الخصائص النَّمائية لمرحلة المراهقة/ المرحلة المتوسطة والثانوية- طريقك لاستيعابهم وتَفَهُّم سلوكهم وطرق تعلُّمهم

بقلم د. أحمد جميل عايش/ أستاذ مشارك في الإدارة والتخطيط التربوي 

مقدمة:

يرتبط نجاح المعلم في إدارته للعملية التعليمية التعلمية بِعِدّة عوامل وكفايات علمية وتربوية وإنسانية، وهي بمجموعها تشكل نظامًا من شبكة علاقات تكاملية تربطها قواسم مشتركة تزيد من فرص نجاح المعلم/ة في إحداث التغيير في شخصية المُتعلِّم/ة معرفيًّا ووجدانيًّا ومهاريًّا .

فَهْم خصائص المتعلمين عامل مُهِم في فَهْم كيف يُفَكِّرون؟ وكيف يتعلَّمون؟ وكيف يَسْلُكون ؟، فَهْم الطلبة  يعني القدرة على فَهْم واقع سلوكهم وما وراء تفكيرهم ، فَهْمُهُم يعني اختصار الكثير من الوقت والجهد في إدارة السلوك وتحقيق التعلم في ظروف نفسية ومادية مريحة، إنَّه يعني تَقبُّل مضايقاتهم وتلاشي مشكلاتهم ، ويعني إطفاء شرارة غَضَبهم، والتناغم مع خصائصهم بحكمة ، بعيدًا عن مُتغيّرات وفوارق العُمْر أو المؤهل أو المكان والزمان والعلاقة التي تربطنا بهم ، فَهْمُهُم يعني أنَّك قريب منهم، وأنَّهم أكثر قُرْبًا من ذويهم إليك.

وفي هذه النشرة سَنُسلِّط الضوء على الخصائص الانفعالية للطلاب في مرحلة المراهقة ( المراهقة Adolescence: التَّدرُّج الزماني نحو النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي ،وهي على ثلاثة أشكال: مراهقة مُتزنة خالية من المشكلات، مراهقة انعزالية ينسحب فيها المراهق من مجتمعه الأسري والمدرسي والاجتماعي ، مراهقة عدوانية  وفيها يتم تجسيد الخصائص النَّمائية للمرحلة بسلوكاتها المتعددة ) التي تقع بين السنوات 12 – 18 وهي الخاصة بطلبة المرحلة المتوسطة والمرحلة الثانوية (ذكور وإناث)  مع وجود بعض الفوارق في الخصائص بين الذكور والإناث .

يأتي الاهتمام بالخصائص الانفعالية باعتبارها الأهم في إدارة وتوجيه السلوك لهذه الفئة من المتعلمين ، ونترك الاطلاع الخارجي على الخصائص العقلية والجسمية للقرّاء الكرام من باب زيادة الوعي الشمولي بهذه المرحلة الحاسمة من عمر الطالب / الابن  .

ست حقائق تربوية حول التعامل مع الخصائص النَّمائية للمراهق

الحقيقة الأولى:

أنَّ الخصائص النَّمائية لطلاب مرحلة المراهقة (المتوسطة والثانوية) خصائص مَرْحَليِّة سَرعان ما تتلاشى خلال السنوات التالية التي يدخل فيها مرحلة الرُّشد، ومرحلة الشباب والرجولة ، وقد تتداخل الخصائص لبعض الطلاب ؛فتجد بعضهم قد أنهى مراهقته مُبكرًا ، وبدأ التفكير بمستقبله وتَخَطَّى مرحلة المراهقة إلى مرحلة الرُّشد أسرع من غيره ،بما نلاحظه من سمات الاتزان والنضج وَتَحَمُّل المسؤولية تجاه نفسه وأسرته ومجتمعه، فَيَمُر بمرحلة المراهقة بانسيابية وسَويِّة دون متاعب ، ونجد البعض الآخر يَتَخطَّاها شيئًا فشيئًا مع ملاحظة القوة لكل أو بعض تلك الخصائص كالاستقلالية والحماس والتَّمرّد والقدوة ، وقد نجد البعض مُتَخلِّفًا عن زملائه وَمُتأخِّرًا عنهم ، فَنَجِده يَتَصرَّف وكأنه طفل في مرحلة الروضة أو  في المرحلة الابتدائية،كالعناد والاستحواذ والانطوائية والصراخ والتّنَمُّثر وغيرها ؛بما يُضيف عِبئًا نفسيًّا على الطالب وعلى أسرته ومدرسته .

الحقيقة الثانية:

طالب/ة هذه المرحلة في هذا الزمان يختلف عن طالب/ة تلك المرحلة في زمانك بما أحْدَثَتْه تكنولوجيا الحياة العصرية من تغييرات على العقليات والعادات والقيم ونمط الشخصية وظروف التعلم وقواعد السلوك والعلاقات الاجتماعية وأدوار الأسرة والمدرسة  وغيرها من المتغيرات ، بما يوجِب مجاراة تلك التغيرات بوعي وحكمة لإحداث ما نراه مناسبًا من تحسينات في شخصية الطالب/ة في هذه المرحلة الحاسمة مِنْ عمره  ، وأنَّ تجاهُل تلك التغييرات في أنماط السلوك سيثير في الطالب/ة نَزْعة التحدي والتَّمرُّد وكثير من الخصائص الكامنة ، وستكون خصائصه النَّمائية دافعًا وراء كل ما سيسلكه من عنف ورفض تجاهك أو تجاه الآخرين بما يتصف من صفات أثبت العلم التربوي وجودها لدى الطَلَبة كسلوكات تخص هذه الفترة من العمر دون اعتبارات لجنس أو لون أو ثقافة أو منطقة جغرافية ….. الخ   .

الحقيقة الثالثة:

تنبع كل السلوكات لطلبة هذه المرحلة من خصائصهم النَّمائية، وأنَّ كل سلوك مرتبط بخاصية أو أكثر من تلك الخصائص،  وأنَّ احترام السلوك والتعامل معه بحكمة يعني احترامك للطالب/ة بما يتصف به من خصائص نمائية ستزول تباعًا .

الحقيقة الرابعة:

أنَّك كمعلم مررت بتلك الخصائص وتخطَّيتها قبل زمن طويل ، ومِنَ النضج أنْ لا تعود إليها في لحظة من لحظات تعاملك مع طالب/ة أظهر/ت سلوكًا غير مقبول من وجهة نظرك ؛ لكنه مِنْ وجهة نظر الطالب/ة مقبول ونابع من خصائص المرحلة التي يَمُر بها ، وينطلق بذلك من قناعته (غير الناضجة) بأنَّ ما يقوم به من سلوك لا يؤثر على الآخرين ولا يضرّهم .

الحقيقة الخامسة:

النْدِّيِّة في التعامل مع طالب/ة المرحلة المتوسطة والثانوية  سيجعلك متساويًا معه في مستوى النضج وردود الأفعال ، وَسَيُعيدك للوراء سنين طويلة ، فَتَتَصرَّف وكأنك طالب/ة في مواجهة طالب/ة.

الحقيقة السادسة:

فَهْم ما وراء السلوك للطالب/ة يعني فرصة لاستيعاب ذلك الطالب/ة ونجاح التعامل معه وَتَقَبُّله والتأثير فيه.

خصائص النمو الانفعالي لمرحلة المراهقة:

لهذه المرحلة خصائصها النَّمائية الخاصة التي تُميّزها عن غيرها مِنْ المراحل الأخرى ، ومن المفيد التعامل مع تلك الخصائص بوعي وحذر وصبر وحكمة واتزان وتسامح وتغافل ، وهي خصائص تبدأ مع نهاية المرحلة المتوسطة ،وتمتد حتى بدايات التعليم العالي ، ثم يبدأ معظمها بالتلاشي مع دخول الطلبة مرحلة جديدة من خصائصهم النَّمائية(الرُّشد) ومرحلة جديدة من رحلتهم التعليمية(التعليم الجامعي) ، ومن الحكمة أنْ يتعامل المعلم/ة أو مَنْ هو بموقعه مع تلك الخصائص بنضج Maturity واتزان  Equanimity ، يَفوْق نضج واتزان وصبر الطالب/ة في المرحلة المتوسطة والثانوية  ، أمَّا إذا تَساوى نضجك عزيزي المعلم مع نضج ذلك الطالب/ة، وتساوى اتزانك مع اتزان ذلك الطالب/ة وغابَ الصبر وتشابهت ردود أفعالك مع ردود أفعاله ؛ فأنت حتمًا على مسافة بعيدة من الوعي والْفَهْم لخصائص طلبتك في المرحلة المتوسطة والثانوية ، وينبغي لك إمّا أنْ تبادر بدراسة تلك الخصائص والتَّعمُّق في فَهْمِها  فتطوِّر من أساليبك التعليمية والتربوية ، وتستجيب لخطط التطوير والتحسين ، وتتزوَّد بعلم النَّفس الحديث ،  وإمّا أنْ تَتَنَحَّى باحثًا عن فرص وظيفية أخرى.

الخصائص التالية هي ما تتصف به مرحلة المراهقة التي تشمل طلبة المرحلة المتوسطة والثانوية، ثم تتلاشى أو يجب أنْ تتلاشى شيئًا فشيئًا مع التقدم بسنوات المرحلة؛وإلا فَثمَّة خطر وخطأ في عدم تلاشيها مع الإشارة إلى الفوارق في بعض السمات بين الذكور وإلاناث : 

  1. الحماس باندفاع ،النابع من الثقة الزائدة بالنفس، والاعتزاز اللامتناهي بالشخصية.
  2. مَيْل غير مدروس لتكوين الصَّدَاقات وكذلك تحديد الْعَدَاءات .
  3. مَيْل إلى الجَدَل في مواجهة أفكار الآخرين أو تقبّلها.
  4. مَيْل عاجل للاستقلالية عن الأبوين ونزعة نحو التَّمرُّد في المنزل والمدرسة والشارع.
  5. الحساسية العالية تجاه النفس وتجاه الآخرين.
  6. الافتراضات الخاطئة في تفسيره لمشاعر الآخرين تجاهه ، ينظر لنصائح الآخرين أنها تنال من كرامته وتحط من شأنه ومكانته.
  7. التذبذب بالمشاعر (بين الحب والبُغض) تجاه الأشخاص داخل الأسرة وخارجها.
  8. اهتمام بالشكل بدرجة عالية كأولوية في حياته وكينونته الشخصية ، رافضًا تَدَخُّل الغير ، متجاهلًا انتقاداتهم أو رأيهم ، المهم أنَّه راضٍ عن نفسه.
  9. نزعة كبرى لتقليد المشاهير أو غير المشاهير، بعيدًا عن كل الحسابات المجتمعية أو الأسرية أو الثقافية… .
  10. مَيْل عفوي أو مقصود لرفض أفكار ووجهات نظر الآخرين في نظرته للأمور الشخصية ، وغير مُهْتَم بآراء الآخرين دون اعتبار للصلة التي تربطه بهم .
  11. يعانون من نوبات قلق وتوتر واكتئاب قد يصْعُب معرفة دوافعها.
  12. يكرهون الأوامر ويواجهونها بعنف ورفض دون تردد مهما كان مصدرها.
  13. يَغْضَبون بسرعة ، غير متسامحين مع هفوات الآخرين تجاهه ، وقد تطول فترة المقاطعة لأقرب المقرَّبين إليه.
  14. التَّقلُّب المزاجي المفاجئ والعنيف أحيانًا ، قد يفاجئك بِحُبِّه ، ثم ما يلبث أنْ يصدمك بكرهه .
  15. رغبة جامحة في التفاعل اللاواعي دون تمحيص مع الجماعات المختلفة سواء في المدرسةأو المجتمع الخارجي المباشر أو الافتراضي .
  16. يَتَمَسَّكون بالقدوة(الحسنة أو السيئة) دون اعتبار للحسابات القيمية أو المجتمعية أو الأسرية.
  17. يرفضون التقليل مِنْ شأنهم بشدة حتى وهم يرتكبون الأخطاء.

حاجات طلبة المرحلة المتوسطة والثانوية استنادًا إلى خصائصهم النَّمائية في سِنِّ المراهقة

طَلَبة المرحلة المتوسطة والثانوية طَلَبة لم يكتمل نضجهم ولم تُصقل خبراتهم الحياتية ، بل لمْ يخوضوا غِمار الحياة ، ولم يختبروها على حقيقتها بَعْد ؛فهم لا يزالون تحت مِظلَّة الأبوين أو مَنْ يقوم مقامهما ،فمع تَعَرّضهم لأبسط الْمُعْضِلات الحياتية يسارعون في اللجوء إلى الأبوين لتخليصهما من وَرْطة ما وقعوا به ، فَهُم وإن اتصفوا بتلك الخصائص  التي يُخَيَّل للبعض أنّها الكمال بالنسبة للرجل أو المرأة ،وأنَّه يجب عدم التسامح مع الطَلَبة عندما يرتكبون الأخطاء بسبب بلوغهم هذه المرحلة باعتبارهم كِبار؛ إلا أنَّها تبقى صفات/ خصائص مرحلية مؤقتة  وغير مستقرة ،غير ناضجة ،غير دائمة،هَشَّة في صلابتها وقوة تَحَمُّل تبعاتها ، إذ لا يلبث أنْ يكتشف الطالب/ة أنه بسلوكه هذا قد أوقع بنفسه ضررًا كبيرًا ، فَيُعَبِّر عن ذلك بالانهيار والبكاء والانسحاب الاجتماعي، وقد يذهب إلى أبعد من ذلك من ردود أفعال لا تخطر ببال أحد ، ومن هنا يأتي دور المعلم/ة (الأب، الأم، الجد ،الأخ..) في تقديم الْعَون ضمن قناعته بتوفير عدد من الحاجات الداعمة لشخصية الطالب/ة(الابن ، الابنة) في المرحلة المتوسطة والثانوية  ، إنَّها مفاتيح النجاح في التعامل مع طلبة هذه المرحلة :

  • الْحَاجَة إلى القبول والدَّمج الاجتماعي : كنْ قريبًا منه حتى وإنْ لم يرغب بذلك ، تَفَهَّم مطالبه ودوافع سلوكه وإيِّاك ومبادلته المقاطعة/ القطيعة .
  • الْحَاجَة إلى الاحترام : إياك وأساليب التَّهَكُّم والعقاب والسخرية والنقد والتوبيخ و …… و …….. .
  • الْحَاجَة إلى التوجيه : النقص الشديد في الخبرات والتجارب يزيد من وقوعه في الأخطاء، ويجعل من قراراته قرارات غير منطقية أو واقعية ، بما يلزم تقديم الدعم الارشادي والأخذ بيده والإصرار على إحداث التغيير الإيجابي في شخصيتة بالحجة والاقناع .
  • الْحَاجَة إلى الاستقلالية : هوعلى أعتاب حياة جديدة يعتمد فيها على نفسه ،وأنَّ الاستقلالية لا بدّ منها فنتدخَّل بحنكة وهدوء لتهذيب نزعة الاستقلال لديه وجعلها تجربة رصينة لحمايته من نفسه ، ولنجعل من استقلاليته أساسًا لحياة مستقبلية ناجحة بعيدة عن التهوّر والفشل.
  • هَمَسات تربوية للقائمين على تربية وتعليم طلاب المرحلة المتوسطة والثانوية : هذه هَمَساتي إليكم
  • مرحلة المراهقة مرحلة سهلة وصعبة في آنٍ واحد ،سهلة على الطالب الذي يَنْعَم بأسرة مستقرة ومتفاهمة، متحابَّة، تغيب عنها الخلافات، ويغيب عنها العنف ،ويسودها التسامح، وتحكمها مخافة الله ،وتكون يقظة واعية بما يدور حول أبنائها من تحديات ومخاطر؛ فيتخطَّى المراهق هذه المرحلة بسهولة ودون مشكلات، يَتَخطَّاها صديقًا للعائلة، متوازنًا مع نفسه ومع الآخرين .
  • مرحلة المراهقة هي صعبة ومقلقة وخطيرة على طالب يعيش في أسرة متفككة يسودها الظلم وتسيطر عليها الأحقاد ويشيع فيها الكذب وتسكنها الخلافات،ويعمُّها الفساد الديني والأخلاقي، فيعاني المراهق من ويلات الأسرة ، ويعاني في نفس الوقت من المرحلة الصعبة التي يمر فيها، ينظر مِنْ حوله مستغيثًا بأحدهم ليُخلّصه مما هو فيه ،ولكن هيهات هيهات، ليكون مراهقًا كئيبًا ،عنيفًا ،كارهًا حاقدًا ،وقد يَتَخَطَّى المراهق هذه المرحلة ، لكن بصعوبة وَأَلَم ، وقد لا يَتَخَطَّاها أبدًا ، فما السَّبب؟ وَمَن المُتَسَبِّب؟
  • إياكم والإهانة على انفراد أو غير انفراد ، إياكم والنقد الجارح على انفراد وغير انفراد،إياكم والضَّرب على انفراد وغير انفراد ، إياكم والبُعد عنهم ، إياكم وَتَرْكهم يراهقون على غير بصيرة ، كونوا معهم وليس عليهم. (شاهد فيديو موقع مقال على اليوتيوب)

بقلم: د. أحمد جميل عايش

 

أضف تعليقك هنا