القراءة في زمن شبكات التواصل

بقلم: محمد نصر

عدم الإقبال على القراءة وجد قبل بداية مواقع التواصل بفترة وجيزة، والكثير من الاكتشافات والاختراعات هددت القراءة؛ فمثلا عند ظهور التلفاز وقبله الإذاعة الكثير توقع حصول تأثير على حياة الفرد، لكن هذا التأثير لا يقارن بما فعلته مواقع التواصل الاجتماعي.

تأثير شبكات التواصل على حياتنا اليومية

القرية، مصطلح أصبح يطلق على العالم بعدما ظهرت مواقع التواصل ، شبكات التواصل ادت إلى توحيد العالم من ناحية القدرة على التواصل كما لو أنهم في قرية واحدة فعلًا. شخصية الإنسان التي أصبحت مزدوجة مع وجود شبكات التواصل، خصوصية مواقع التواصل أدت إلى أن الفرد يستطيع الظهور بشخصية لا يستطيع الظهور بها في حياته اليومية. من الأمور الخطيرة في زمن شبكات التواصل هي إدارة العلاقات، الشبكات أنشأت روابط علاقات جديدة وغيبت علاقات أخرى، أصبحت العلاقات لا تمس روح وقلب الإنسان إنما القشرة فقط، فالناشط على مواقع التواصل بإمكانه إنشاء أو إنهاء علاقة بظغطة زر فقط .

بالتأكيد شبكات التواصل عززت الوحدة والفردانية وجعلت الإنسان في فقاعته الخاصة كما يقال ، جعلت الفرد قادر على استبدال حياته وعلاقاته الحقيقية بعالم افتراضي قادر على التحكم فيه. شبكات التواصل عززت القيم للفرد، ليس فقط القيم الحسنة، بل السيئة كذلك؛ وذلك يكون عبر متابعة الموافق، وترك المخالف . مواقع التواصل عززت من حب الشهرة ، فالسابق كانت الشهرة مطلب فقط في الامور الحسنة ، اما الآن فالشهرة مطلب بأي شكل كان ، حتى لو كان المرء مطالب بالتخلي عن مبادئه مقابل الشهرة. قبل مواقع التواصل، كان الفقير لا يلاحظ الفرق بينه وبين الغني ، اما الآن مع وجود فالفارق اصبح جلي وواضح جدًا .

الإدمان 

علاقة الإنسان بالهاتف هي علاقة إدمان، مايحدث من إدمان لدى الإنسان ليس من قبيل الصدفة إنما هي انظمة وخوارزميات ممنهجة، فليس من قبيل الصدفة المقاطع التي يقترحها عليك اليوتيوب والاسماء التي تقترحها منصة معينة. أجريت دراسة مفادها أن ٧٥٪؜ لا يذكرون متى كان آخر يوم مو غير استخدام الهاتف. كذلك ٢٥٪؜ تغيبوا عن فعلية مهمة بسبب الحديث وتحليل نفس الفعالية في مواقع التواصل!

تأثير مواقع التواصل على المعرفة والقراءة

في كثير من الأحيان نتصور أن الذي يؤثر في معرفتنا هو المحتوى المعلوماتي، لكن حتى القالب التي تقدم فيه المعلومة يؤثر في وعينا وإدراكنا، لذلك على الإنسان أن يركز على القالب وطريقة طرح المحتوى لأنها بعض الأحيان تحتوي على رسائل عميقة، مؤثرة أكثر من المحتوى.. أكثر ما تؤثره مواقع التواصل على القراءة هو استهلاك العمر واستهلاك الزمان وتأثيره السلبي على الزمان، فرأس حياة الإنسان هو الزمان.. من أعظم السنن الكونية هي وجود نهاية للأعمال أو الوظائف التي يقوم بها الإنسان، كذلك بالتعبدات يوجد نهاية وبداية، كثير من شبكات التواصل عمليًا لا يوجد لها نهاية؛ time line بتويتر و مقاطع shorts بالتيك توك واليوتيوب ، مما يسرق وقت الإنسان من غير ادراك .

من مؤثرات مواقع التواصل أنها ضغطت الكتب لتصبح كتيبات ثم اصبحت مطويات إلى أن وصلت إلى تغريدات، أصبح الإنسان يعبر عن أفكاره وآرائه بـ ١٤٠ حرف، وهذا أدى إلى مشكلة اختزال المعلومات .. بعض المسائل والمعلومات تحتاج إلى تفصيل ومن الإجحاف اختصارها .. من المشاكل الموجودة في قضية التواصل الاجتماعي انها جعلت قدرة الانسان بالغوص العميق في القراءة والمطالعة صعبة جدا ، هنالك دراسة أن نسبة كبيرة من الطلاب لا يستطيعون اكمال الدراسة لمدة ١٠ دقائق من دون الهاتف ..

محرك البحث Goggle

محركات البحث سهلت الكثير من عمليات البحث، قربت البعيد، ومكنت الانسان بالاطلاع على قضايا لم يكن ليستطيع لولاها، لكن يجب على الإنسان إدراك طبيعة أضرارها:

  • جعلت الإنسان غير قادر على إدارة علاقته مع الكتب والمراجع ، فيكون الشخص قد تأسس ومعتمد اعتمادًا كليًا على استخراج المعلومات من Goggle فقط .
  • مشكلة نفسية وهي أن الإنسان إذا كانت المعلومة سهلة الوصول بالنسبة له، فإنه سيتأثر وعيه وادراكه وحفظه لهذه المعلومة ؛ لأنه يكون اقنع نفسه بأنه إذا ما احتاج لهذه المعلومة فإنه سيعود لها .
  • التخمة المعلوماتية؛ بسبب كثرة المعلومات لم يعد على الإنسان الوصول للمعلومة فقط ، بل فرز المعلومات التي لا يحتاج لها، قبل وصول مواقع التواصل كان يجب عليك امتلاك مهارة ملاحقة المعلومات، اما في عصرنا هذا يجب على الانسان امتلاك مهارة استبعاد نسبة ٩٩،٩٩٪؜ من العلومات التي لا يحتاج إليها ، احد الصعوبات كذلك هي أن على الإنسان اولًا فرز المعلومات التي يحتاج اليها والتي لا يحتاجها، ثم إذا حصل على المعلومات التي يحتاجها وجب عليه الفرز المعلومات الخاطئة والصائبة، وعند استخدام Goggle يقل الاهتمام بالمصدر والمرجع للمعلومة..

من الأمور الجميلة جدًا إن وجدت، هي التعامل مع محركات البحث كبديل للوصول للمعلومات..

بعض الحلول للتقليل من استخدام الهاتف :

في البداية على الإنسان أن يخلق علاقة مع الكتاب وأن يثبت عادة القراءة في حياته ، فهذه قضية محورية في حياة الإنسان.. مراجعة الذات ، أن يقوم الشخص بمراجعة نفسه بشكل دوري، ومن ثم اتخاذ موقف حاسم لهذا الامر، يجب على الإنسان أن يعيد تأسيس علاقته مع مواقع التواصل.. من الأمور العملية التي ينصح بها وبشدة هي إبعاد الهاتف في وقت العمل في وقت الجلوس مع العائلة أو الاصدقاء، مجرد قرب الجهاز منك سيستدرجك من غير شعور منك .. كذلك من الأمور النافعة إغلاق التنبيهات لدى التطبيقات، كل تطبيق يريد أن يدعوك لاستخدامه، فمثلا إذا ما اتاك اشعار سيبقى ذهنك معلق به إلى أن تفتح الجهاز، ومن المعلوم أن الاشعارت اقرب إلى أنها لا تنتهي، و وجود هذه الاشعارات يعزز من وجودك داخل إطارالعالم الافتراضي. التقليل قدر الإمكان من الحسابات المتابعة في مواقع فمثلا كلما زادت الحسابات المتابعة ستمتد قائمة Time line بمتداد  عدد المشتركين معك. منقول بتصرف من بودكاست نقطة..

بقلم: محمد نصر

 

أضف تعليقك هنا