إدارة الأزمات

بقلم: دزيري أحمد عدنان

يعتبر موضوع إدارة الأزمات أحد أهم موضوعات علوم الإدارة الحديثة ونظرا لحداثة هذا الموضوع فإنه يبدو للكثيرين تعبيرا غامضا وحتى بالنسبة للذين يعرفون شيئا عن الموضوع فإنهم كثيرا ما لا يقتنعون به لأسباب متعلقة بمجال تطبيقه أو من ناحية جدوى ذلك التطبيق ولكن الواقع العملي أثبت أهمية اللجوء لهذا الأسلوب كنتيجة طبيعية لتطور ظروف الحياة وتعقدها في كافة مجالاتها

مفهوم إدارة الأزمات

تعتبر إدارة الأزمات من المفاهيم الحديثة نسبيا حيث تحظى باهتمام كبير ومتزايد من جانب الباحثين والخبراء في العلوم الإدارية وقد نشأ مصطلح إدارة الأزمات كمبحث من مباحث الإدارة العامة ونال الاهتمام الكبير من جانب المنظمات والمؤسسات الحكومية كأسلوب للإدارة في مواجهة الأحداث والمتغيرات ﻏﲑ المتوقعة والمتلاحقة لانجاز ﻣﻬﺎم ﻋﺎﺟﻠﺔ كما ساهم اهتمام الدول والحكومات في مواجهة الظروف الطارئة والكوارث المفاجئة إلى زيادة الاهتمام به والدفع نحو تطويره والبحث المستمر فيه وﺗﻌﺘﱪ أزﻣﺔ اﻟﺼﻮارﻳﺦ اﻟﻜﻮﺑﻴﺔ ﻋﺎم 1962م النموذج الناجح لإدارة الأزمات وإشارة البدء لانطلاق الجهد الأكاديمي في تأصيل مبادئ إدارة الأزمات وبها يؤرخ تاريخ دخول هذا المصطلح إلى قاموس العلاقات الدولية وذلك عندما أطلق وزير الدفاع الأمريكي روبرت مكنمارا في عهد الرئيس جون كيندي جملته الشهيرة: (( لم يعد هناك بعد الآن مجال للحديث عن الإستراتيجية وإنما عن إدارة الأزمات فقط )) ومنذ ذلك الحين اتسع مفهوم إدارة الأزمات ليشمل إدارة أزمات ذات صبغة سياسية من منظور العلاقات الدولية وما يعتريها من تقلبات ثم عاد مفهوم إدارة الأزمات مرة أخرى ليرتبط بعلم الإدارة فاختلف الكتاب في تقديم تعريف دقيق لهذا المفهوم لاختلاف توجهاتهم الفكرية فهناك من عرفه بأنه:

  1. هي الكيفية التي يتم بواسطتها التغلب على الأزمات بالأدوات العلمية والإدارية المختلفة والتحكم في ضغطها ومسارها واتجاهاتها وتجنب سلبياتها والاستفادة من ايجابياتها
  2. هي الحلول المقدمة للمشاكل الناجمة عن الأزمة
  3. هو عملية تخطيط استراتيجي تستلزم قيام الإدارة باتخاذ مجموعة من القرارات في ظل ظروف يسودها التوتر وفي وقت محدد وتستهدف الاستجابة السريعة لأحداث الأزمة ومنع تفاقمها والتقليل من نتائجها السلبية إلى حد يضمن استعادة المنظمة لأوضاعها الطبيعية
  4. هي عملية ديناميكية وعملية مستمرة تتضمن أفعالا وتصرفات على درجة عالية من الفاعلية وتتضمن أفعالا وتصرفات مستجيبة ويكون الهدف منها تحديد وتشخيص الأزمة والتخطيط لها ومواجهتها ومعالجتها

ولا شك أن هناك الكثير من المفاهيم الشائعة والتي قد تتشابه مع مفهوم إدارة الأزمات ولكنها في واقع الأمر تختلف عن هذا المفهوم في بعض الخصائص نذكر منها على سبيل المثال مفهوم الإدارة بالأزمات الذي ينظر إليه البعض على أنه انتظار المدراء للأزمات حتى تحدث ثم يبدؤون بعد ذلك في التعامل معها أو هو لجوء المدراء لافتعال الأزمات لأنها تعطيهم سلطة أكبر على الآخرين أو تجعل الآخرين أكثر قبولا للقرارات التي يتخذونها في ظل الأزمات بينما آخرون ينظرون لهذا المفهوم بأنه قيام المدراء بالسماح للمشاكل الصغيرة بالتطور حتى تصل إلى مستوى الأزمة بدلا من التعامل معها في وقت مبكر

مراحل إدارة الأزمة:

تمر معظم الأزمات بخمس مراحل أساسية تتمثل في:

أولا: مرحلة اكتشاف إشارات الإنذار: عادة ما ترسل الأزمة قبل وقوعها بفترة سلسلة من إشارات الإنذار المبكر التي تنبئ باحتمال وقوع الأزمة وما لم يوجه الاهتمام الكافي لهذه الإشارات فمن المحتمل جدا أن تقع الأزمة وتشكل إشارات الإنذار المبكر عادة مشكلة حيث يستقبل قادة المنظمات العديد من أنواع الإشارات في نفس الوقت كما أن كل أزمة ترسل الإشارات الخاصة بها مما يصعب التفرقة بين الإشارات

ثانيا: مرحلة الاستعداد والوقاية: يجب أن يتوفر لدى المنظمة استعدادات وأساليب كافية للوقاية من الأزمات وهو الأمر الذي يؤكد على أهمية إشارات الإنذار المبكر لأنه من الصعب أن تمنع وقوع شيء إذا لم تكن لديك القدرة على التنبؤ باحتمال وقوعه ويتلخص الهدف من هذه المرحلة في اكتشاف نقاط الضعف في المنظمة ومعالجتها

ثالثا: مرحلة احتواء الأضرار و الحد منها: تهدف هذه المرحلة إلى إعداد وسائل للحد من الأضرار الناتجة عن الأزمة ومنعها من الانتشار لتشمل باقي مجالات عمل المنظمة التي لم تتأثر بعد

رابعا: مرحلة استعادة النشاط: وتشمل إعداد وتنفيذ البرامج الاتصالية والإدارية الهادفة إلى إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل وقوع الأزمة

خامسا: مرحلة التعلم: وفيها يتم تقويم عملية إدارة الأزمة ككل واستخلاص دروس من الأزمة يتم الاستفادة منها مستقبلا تجنبا لحدوث أزمات أخرى

 أساليب ادارة الأزمات

أولا: الأساليب التقليدية:

تتميز بطابعها الخاص المستمد من خصوصية الأزمة وهذه الأساليب استخدمت عبر العصور وأثبتت نجاحات كبيرة ومن أبرز هذه الأساليب:

  1. تجاهل الأزمة أو إنكار الأزمة: وهي أبسط الطرق التقليدية حيث يعلق المسؤول أو متخذ القرار الإداري أنه لا توجد أي أزمات وأن الأوضاع القائمة تعبر عن أفضل حال وهو غالبا ما تنتهجه الإدارات التسلطية والتي تسعى من خلال إنكار وجود الأزمة للسيطرة عليها وعدم خروجها للعلن
  2. كبت الأزمة: يتم من خلال إغلاق جميع المنافذ التي يمكن أن تدخل منها قوى صنع الأزمة والعمل على إفقادها قوتها وعدم السماح لها بالتجدد الذاتي والقضاء أولا بأول على ما يمكن أن يشكل محورا من محاور التجدد
  3. تشكيل لجنة لبحث الأزمة: تستخدم هذه الطريقة عندما لا تتوافر معلومات عن القوى الحقيقية التي صنعت هذه الأزمة أو لها مصلحة في إنشاءها حيث يتم رصد هذه القوى وتشخيص جميع الجوانب التعاملية وعادة ما تأخذ اللجان فترة طويلة من الزمن حتى ينسى الجميع الأزمة وأسبابها
  4. بخس الأزمة أو التقليل من شأنها: ومحور هذه الطريقة التقليل من شأن الأزمة ومن تأثيرها ومن نتائجها لكن يتعين أولا الاعتراف بالأزمة كحدث تم بالفعل وأنه حدث غير هام
  5. تنفيس الأزمة: يتم ذلك من خلال دراسة واسعة لقوى الضعف الخاصة بالأزمة والعمل على تخفيف الضغوط داخل الكيان الإداري التي من الممكن أن تؤدي إلى ظهور الأزمة
  6. تفريغ الأزمة: يتم بموجب هذه الطريقة إفقاد تيار الأزمة قوته حيث يتم وضع مسارات بديلة لكل فرع من فروع قوى الأزمة حتى يصبح تيار الأزمة الرئيسي مجزأ إلى تيارات فرعية يسهل التحكم فيها
  7. طريقة عزل قوى صنع الأزمة: حيث يتم تصنيف قوى صنع الأزمة إلى قوى صانعة وأخرى مؤيدة وثالثة مهتمة بالأزمة
  8. طريقة إخماد الأزمة: وهي من الطرق بالغة العنف تقوم على الصدام العلني والصريح مع جميع قوى الأزمة التي يتضمنها تيار الأزمة والعمل على تصفيتها دون مراعاة أي مشاعر أو قيم

ثانيا: الأساليب غير التقليدية:

وهي التي ظهرت في عصرنا الحالي نتيجة التطورات العصرية أبرزها:

  1. فريق العمل المتكامل: يعد من أكثر الأساليب استخداما يعتمد على تشكيل فريق لإدارة الأزمة يضم خبراء ومتخصصين في مجالات مختلفة لإدارة الأزمة وإعداد خطط لمواجهتها
  2. طريقة الاحتياطي التعبوي أو ادخار الاحتياطات: تعتمد عليه الكيانات الإنتاجية الصناعية التي تحتاج إلى مواد خام لعمليات الإنتاج وبذلك يمكنها مواجهة أزمة النقص في المواد الخام
  3. طريقة المشاركة الديمقراطية: تستخدم عندما تتصل الأزمة بالأفراد أو يكون محورها عنصرا بشريا
  4. طريقة احتواء الأزمة: يعتمد على حصار الأزمة في نطاق محدود واستيعاب الضغط المولد لها
  5. طريقة تصعيد الأزمة: وتستخدم هذه الطريقة عندما تكون معالم الأزمة غير واضحة من قبل متخذ القرار بسبب تعدد التكتلات المساعدة في تكوينها لذا لإضعاف الأزمة لابد من تصعيد الأزمة حتى تصل إلى مرحلة تعارض المصالح الذي ينجم عنه تفكك التكتلات وغالبا ما يتبع هذا الأسلوب في الأزمات السياسية
  6. طريقة تفريغ الأزمة من مضمونها: يقوم على تحديد مضمون الأزمة عن ما إذا كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية لتفريغ مضمونها فتفقد هويتها وقوتها الدافعة ويمكن تفريغ الأزمة من مضمونها إما بالتحالفات المؤقتة مع القوى المسببة للأزمة أو بالاعتراف الجزئي بالأزمة ثم إنكارها
  7. طريقة تفتيت الأزمة: وهو من أفضل الأساليب للتعامل مع الأزمات الضخمة وشديدة القوة التي تنذر بأخطار عديدة ويعتمد هذا الأسلوب على المعرفة الكاملة بالقوى المسببة للأزمة وتحديد مصالحها المتعارضة ومنافعها المحتملة وتحالفاتها القائمة ثم التأثير في وحدة تلك التحالفات وتحويل الأزمة الأساسية إلى أزمات محدودة الحجم تفقدها ضغطها الذي كان موجودا في إطار التحالفات
  8. تدمير الأزمة ذاتيا من الداخل: وهو من أصعب الأساليب يستخدم في الأزمات ذات الضغط العنيف والمدمر والتي يفتقر فيها إلى المعلومات فيتعامل معها بعنف ويسعى إلى التأثير في مكامن الضعف فيها واستقطاب بعض القوى ذات التأثير المباشر في قوى الأزمة بهدف التأثير في استقرارها وإفقادها التماسك وإيجاد حالة من الصراع الداخلي بينها ما يؤدي إلى تدميرها ويلي ذلك القضاء على القوى المتزعمة للأزمة وإفقادها مصداقيتها والمساعدة على إيجاد زعامات جديدة تكون أكثر اعتدالا وتفهما للموقف يمكن من خلالها تكوين قوى تتصف بالايجابية والفاعلية داخل الكيان الإداري
  9. إعلان الوفرة الوهمية: وهو من أحد الأساليب النفسية التي تنتهج في الأزمات العنيفة والسريعة والمتلاحقة الأحداث والتي يصاحبها عامل نفسي يعمل على خلق حالة فزع وخوف شديد قد تجذب قوى جديدة إلى الأزمة ويتضح ذلك في الأزمات التموينية المتعلقة بالسلع الضرورية التي يتدافع المستهلكون في الحصول عليها مهما كانت أسعارها فيبادر إلى الإيحاء بوفرتها ونفي الأزمة
  10. تحويل مسار الأزمة: يستخدم هذا الأسلوب في الأزمات العنيفة التي لا يمكن إيقاف تصاعدها حيث يتم اللجوء إلى تحويل مسار الأزمة العنيفة إلى مسارات بديلة أخرى تتيح احتواءها باستيعاب نتائجها والخضوع لها والاعتراف بأسبابها ثم التغلب عليها تغلبا يحسر أضرارها إلى أدنى مستوى ممكن

ثالثا: الأسلوب العلمي في مواجهة الأزمة:

وهو الأسلوب الأكثر ضمانا للسيطرة على الأزمة ويمر بمجموعة من الخطوات المتكاملة والمترابطة تتمثل في:

  • تقدير الموقف ومدى ما وصل إليه الوضع من نتائج وردود الفعل
  • إجراء دراسة مبدئية لأبعاد الأزمة
  • تحليل الموقف وإجراء دراسة تحليلية للأزمة
  • إعداد خطة علمية ومتكاملة للتعامل مع الأزمة
  • التدخل العقلاني في التعامل مع الأزمة بعد أن يتم تشخيصها

أهم المناهج المستخدمة في تشخيص الأزمات

لذا يعد التشخيص السليم للأزمة مفتاح التعامل معها ومن أهم المناهج الأساسية المستخدمة في تشخيص الأزمات نجد:

  1. المنهج الوصفي التحليلي: يقوم هذا المنهج على تشخيص الأزمة وفقا للمرحلة التي وصلت إليها من حيث تحديد ملامحها والنتائج التي أفرزتها وتأثيرها على هيكل الكيان الإداري الذي حدثت فيه الأزمة وعرض أبعادها ومظاهرها وجوانبها
  2. المنهج التاريخي: يعتمد على النظرية التي تقول أن أي أزمة من الأزمات لا تنشأ فجأة وأنها ليست وليدة اللحظة ولكنها نتيجة أسباب وعوامل لها تاريخ لذلك التعامل وفق هذا المنهج مع الأزمة يبنى على أساس معرفة كاملة بتاريخ الأزمة وتطورها والعوامل التي أثرت فيها
  3. منهج النظم: ينظر هذا المنهج للأزمة على أنها نظام متكامل يحتوي على أربعة عناصر هي: مدخلات الأزمة – نظام تشغيل الأزمة – مخرجات الأزمة – التغذية عكسية ويساعد هذا المنهج في التعامل مع الأزمة في جميع مراحلها بفعالية بغرض التغلب عليها وتحديد مصدرها
  4. المنهج البيئي: يعتبر الأزمة بأنها وليدة البيئة التي نشأت فيها وتفاعلت معها لذلك يقوم هذا المنهج عند تشخيص أي أزمة بتحليل قوى البيئة المؤثرة في صنع الأزمة ليساعد متخذ القرار الإداري على التعامل مع القوى البيئية التي أدت إلى ظهورها
  5. منهج دراسة الحالة: يعتمد هذا المنهج على دراسة كل أزمة على حدى باعتبارها حالة مستقلة لها طبيعة خاصة كما يعتمد على التشخيص الدقيق للأزمة وتتبعها بشكل تاريخي وتحليل كل عواملها
  6. منهج الدراسات المقارنة: يعتمد على دراسة الأزمات التي تمت في الماضي ومقارنتها موضوعيا بالأزمات التي نواجهها في الحاضر بغرض توضيح أوجه التشابه والاختلاف
  7. منهج الدراسات المتكاملة: يقوم على استخدام جميع المناهج السابقة وفي إطار هذه الرؤى تتم دراسة كافة العوامل والمتغيرات الكلية والجزئية الخاصة والعامة المباشرة وغير المباشرة التي تؤثر في الأزمة وتطورها ويتيح هذا المنهج تحقيق عدة أبعاد منها: العمق والشمول والاتساق والتوازن (شاهد فيديو موقع مقال على اليوتيوب)

بقلم: دزيري أحمد عدنان

 

أضف تعليقك هنا