يحدث تغييرا أفضل على مستوى المدرسة والإدارة والمنهج. في الجانب الأخلاقي والإنساني والاجتماعي في العملية التربوية ويزيد التواصل بين والمشرفين والمعلمين والطلبة.

يتمتع البحث الإجرائي بخصائص منها:

  1. دوري: يتم فيها الإجراء والتأمل الناقد بشكل دورة.
  2. واقعي: يشخص مشكلة تربوية حقيقية، ويتناول مواقف تعليمية متعددة، لذا يسمى بالبحث الموقفي.
  3. متعدد الأبعاد: يحل مشكلة تربوية من زوايا متعددة: نفسية، اجتماعية، مادية.
  4. تطويري: يطور الكفاءة المهنية للمعلم من خلال تمهيره على تشخيص المشكلات المتعلقة بالفصل الدراسي وايجاد الحلول المناسبة لها.

معايير البحث الاجرائي:

وضوح مشكلة البحث وأهدافه، أسلوب البحث وطريقته، المسلمات والفرضيات التي ينطلق منها الباحث، متغيرات البحث ودقة البحث ووضوح النتائج وإمكانية ملاحظتها وتفسيرها، تقرير البحث وتنظيمه وشمول ووضوح التقرير وارفاق الملاحق الضرورية بالتقرير، وكذلك قيمة البحث بانسجام نتائجه مع الوضع القائم وعوائد البحث على المستهدفين

أهداف البحث الإجرائي:

يمكن البحث الاجرائي المعلم من تحسين ممارساته التعليمية، وتجريب أفكار إبداعية جديدة بإحداث تغيير مهم ودائم في تعلم الطلاب، وزيادة دافعية المعلم للبحث والاستقصاء وتدعيم ثقته عند اتخاذ قراراته التعليمية لترسيخ فكرة المعلم الباحث والمعلم المتعلم الذي يطور نفسه وتحسين التواصل بين المعلمين والباحثين التربويين ونشر نتائج البحوث لتعميم الفائدة.

خطوات إجراء البحث الإجرائي:

يحدد الباحث الفكرة العامة للبحث من خلال احساسه بالمشكلة وتحديده للوضع الذي يرغب بتطويره، حيث يصيغها بأسلوب تقريري او استفهامي، ثم يبحث عن الادلة والمؤشرات الدالة على وجود المشكلة باستخدام ادوات معينة كالاختبارات والمقابلات. ثم يحلل المشكلة بالتعرف على  اسبابها والعوامل المراد تغييرها او تعديلها وتحسين الوضع الراهن. ثم يضع فرضيات للبحث تجيب عن اسئلة البحث من خلال اطلاع الباحث على دراسات متعلقة بالموضوع للمساعدة على فهمه.

إن أهم خطوات البحث الإجرائي تتمثل بتصميم خطة البحث وتحديد الأهداف والإمكانات ووسائل جمع البيانات والإجراءات العلاجية، ثم تنفيذ الخطة بتدابير أولية لحل المشكلة، وهذا يستلزم تحديد الموارد المادية والبشرية اللازمة والزمن المقترح للتنفيذ، وكذلك تحديد الصعوبات المتوقعة والبدائل المقترحة من خلال تنفيذ الدروس التطبيقية وتوثيقها، والتأمل في الممارسة من المعلم نفسه وزملائه، وتعديل الخطة وإعداد دروس تطبيقية تراعي التعديلات المقترحة، والتأمل في الممارسة المعدلة وإعطاء تغذية راجعة.

بعد جمع البيانات يتم تنظيمها وتحليلها بعقد جلسات التأمل والمناقشة وتحلل البيانات المجمعة بهدف الإجابة عن أسئلة البحث وتفسير النتائج واستخلاصها في ضوء النظرية والتطبيق بإصدار حلول وأحكام على مدى نجاح التدابير المتخذة لحل المشكلة وتقديم النصائح والاقتراحات والتوصيات.

يمر البحث الاجرائي بمرحلة التقويم وهو على نوعين:

التقويم المرحلي: المتمثل بالجلسات التأملية والمذكرات التي يكتبها المعلم في كل خطوة من خطوات التنفيذ. أما التقويم الختامي: كآراء الطلبة والمعلمين المشاركين وملاحظات المعلم الباحث على سلوك الطلبة ودافعيتهم وتحصيلهم قبل التجربة وبعدها.

وهذه الخطوات يلزمها مهارات التفكير التأملي ووجود برامج تدريب لإجراء البحوث الاجرائية والتعاون في الميدان التربوي والمبادرة، واخيرا، يتم اعلانها للجمهور بالإبلاغ عن نتائج البحوث الاجرائية والاستنتاجات والتوصيات المتاحة او تقديمها او نشرها، باي شكل شفهيا كتابيا مرئيا ماديا الى المعلمين والمشاركين او اصحاب المصلحة

عوامل نجاح البحث الإجرائي:

  • دراية كاملة بأساليب ووسائل البحث العلمي.
  • عرض الفكرة على المعلمين ومناقشة هذه البحوث، وعرض بعض البحوث الميدانية التي أجريت في بعض المدارس
  • توضيح أهمية البحث الإجرائي للمعلمين وضرورة اقتناعهم به
  • مشاركة القائمين بالبحث في جميع مراحله وخطواته
  • توافر المراجع والأدوات اللازمة للقيام بالبحث
  • اختيار مشكلة البحث وفق الحاجات والأولويات الضرورية عند
  • مراعاة توافر الظروف الموضوعية لمعالجتها عند اختيار مشكلة البحث

خصوصية المدرسة الفلسطينية ومدى حاجتها للبحث الإجرائي:

إن رأس مـال الأمة الفلسطينية الوحـيد الذي تواجه به تحديات ومعوقات الارتقاء، أبنائها، تعلق عليهم آمال بناء المستقبل لتلحق بركب الدول المتقدمة. فللمجـتمع الفلسـطيني خصوصيته، فهو يواجه العديد من التحديات والمعوقات التي تعـرقل العمل البناء المثمر في جميع المجالات، بالإضافة إلى التحديات التي تفرضها المتغيرات العالمية المعاصرة، فالاحـتلال وسياسـاته المسـتمرة مـن إغلاق الطرق وبناء جدار الفصل العنصري والاعتقالات، وقلة الموارد المالية وصعوبة الحياة الاقتصادية وغيره.

إن مواجهـة هـذه التحديات يعنى الاستمرار في تطوير العمل التربوي، والـتجديد النوعي والكمي في هذا المجال، وهذا يتطلب أفراداً لديهم الرغبة في التعليم والتعلم من أجل تطوير وتحسين نوعية أعمالهم، كما يتطلب ضمان مبادئ الديمقراطية والعدالـة. وهي تعتبر من المـبادئ التـي يقوم عليها البحث الإجرائي، لذا فإن البحث الإجرائي يتناسب مع الواقع المتغير والمتجدد للتربية الفلسطينية، وقد يكون أحد روافد التطوير المنشود الذي يسعى إليه التربويون.

مجالات البحث الإجرائي في فلسطين:

تتعدد مشكلات العملية التدريسية، ويمكن تصنيفها إلى مشكلات مادية تتصل ببيئة المدرسة ومرافقها ( الحديقة، المكتبة، المختبر …)، إدارية وفنية تتعلق بعناصر العملية التربوية ( الهيئة التدريسية، الهيئة الإدارية، الطلاب)، اجتماعية تتصل بالتفاعلات البيئية والتواصل بأنواعه وعلاقة المدرسة بالمجتمع، وتربوية ( تعليمية أو تعلمية ) تتصل بالمنهاج أو طرائق التدريس والضعف في تحصيل الطلبة، تطوير الأنشطة وإثراء المنهج وأساليب تقويم الطلبة.

لذا، علينا كباحثين تربويين نشر الوعي بين المعلمين بأهمية البحوث الإجرائية في العملية التعليمية كأحد مداخل النمو المهني لدى المعلم، بل أحد مداخل تحسين العملية التربوية برمتها، وعقد دورات تدريبية للمعلمين لتدريبهم على إجراء البحوث الإجرائية مع متابعتهم المستمرة، وتخصـيص نشـرة تـربوية تـوزع على المدارس تتضمن تجارب المعلمين في البحوث الإجرائية حتى يتسنى تعميم الفائدة لهم.

علينا الاهـتمام بالـبحوث الإجرائـية علـى كافة المستويات؛ المعلمين والمدراء والمرشدين التربويين ومشرفي المباحث المختلفة، وكذلك توعـية المعلمين قبل الخدمة بدور البحوث الإجرائية في تحسين أدائهم المهني وتطويره، وتدريبهم على إجراء هذا النمط من البحوث ضمن مقررات مناهج البحث في الجامعات، وتوفير الدعم المادي والمعنوي للمعلمين لضمان قيامهم بعمل بحوث إجرائية ميدانية. آمل أن يثير البحث الإجرائي اهتمامك، وأن تتمكن من عمل بحث إجرائي في عملك (شاهد مقاطع فيديو موقع مقال على اليوتيوب)

المراجع:

  • محمد، مصطفى وآخرين. البحث الاجرائي. دار الفكر.
  • القصراوي، عماد شوقي. البحث التربوي الاجرائي كأحد فروع البحث العلمي. عالم الكتب.
  • مركز القطان للبحث والتطوير التربوي. البحث الاجرائي من أجل التطور المهني. سلسلة نشرات تربوية للمعلمين في فلسطين.
  • وهابي، محمد. البحث الاجرائي ومشاكله عند الأستاذ المتدرب، مجلة علوم التربية، العدد (62). أستاذ بالمركز الجهودي لمهن التربية والتكوين لجهة فاس-بولمان-فرع صفرو
  • وزارة التربية والتعليم (1983 “.(دليل المشرف التربوي ” عمان : دار الشعب
  • دليل-الإشراف-التربوي-فلسطين-2016
  • بلقـيس، أحمـد (1985 ” .(البحـث الإجرائي المنهج العلمي التطبيقي لتحسين ممارسات العامليـن التربوييـن “. عمـان رزمة البحث الإجرائي لمدربي المعلمين برنامج القيادة والمعلمين كانون الثاني 3
  • البحوث الإجرائية مدخلاً لتحسين العملية التربوية في ضوء المتغيرات الحديثة بحث مقدم إلى مؤتمر التربوي الأول “التربية في فلسطين وتغيرات العصر” المنعقد بكلية التربية في الجامعة الإسلامية في الفترة من 23-24/11/2004م إعــداد د. رندة عيد شرير دكتوراه أصول التربية د. رحمة محمد عودة دكتوراه المناهج وطرق التدريس نوفمبر 2
  • المراجع الاجنبية:
  • kemmis,S and Mc Taggart,R.(1982).”The Action Research Planner”, Australia: Deakin University Press

بقلم: غدير رشاد علي ياسين

 

أضف تعليقك هنا