الثقافة بين الرقي والهبوط

 بقلم: علي عبد الجبار موقدي

(نحو قراءة نافعة) 

تتنوَّع الثَّقافات وتختلف بين شعب وآخر وبين أمة وأخرى، وأحيانا نجد الاختلاف والتَّفاوت في القُطر الواحد، بل بين أَفراد المجتمع أنفسهم، فالثَّقافة في عموميَّاتها لها خصائصها التي تعرف بها، والتي تميِّزها عن غيرها من الثقافات، كاختلاف الثقافة العربيَّة الإِسلاميَّة عن الثَّقافة الأوروبيَّة على سبيل المثال لا الحصر، لكن ما أتناوله هنا هو اختلاف الثَّقافة بين أفراد المجتمع، في اتِّجاه الرُّقيِّ الأخلاقيِّ وعكسه.

كثيرا ما نسمع بمصطلحيِّ الثَّقافة الراقية والثَّقافة الهابطة، فما هو المقصود بذلك، وما هي صفات كل منهما، وكيف نرتقي ثقافيا ونتخلص من الهبوط الثقافي؟

ما المقصود بالثقافة الرَّاقية؟

يعبِّر مصطلح الثقافة الرَّاقية عن ذلك النَّوع من الثَّقافة الذي يجعل أَفكارنا نيِّرة منتجة ترفع درجتنا في الدنيا وتزيد أجرنا في الآخرة، تزيد من مساهمتنا في بناء المجمع وتزرع بذور الخير فيه في كلِّ اتِّجاه. ومدخل هذه الثقافة قراءة كلّ ما يفيد من قرآن، وأحاديث الرَّسول الكريم وسيرته الشريفة، وقصص العظماء من أبطال الصحابة والتابعين، إضافة إلى كتب العلوم والأخلاق وتنمية الموارد، ومذكِّرات القادة والسياسيِّين، وكتب الاكتشافات الحديثة في كلِّ مجالات حياتنا ، وغيرها من الكتب التي تغذِّي الفكر بما ينير قلب حامله وعقله.

الثقافة الهابطة

أما الثقافة الهابطة فهي ذلك النَّوع من الثَّقافة التي تردي صاحبها أسواء المهالك في الدنيا والآخرة، وتجعل منه سيِّءَ الخُلُقِ لفظيَّا وسلوكيًّا، وتُحيلُه مِعوَلَ هدمٍ في مجتمعه، ذلك أنّ مدخلَ هذه الثَّقافة قراءة ما يهبط به ويُزري بأخلاقِه من الصُّحف اللاأخلاقيَّة والمواقعِ الهابطة والكتب الرديئة التي تُشَوِّه الفكر وتطعن في دين المجتمع وحضارته وأخلاقه، وتحثّ الفرد على التَّمرُّدِ على الفكر الدينيِّ في مجتمعه، بحيث يصبح مشوَّهَ القلب والعقل، هابط الأخلاق لما يطَّلع عليه من فواحشِ المنشور، والتي ترمي به في حضنِ الرذائل والمنكرات، بلا أيِّ مستقبل أو إِنتاج فكريٍّ أو عمليّ.

كيف نطور من أنفسنا ونحسن قراءتنا؟

نحن الذين نحدِّد خياراتنا في أغلب الأحيان، ونوعُ الاختيار نابع من طبيعة التَّربية ونوعيَّة القُدوة التي نختارها مثلا أعلى لنا، فالذين يهتمّون برذائل الأفكار ينتمون إلى نمط تربية متدنِّي وبالتالي فإن ما يختارونه للقراءة يقع في هذا المنحنى ، ولهذا تهبط ثقافتهم وتشذُّ أفكارهم، على عكس أولئك الذين ينحدرون من نمطِ تربية راقية في أغلب الأحيان والذين يتوجَّهون نحو القراءة النافعة المنتجة التي تهتمّ بالعلوم والاكتشافات والأفكار الراقية، والأخلاقيَّات الملتزمة بتعاليم الدين الحنيف التي تكون في عمومها ثقافة نقيَّة توجِّه نحو السّلوك السويِّ والنَّقاء الرُّوحيِّ والفكريّ.

تأثير القراءة على الأشخاص؟

فلو جئنا بطفلين على -سبيل المثال- ووجَّهنا الأوَّل منهما الى قراءة الكتب النَّافعة من علميَّة وأخلاقيَّة وتاريخيَّة وأدبيَّة، ووجَّهنا الآخر إلى قراء كتب الأفكار المتناقضة والمشوَّهةِ ومجلَّات الانحطاط الخُلقيِّ، وأخبار المنحرفين لوجدنا تأثير كلِّ قراءةٍ في صاحبها فكرا وسلوكا واهتماما.

فوائد القراءة في الدنيا وأثرها في الآخرة

إنَّ القراء يجب أن توفِّرَ لنا الكرامة في الدنيا والارتقاء في الآخرة، فالله تعالى خاطب نبيَّنا-صلى الله عليه وسلم- بقوله تعالى: ( اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ) وهذه إشارةٌ إلى أنَّ القراءة تحقِّق الكرامة لصاحبها، أمَّا في الآخرة فنستمدُّ الارتقاء من حديث الرسول-صلى الله عليه وسلم-( يقال لقارئ القرآن : اقرأ ورتِّل وارتق كما كنت ترتِّل في الدُّنيا فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها).ولذلك علينا أن نرتقي بأفكارنا بارتقائنا بقراءتنا وجودتها باختيار النَّافع المفيد والابتعاد عن الهابط الذي يهبط بأخلاقنا وسلوكنا ومكانتنا في الدُّنيا والآخرة. الخميس 1/6/2023م

بقلم: علي عبد الجبار محمد موقدي

 

أضف تعليقك هنا