من قلب الهرم

بقلم: رجاء الغيثي

لكل مجتمع قاع، يقطنه من أسقطوا أنفسهم من مراتب التوقير بتخليهم عن الأخلاق، والعادات المحمودة، وسلكوهم طريق الإجرام، أو السفه، وقُبولهم العيش على هامش الحياة دون التأثير فيها، وهذا إلى حد ما طبيعي، وعلى مر التاريخ كان صفوة المجتمع من العلماء، والمتعلمين والساسة، والمفكرين هم من يقود المجتمع ويؤثرون فيه، وإلى هنا ما زال الأمر جدا طبيعي ولا شيء خارج المألوف. فهذين النوعين هما من يتشكل منهما الهرم الاجتماعي لأي تجمع بشري، ولكن عندما يقوم أحدهم بقلب ذلك الهرم، فيصعد سكان القاع من مجرمين، وفاقدي للكفاءة ومن على شاكلتهم، ويتراجع رأس الهرم للأسفل، هنا يدق جرس إنذار بشكل فوضوي هستيري من أجل تنبيهنا إلى أن ثمة جنينا خبيثا تشكل من مواد منافية للطبيعة وبدأ ينشط. ويصبح التساؤل الذي يطرأ على بال كل ذي عقل: ما الذي يمكن لمن اختار القاع طواعية أن يقدم للمجتمع، وإلى أين سيأخذون سفينته التائهة؟

تفاهة المحتويات على منصات السوشال ميديا ومنافاتها لأخلاقنا وعاداتنا

مؤخرا… ساهمت السوشل ميديا في قلب ذلك الهرم كليا، فخرج علينا تيكتوكرز، يوتيوبرز، وأشباه مدونين بلا محتوى تماما، ولا يقدمون شيئا سوى اللهو الخادش للحياء، ضاربين الثوابت والقيم الإنسانية بلا وعي. وكما يقال “عندما لا تدفع ثمن سلعة ما فاعلم أنك أنت السلعة”، حيث عَقِب قلب الهرم تسليع كل شيء: من بشر، ومنتجات وحتى مفاهيم، وأصبح أولئك المتكلمون في كل شيء الذين تتهافت عليهم عروض الدعايات مسوقين ليس للمنتجات فحسب، بل للأفكار ولأخلاق القاع، ولأسلوب عيشهم.

العادات التي يسير عليها رواد منصات السوشال ميديا تصبح عرفاً مقبولاً

البعض يرى أن هذا أمر عادي وللناس حرية مشاهدتهم أو لا، لكن تناسوا أن العادة التي تصبح فيما بعد عُرفا مقبولا، ولا يَتندر منه أحد ما هي إلا روتين متكرر لعمل ما. ويُثبت ذلك تعريف المجلة الأمريكية لعلم النفس: “إن العادة طريقة ثابتة في التفكير أو الرغبة أو الشعور من خلال التكرار السابق لتجربة عقلية، والذي غالبا ما يكسبه الشخص ويعتاد عليه دون أن يلاحظ حتى.

وكلنا ندرك أن بعض التصرفات التي كانت في السابق مرفوضة لدينا أصبحت اليوم تصرفات روتينية ، لا ينتبه لحدوثها أحد برغم من تأثيراتها الواضحة علينا، فأن تصبح لغة الشارع والألفاظ النابية عادة لا تُستَهجن هذه بداية الانحطاط، وأن يتم الحديث على أمور مخلة بالشرف على أنها نشاط اعتيادي ولا يتم إنكارها هذا ينبئ بما هو عظيم، وأن يستحوذ القبح على قيم الجمال من حولنا هذا عار يمس الروح البشرية و لا يقل سوءً من وضع كل قدوة حسنة محل سخرية واستهزاء، و التي تُتهم بسوء النية وتُلصق بها خطيئة” الاستشراف ” في كل مرة تعارض فيها الاعوجاج.

كيف يمكننا جعل منصات التواصل الاجتماعي أكثر ملاءمة لعاداتنا وأخلاقنا؟ 

يضرب لنا الدكتور مصطفى محمود مثالا عظيما على أهمية بناء الإنسان، حيث يقول:” عندما قررت الصين بناء سورها العظيم، الشاهق، بارتفاع يجعل من فكرة تسلقه ضربا من الخيال، اهتمت لدفاعاته ، ومتانته، وصلابته. لكن ما حدث في السنوات المئة التالية لبنائه هو تعرض الصين للغزو ثلاث مرات، وفي المرات الثلاث لم يحتج العدو لتسلق السور، بل كل ما فعلوه هو تقديم رشوة لحارس البوابة ”

وبالطبع لا يمكننا بناء إنسان قويم لدرجة معقولة في ظل وجود كل هذا الهرج والمرج، فما تصلحه العائلة والجامع والمدرسة تفسده سموم تلك المنصات. وبما أن الرجوع للخلف أصبح مستحيلا ، أي لا يمكن منع التكنولوجيا أو الحد منها، وجب علينا إذا التقدم وفق معاييرنا على الأقل. كأن توضع قوانين لكل من يريد الحديث للعامة، وتعتبر شروطا ضامنة للحفاظ على الثوابت، والذوق العام، وأن تصرف الأموال في دعم القدوات الحسنة التي تعتبر المعلم الأول للإنسان وبنائه. لعلنا بذلك نحافظ على أساس قيام أي مجتمع ألا وهي الأخلاق والفطرة السليمة، ففي سعة الأخلاق كنوز الأرزاق، وكما يقال: الأخلاق نبتة جذورها في السماء، أما أزهارها وثمارها فتعطر الأرض. واي عطر أزكى من الطهر؟

بقلم: رجاء الغيثي

 

أضف تعليقك هنا