وسائل تزكية النفس

بقلم: قصي حسن

في هذا المقال، سيرتكز الكلام ويُفصَّل في وسائل تزكية النفس، ولكن قبل ذلك لا بد لنا من التعرف على معناها بشكل دقيق، ولا بد لنا كذلك من ذكر أهم الأمور التي تبين لنا مركزيتها وتكشف لنا عن أهميتها

قبل أن نبدأ بوسائل تزكية النفس، ما هو معناها؟

التزكية تدل في اللغة على معنيين: معنى يدل على التطهير، ومعنى يدل على النماء والزيادة، قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: “والأصل في ذلك كله راجع إلى هذين المعنيين ، وهما : النماء والطهارة” فنستطيع القول أن تزكية النفس: تخلية وتحلية

  • تخلية للنفس وتطهير لها من الصفات الذميمة والخصال القبيحة والأعمال المشينة
  • وتحليتها بالصفات الحميدة والخصال الطيبة والأعمال الصالحة .

أهمية تزكية النفس:

مما يبرز لنا أهمية تزكية النفس:

أولًا: أن الفلاح معلق بتزكية النفس:

ويكفي إدراكًا لأهمية وعِظَم هذا الأمر ما جاء في سورة الشمس ، حيث أخبرنا الله عز وجل عن فلاح من زكى نفسه وخيبة وخسارة من دسى نفسه ولم يزكها ، بعد أحدَ عشرَ قسمًا ، قال الله تعالى: {{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا • وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا • وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا • وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا • وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا • وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا • وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا • فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا • قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا • وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا }} [الشمس 1_10] وقال الله تعالى: {{ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى • وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى }} [الأعلى 14_15]

ثانيًا : أنها من المَهامِّ الكبرى للنبي صلى الله عليه وسلم:

فإن تزكية النفس ليست أمرًا تكميليًّا أو هامشيًّا ، إنما هي أمرٌ أساسيّ ، ومن المهام الأساسية للنبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {{ لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }} [آل عمران 164]، وقال تعالى : {{ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ }} [البقرة 151]

ثالثًا : الفضل العظيم جزاء تزكية النفس:

قال الله تعالى : { إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا • وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا • جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّى }} [طه 74 _ 76]، وذكر الله تعالى أحد قسمي التزكية ، ذكر التطهير والتخلية في سورة النازعات ، وبين جزاء من يقوم بذلك ، قال سبحانه : {{ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى • فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى }} [النازعات 40 _ 41] ، فنهي النفس ومنعها عما قد تهواه من أشياء سيئة : من أظهر صور التزكية بقسمها الأول (التخلية والتطهير)

رابعًا : أنها من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم :

فقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: ((اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا )) [رواه مسلم وغيره]، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من شر النفس ويرشدنا إلى ذلك، كما علمنا أن نقول في خطبة الحاجة : ((أَنِ الْحَمْدُ للهِ، نَحْمَدُهُ ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا)) [رواه ابن ماجة وغيره وصححه الألباني]

وكذلك علمنا صلى الله عليه وسلم أن نقول في الصباح والمساء وعند النوم ضمن الأذكار : (( اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ، وَأَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءًا، أَوْ أَجُرَّهُ إِلَى مُسْلِمٍ )) [رواه الترمذي وصححه الألباني]

خامسًا: إن كثيرًا من المشاكل الاجتماعية: سببُها أمراضُ القلوب وضعفُ الجانب التزكوي:

فمثلًا : الكبر مرض من أمراض القلوب ، ينتج عن ترك مجاهدة النفس لهذا الوارد الفاسد ، وعدم تطهيرها منه، وإذا وُجِد الكبر في مجتمع ما فإنه يزرع الضغينة والكره والأحقاد بين أفراد هذا المجتمع ، وتتنافر قلوب الناس ويتبع ذلك ما يتبع من تفرق وعدم تعاون وغير ذلك من مشاكل وآقات، أما لو تواضع الناس لبعضهم ، لتآلفت قلوبهم ولتبع هذا التآلف اجتماع وتكافل وتعاون ولتراحم الناس فيما بينهم، ونحن مأمورون بمجاهدة أنفسنا ومعالجة قلوبنا مما يفسدها من أمراض وأدواء ، كهذا الداء الخطير ، الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ )) [رواه مسلم وغيره]، وقال صلى الله عليه وسلم : (( وَإِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ ؛ أَنْ تَوَاضَعُوا، حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ )) [رواه مسلم وغيره]

قواعد في تزكية النفوس

قبل الكلام عن وسائل تزكية النفس ، نقدم لكم ببعض القواعد المهمة التي ينبغي على الإنسان استحضارها دائما

  • التوحيد أصل وأساس التزكية:

_فإن الله عز وجل قد خلقنا لعبادته وتوحيده ، وهذا هو الأمر الطبيعي الذي يفعله المخلوق مع خالقه وربه المنعم والمتفضل عليه ، قال الله تعالى : {{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }} [الذاريات 56]، والعبادة لا تكون إلا لله وحده، وصرفها لغيره وعبادة غيره معه شرك، وقال الله تعالى: {{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }} [اﻷنبياء 25]

_والتوحيد : هو اعتقادُ العبدِ وإيمانُه بتفرد الله بصفات الكمال ، وإفرادُه بأنواع العبادة . [السعدي _ أصول العقائد الدينية] فعلى الإنسان أن يؤمن بأن الله وحده هو الخالق وهو الرازق وهو المدبر وأن كل شيء بيده و . . . ، وأن له الكمال المطلق ، فإذا كان كذلك : فلا يتوجه الإنسان بالعبادة إلا إلى هذا الرب العظيم الذي آمن بربوبيته وكماله ، كما قال الله تعالى : {{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }} [البقرة 21]

_وإن من أعظم ما تزكو به النفوس وتصلُح به القلوب: طاعة الله تعالى، وليس هناك طاعة أفضل وأوجب من توحيده سبحانه وتعالى، ومن أعظم ما تُدَسّى به النفوس وتَفسُد به القلوب : معصية الله تعالى ، وليس هناك معصية وذنب أكبر من الشرك والكفر، وسيمر معنا هذا الأمر إن شاء الله في الوسائل العملية لتزكية النفس .

  • الدعاء مفتاح كل خير :

فكل شيء بيد الله عز وجل ، وزكاة أنفسنا وصلاح قلوبنا بيده سبحانه ، والآيات والأحاديث حول هذا الأمر كثيرة ، مما يدل على أهمية الدعاء وأنه مفتاح لكل خير، قال الله تعالى : {{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }} [البقرة 186]، قال مطرف بن عبدالله رحمه الله (ت 95 ه‍ ): ” تذاكرت: ما جماع الخير؟ فإذا الخير كثير: الصيام والصلاة، وإذا هو في يد الله تعالى، وإذا أنت لا تقدر على ما في يد الله إلا أن تسأله فيعطيك، فإذا جماع الخير: الدعاء ” . [ذكره ابن القيم في مدارج السالكين]

  • القرآن الكريم منبع التزكية العذب ، وهو شفاء للقلوب من أمراضها :

قال الله تعالى : {{ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ }} [الإسراء 9] وقال الله تعالى : {{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا }} [اﻹسراء 82] ، وقال تعالى : {{ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ }} [فصلت 44]، وقال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما : ” تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه : ألا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، ثم قرأ : {{ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى }} [طه 123] ” . [أخرجه الحاكم (2/ 381) بنحوه، وابن أبي شيبة في المصنف (7/ 136)]، فمن وفقه الله عز وجل لتلاوة القرآن وتدبره وفهمه والعمل بما فيه ، والاستشفاء به فقد تزكى وأفلح .

  • قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:

قال الله تعالى : {{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا }} [الأحزاب 21]، فمن أراد تزكية نفسه فلا بد له من الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم واتباع سنته ، فهو إمام المتقين يؤتم به، ويؤتم كذلك ويُقتدى بمن سار على نهج النبي صلى الله عليه وسلم واتبع سنته ، فيُقتدى به ويؤتم ؛ لأنه مؤتم ومقتدٍ بالنبي صلى الله عليه وسلم .

  • الحذر الشديد من تزكية النفس على الله :

نعود إلى العنصر الأول: معنى تزكية النفس، فهي تعني كما ذكرت: التطهير، والنماء والزيادة، فنحن نعمل على ذلك ونبذل جهدنا في تحقيق ذلك، فهذا ما كنت أتحدث عنه وعن أهميته سابقًا، أما المقصود هنا في هذه القاعدة: “الحذر الشديد من تزكية النفس”، أي: الحذر من أن يزكي الإنسان نفسه على الله، فيدعي طهارتها وبراءتها.

_قال الله تعالى: {{فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}} [النجم 32]، قال الطبري رحمه الله في تفسيره: “وقوله {{فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}} يقول جل ثناؤه : فلا تشهدوا لأنفسكم بأنها زكية بريئة من الذنوب والمعاصي” ،وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: ” وقوله: {{ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}} أي: تمدحوها وتشكروها وتمنوا بأعمالكم”، وقال السعدي رحمه الله في تفسيره: “قال تعالى: {{ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}} أي: تخبرون الناس بطهارتها على وجه التمدح”.

وختامًا لهذه القاعدة، فقد قال الحسن البصري رحمه الله : “إنَّ المؤمن جمع إحسانًا وشفقةً، وإنَّ المنافق جمع إِسَاءة وأَمْنًا” [رواه الطبري في تفسيره ( 68 / 17 )] ولمزيد من الفائد فيما يخص هذه الحزئية انظر في موقع الإسلام سؤال وجواب _ متى يجوز للإنسان مدح نفسه ؟

4 وسائل تزكية النفس

والآن ندخل في صلب الموضوع ، وإلى المقصد الأساسي من هذا المقال، في الحقيقة وسائل تزكية النفس تنقسم إلى قسمين، وسائل معرفية ووسائل عملية

الوسائل المعرفية

إدراك الغاية الكبرى من الوجود:

بقدر حضور هذا المعنى في نفس الإنسان : بقدر ما يكون عنده الدافع للتزكية ، وبقدر غياب هذا المعنى عن النفس: يغب عنه الدافع للتزكية، فمثلًا: ما جعل الطغاة على مر التاريخ يطغون ويسكتبرون: هو إعراضهم عن التفكر بهذه االغاية التي وُجِدوا لأجلها فغابت عنهم، ولما رأوا ما عندهم من شيء من الجاه والقوة وهم معرضون متناسون لهذه الغاية: شعروا بالاستغناء فطغوا واسكتبروا كما قال الله تعالى : {{ كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى • أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى }} [العلق 6_7]، فعدم إدراك الإنسان للغاية التي وجد لأجلها يجعل قضية التزكية بعيدة جدا عنه ، لأنه لماذا يزكي نفسه ؟! أما إدراك هذه الغاية وتذكير النفس بها يعين ويهيئ النفس لتتزكى .

إدراك حقيقة الدنيا وعدمُ التعلق بها، وتذكرُ الموت وما بعده:

  • قال الله تعالى: {{ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا • وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا }} [الكهف 7_8]، صعيدًا جرزًا : ترابًا لا نبات فيه . [التفسير الميسر] وقال الله تعالى: {{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم باللهِ الْغَرُورُ }} [فاطر 5 ]
  • وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها)) [رواه أحمد وابن ماجة والترمذي، وصححه الألباني]
  • عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمَنْكِبي ، فقال : (( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )) . وكان ابن عمر يقول : إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك. [رواه البخاري وغيره]
  • وقال الله تعالى : {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }} [الحشر 18]
  • وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أكثروا ذكر هاذم اللذات )) . يعني الموت. [رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني] “وهاذم اللذات أي : قاطعها” [تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي]
  • وقال سعيد بن جبير رحمه الله : “لو فارق ذكر الموت قلبي ، لخشيت أن يفسد علي قلبي” [ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء]

فعلى الإنسان أن يدرك أن هذه الدنيا دار ممر ليست دار مقر ، وأنها دار عمل وابتلاء

العلم بالله تعالى وبأسمائه وصفاته :

قال الله تعالى : {{ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ }} [فاطر 28 ] فكلما ازدادت معرفة الإنسان لله تعالى ، ازدادت محبته له ، وكلما كان الإنسان بالله أعرف ، كان له أخوف واشد خشية ، وأكثر حياءً منه . [انظر : طريق الهجرتين لابن القيم ص(283)]

إدراك حقيقة الضعف البشري:

إذا كان لتزكية النفس ما يُضادُّها : فإن الكِبرَ من أعظم ما يضادها ، فكأن الكِبرَ شيءٌ مركزي في أمراض القلوب وأدوائها ، ومر معنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم : (( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ))، ومن أعظم ما يعين على التخلص من الكبر : إدراكُ حقيقة الضعف البشري ، وتذكيرُ النفس بذلك ، وكما ورد في الصحيحين وغيرهما : كنز الجنة : “لا حول ولا قوة إلا بالله”

الوسائل العملية

تطبيقُ القواعد السابقة ، والتفكُّرُ في الوسائل المعرفية السابقة وتذكيرُ النفس بها :

وإقامة الصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله تعالى والدعاء ، فوق ما في ذلك من طاعة لله تعالى وأجر وثواب ، فإنه يُعَدُّ تطبيقًا عمليًّا لما ذكرتُ من قواعد وتذكيرًا للنفس لما ذكرتُ من وسائل معرفية ، إذا كان القلب حاضرًا

طاعة الله، واجتناب معصيته :

فإن الإيمان : قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ ، سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ : {{ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }} )) [رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وحسنه الألباني]

وقال رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَالْآخَرُ أَسْوَدَ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا ، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا ، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ )) [رواه مسلم]، أَسْوَدَ مُرْبَادًّا : شِدَّةُ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ ، الْكُوزُ مُجَخِّيًا : مَنْكُوسًا ، وجاء في شرح النووي على صحيح مسلم: “ليس قوله: كالكوز مجخيا تشبيها لما تقدم من سواده بل هو وصف آخر من أوصافه بأنه قلب ونكس حتى لا يعلق به خير ولا حكمة، ومثله بالكوز المجخي وبينه بقوله : (( لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا )) . قال القاضي رحمه الله : شبه القلب الذي لا يعي خيرا بالكوز المنحرف الذي لا يثبت الماء فيه” ، والكوز : إناء من فخار أو غيره .

التعبدات القلبية:

ذكرتُ أن الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، فإن العمل أقسام: عمل القلب وعمل اللسان وعمل الجوارح، ومن أعمال القلب مثلًا : محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والتوكل على الله والتوبة إلى الله . . .

مجاهدة النفس:

إن تزكية النفس بشقيها (التطهير و النماء) تحتاج بعد الاستعانة بالله عز وجل إلى مجاهدة ، تحتاج إلى بذل للجهد ، بذل للجهد في دفع ورفض يا يرد على النفس من واردات فاسدة ، تفسد قلب الإنسان وتدسي نفسه إن لم يدفعها ، وتحتاج إلى تفعيل للرقابة بشكل مستمر على هذه النفس ، وتفقد للنية ، والاستغفار دائمًا والتوبة ، والاستمرار علىى ذلك حتى تخرج الروح من الجسد وهي خائفة وجلة

عن صالح بن أحمد بن حنبل أنه قال : “حين احتضر أبي جعل يكثر أن يقول : لا بعد لا بعد ، فقلت: يا أبت ! ما هذه اللفظة التي تلهج بها في هذه الساعة ؟ فقال : يا بني ! إن إبليس واقف في زواية البيت وهو عاض على إصبعه وهو يقول : فتَّني يا أحمد ؟ فأقول: لا بعد ، لا بعد – يعني : لا يفوته حتى تخرج نفسه من جسده على التوحيد – كما جاء في بعض الأحاديث قال إبليس : يا رب وعزتك وجلالك ما أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم ، فقال الله : (( وعزتي وجلالي ولا أزال أغفر لهم ما استغفروني )) ” [ذكره ابن كثير في البداية والنهاية _ الجزء العاشر] (هذا الحديث : قال إبليس : يا رب وعزتك وجلالك ما أزال . . . قال الألباني عنه : حسن لغيره)

تخير الأصحاب والجلساء:

قال الله تعالى : {{ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا }} [الكهف 28]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ )) [رواه الترمذي وحسنه الالألباني]

كان هذا الموضوع (وسائل تزكية النفس) مأخوذًا بشكل أساسي من محاضرة للشيخ أحمد السيد بعنوان “تزكية النفس وأثرها على الإيمان”، ومن محاضرة للشيخ عبد الرزاق البدر بعنوان “قواعد في تزكية النفوس”، وقد عرضت هذا الموضوع على الشيخ د.عماد الدين خيتي ، فقرأه ووافقني عليه.. والحمد لله رب العالمين

بقلم: قصي حسن

 

أضف تعليقك هنا