قصة القهوة في العالم العربي

بقلم: د. خالد جمال طه إمام أحمد

تعد القهوة أغلى سلعة يتم تداولها بشكل قانوني في العالم في المرتبة الثانية بعد النفط نحن نحبه ونشربه بكميات هائلة وتشير التقديرات إلى أن 2.25 مليار فنجان قهوة يتم استهلاكها يومياً في جميع أنحاء العالم.

اكتشاف القهوة

يعود تاريخ اكتشاف القهوة إلى القرن العاشر وربما لوقت سابق حسب التقارير والأساطير التي تشرت عنها، وفي رواية أخرى يعود تاريخ القهوة إلى القرن الخامس وربما لوقت لاحق حسب عدد من التقارير والأساطير المتعلقة بأول استخدام لها.  ويُعتقد الموطن الأصلي لشجرة البن (برية غير مدجّنة) كانت من إثيوبيا وأقدم الأدلة المثبتة على شرب القهوة أو معرفة شجرة البن هي من القرن الخامس عشر في الأديرة الصوفية في اليمن و في البلاط العثماني إبان الدولة العثمانية حيث قدمها والي اليمن آنذاك سلطان اليمن سليمان باشا، وبحلول القرن السادس عشر وصلت إلى بقية مناطق الشرق الأوسط، ومن ثم إلى جنوب الهند، وبلاد فارس، وتركيا، والقرن الأفريقي، وشمال أفريقيا، ثم انتشرت القهوة في البلقان، وإيطاليا وبقية أوروبا ،وجنوب شرق آسيا، وفيما بعد الولايات المتحدة الأميركية.

القهوة في اللغة العربية

دخلت كلمة “coffee” اللغة الإنجليزية في عام ١٥٨٢م عن طريق التسمية الهولندية “koffie”  أو عن طريق اللغة الألمانية Koffie والتي اقترضت من كهفا “kahve” التركية العثمانية والتي بدورها اقترضت من الاسم العربي «قهوة».كانت تشير الكلمة العربية أصلًا إلى نوع من النبيذ (الخمر) الذي اشتق المعجمين العرب. أصلها من الفعل قها، «عدم الجوع» لأنها تقهي -تذهب- الشهية بالأكل في إشارة إلى سمعة الشراب في سد الشهية. وفي اللغة الإيطالية اطلقوا عليها caffè ، وفي بعض الأحيان تعزى كلمة قهوة إلى الكلمة العربية قوى («القوة، الطاقة») أو إلى كافا مملكة القرون الوسطى في إثيوبيا حيث تم تصدير هذا النبات إلى الجزيرة العربية. وقد كانت هذه المصطلحات موضع خلاف. إلا إنه لا يستخدم اسم قهوة للحب أو النبات (منتجات المنطقة) والتي تعرف في اللغة العربية باسم بُن وفي (لغة) أورومو (بَن) تنطق بالفتح. تملك اللغات السامية جذر قه «اللون الداكن» الذي أصبح تسمية طبيعية للمشروبات. ووفقا لهذا التحليل كان من المرجح أن يتم اختيار شكل قهوة الأنثوي (خمر، «النبيذ»)، وكان المقصود في الأصل (بمعنى الغامقة في اللون).

أول من شرب القهوة في التاريخ

أشهر قصة حول اكتشاف القهوة لا تخلو من طرافة لعبت فيها الصدفة دوراً عجيباً، بينما كان أحد الرعاة العرب من اليمن يسرح قطيع الماعز في سفوح مرتفعات “كافيا” في بلاد الحبشة، لاحظ أن ماعزه تقفز وتمرح وتثب بصورة لم يعهدها فيها من قبل، مما أثار تعجبه وفضوله، ولما اقترب منها رأى أنها تأكل من ثمار شجرة لم يسبق له أن عرفها، فالتقط قليلًا منها وعلكها بين أسنانه فوجدها مرة المذاق، فعمد إلى غليها بالماء ثم جرع الشراب الناتج عنها، فكان ذلك أول فنجان قهوة في التاريخ.

وهناك رواية آخري تتعلق بخالدي راعي الماعز الإثيوبي في القرن التاسع، الذي لاحظ آثار النشاط على قطيعه عندما حذف قطيعه على التوت الأحمر الفاتح من بعض الشجيرات فـمضغ نفس الثمرة فدفعته البهجة إلى جلب التوت إلى راهب في دير قريب، ولكن الراهب رفض استخدامها وألقوا بها في النار فخرجت منها رائحة مثيرة تسببت في دهشة الرهبان الآخرين في المجيء للتحقيق سحقت حبوب البن المحمصة بسرعة في الجمر، ثم إلى الأرض ذوبت في الماء الساخن، مما أسفر عن أول فنجان من القهوة في العالم. وبما أنه من غير المعروف أن هذه القصة قد ظهرت في الكتابة قبل 1671، بعد 800 سنة من المفترض أن تكون قد وقعت فمن المرجح جدا أن تكون ملفقة. وعلى الرغم من أن قصة خالدي لا يمكن إثبات صحتها إلا أن هناك أمراً واحداً مؤكداً فالقهوة جاءت من إثيوبيا وشقت القهوة طريقها شمالاً عبر البحر الأحمر إلى اليمن في القرن الخامس عشر والميناء الذي وصلت إليه القهوة لأول مرة كان يسمى “موكا” نظراً لتزايد شعبية القهوة وشحن القهوة من المدينة الساحلية أصبحت الموكا مرادفاً للقهوة لذلك في أي وقت تسمع فيه مصطلح “موكا” عند الحديث عن القهوة فأنت تعرف الآن من أين نشأ هذا المصطلح.

وهناك العديد من الروايات الأسطورية في أصل القهوة. ترتبط واحدة من هذه الروايات بالصوفي اليمني نور الدين أبو الحسن علي بن عمر الشاذلي، عند سفره إلى أثيوبيا، تقول الأسطورة: إنه لاحظ أن الطيور تتمتع بحيوية غير عادية عند تناول التوت وتشهد نفس الحيوية. وتعزو روايات أخرى في اكتشاف القهوة إلى تلميذ الشيخ أبي الحسن الشاذلي عمر، وفقا للوقائع القديمة المحفوظة في مخطوطة عبد القادر عمر الذي كان معروفا بقدرته على علاج المرضى من خلال الصلاة، نُفي يوما ما من موكا إلى كهف صحراوي بالقرب من أوساب، كان عمر جائعاً فمضغ الحب من الشجيرات القريبة، لكنه وجدها مرة. حاول تحميص حبات البن لتحسين النكهة، لكنها أصبحت صلبة ثم حاول غليها لتليين البن مما نتج عن سائل بني اللون ذو رائحة عطرة. عندما شرب عمر السائل شعر بنشاط استمر لعدة أيام. كما وصلت قصص هذه «المخدرات المعجزة» موكا، وطلب من عمر العودة وأصبح قديسًا. وقد أجريت دراسات التنوع الجيني على أصناف البن العربي، التي وجد أنها ذات تنوع منخفض ولكن مع الإبقاء على بعض تَغَايُرُ الزَّيْجُوت المتبقي من المواد الموروثة، وذات صلة وثيقة بالبن القصبي والبن الليبيري (من الأنواع ثنائية الصيغة الصبغية). تم العثور على أدلة غير مباشرة تشير إلى المكان الذي نمت فيه القهوة في أفريقيا أو من بين السكان الأصليين قد استخدموه كمنشط أو معروف عنه في وقت سابق من القرن السابع عشر.

ويقال إن مصنع القهوة المدجنة الأصلي كان في هرر، ويعتقد أن السكان الأصليين يستمدونها من إثيوبيا من السكان القريبين متميزين في السودان وكينيا. أول الأدلة الموثوقة على شرب القهوة أو معرفة شجرة البن ظهرت في منتصف القرن الخامس عشر، بفضل الصوفي الإمام محمد بن سعيد الذبحاني المعروف باستيراد البضائع من إثيوبيا إلى اليمن. تم تصدير حبوب البن لأول مرة من إثيوبيا إلى اليمن من قبل التجار الصوماليين من بربرة. بالإضافة إلى ذلك، حصل سكان المخا، التي كانت مركز تجارة البن في معظم العصر الحديث، على معظم قهوتهم من التجار المقيمين في بربرة، الذين قاموا بدورهم بشراء الحبوب من ضواحي مدينة هرر. واستخدمت الصوفية في اليمن هذا المشروب كمساعد على التركيز ونوع من الروحانية عندما يهتفون باسم الله. يستخدمه الصوفيين للحفاظ على أنفسهم في حالة تأهب خلال الولاءات ليلاً. تتبعت ترجمة مخطوطات الجزري.

.انتشر ت القهوة من شبه الجزيرة العربية اليمن الحالي شمالاً إلى مكة والمدينة، ثم إلى المدن الكبرى في القاهرة ودمشق وبغداد والقسطنطينية. وبحلول عام 1414، كانت القهوة معروفة في مكة المكرمة، وفي أوائل القرن الخامس عشر كانت تنتشر في الدولة المملوكية بمصر وشمال أفريقيا من ميناء المخا اليمني. ولارتباطها بالصوفية، نشأ عدد لا يحصى من المقاهي في مصر حول جامعة الأزهر. هذه المقاهي فتحت أيضا في سوريا، وخاصة في مدينة حلب العالمية، ثم في إسطنبول، عاصمة الإمبراطورية العثمانية، في عام 1554. في عام 1511، كان يحظر شربها على تأثيره المحفز من قبل الأئمة السلفيين المحافظين في المحكمة الشرعية في مكة المكرمة ومع ذلك، تم إلغاء هذه الحظر في عام 1524 بأمر من السلطان التركي العثماني سليمان الأول، مع المفتي الكبير محمد أبو السعود الأحمدي بإصدار فتوى تسمح باستهلاك القهوة. في عام 1532 فرض حظر مماثل في القاهرة بمصر، وأقيت المقاهي والمستودعات التي تحتوي على حبوب البن. خلال القرن السادس عشر، وصلت بالفعل إلى بقية الشرق الأوسط، والإمبراطورية العثمانية.

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، اتجهت المواقف الإثيوبية نحو شرب القهوة، وانتشر استهلاكها بسرعة بين عامي 1880 و1886؛ وفقا لريتشارد بانكهورست [الإنجليزية]، “كان هذا يرجع إلى حد كبير إلى الإمبراطور منيلك، الذي شربها بنفسه، وماتيوس العاشر الذين قاموا بالكثير لتبديد اعتقاد رجال الدين بأن القهوة مشروب للمسلمين فقط”. أول ذكر للقهوة لاحظه تاجر القهوة الأدبية فيليب سيلفستر دوفور هو إشارة إلى البانشام في أعمال القرن العاشر م الطبيب الفارسي محمد بن زكريا الرازي، والمعروف باسم رازيس في الغرب، ولكن معلومات أكثر تحديدا عن إعداد المشروبات من الحب المحمص القهوة يعود إلى عدة قرون لاحقة. وكان من أهم الكتاب في وقت مبكر على القهوة عبد القادر الجزري، الذي قام في عام 1587 بتجميع عمل تتبع التاريخ والخلافات القانونية في القهوة بعنوان «عمدة الصفوة في حل القهوة». وأفاد أن شيخ جمال الدين الضبحاني (1470 ه) مفتي عدن كان أول من اعتمد استخدام القهوة (حوالي 1454). «ووجد أن من بين خصائصه أنه كان يبعد التعب والخمول، ويجلب إلى الجسم الحيوية والنشاط»

القهوة في كتب التراث العربي

لم تكن شجرة البن قد اكتُشفت حتى القرن الخامس عشر الميلادي، وكان اكتشافها على يد الشيخ الصوفي العارف أبي بكر بن عبد الله الشاذلي العيدروس (ت 909هـ/1504م) حين كان يمرُّ في بعض سياحاته، فقد رأى شجرة البن، فاقتات من ثمرها، وقد أعجبته هذه النبتة؛ إذ رأى فيها جلبًا على السهر، وتنشيطًا للعبادة، فاتخذه قوتا وشرابًا، وأرشد أتباعه ومريديه إلى ذلك فانتشرت في اليمن ثم في بلاد الحجاز ثم في الشام ومصر، وأصبح العيدروسي “مبتكر القهوة المتّخذة من البن المجلوب من اليمن” بحسب وصف المؤرخ ابن العماد الحنبلي (ت 1089هـ/1679م). إلا أن أقدم ذِكْر للبن معروف جاء عند الرازي بكتابه الحاوي، وقد ذكر أيضًا استخدامها عدد كبير من أطباء العرب الآخرين، فقال عن البن ابن البيطار «إنه ينقي الكُلى والمثانة ويزيل الحصى ويخرج الدود إذا أُكل مع العسل ومع بذور القرع، وإذا طُلي به الوجه أذهب بثوره».

وقال عنه داود الأنطاكي في تذكرته: «أهل مصر تسميه نخوة هندية وهو حب بلغ حجم الخردل قوي الرائحة والحدة والحرافة، ويسمى الكمون الملوكي، يحرق البلغم ويزيل الرياح والزغطة والنفخ، وأوجاع الصدر، وعسر البول، والحصى والغثيان، ويقول إذا غليت منه ملعقة أكل مع نصف لتر حليب، وملعقتي أكل سكر، وترك على النار حتى يتركز الحليب إلى النصف، وشرب على الريق فإنه يفتت حصى الكلى». كما ذُكِر أيضًا «أنه يحرق البلغم والرطوبات اللزجة في الصدر ويزيل صلابة الكبد والطحال والمغص وعسر البول. ينفع من الغثيان والجشاء والتخم وفساد الشهوة والحميات، ينفع من السموم مطلقًا والآثار طلاء بالخل، مع الملح والترمس والزعفران يسكن لسع العقرب، ويصلح الأرحام كيفما استعمل، ومسمن إذا شُرب مع الحليب والسكر بعد الأكل مباشرة».

أما ابن سينا بين القانون فيقول إنه «يفتح السدد وينفع من قيح الصدر وتقلب القلب، ينفع من رطوبات المعدة، ويسكن الغثيان وتقلب النفس. وهو جيد للمعدة والكبد الباردتين، يدر البول ويزيل عسره ويخرج الحصى، وينقي الكلى والمثانة، وينفع من الرياح والمغص، إذا بخر به الرحم مع الراتنج نقاه». وفي كتب الفقه، جاء ذكر البن في كتاب «عمدة الصفوة في حل القهوة» للشيخ محمد بن عبدالقادر الجزيري في القرن العاشر الهجري، وكذلك كتاب «رسالة عن القهوة والدخان والأشربة المحرمة» للشيخ مصطفى الأقحصاري. وأيضًا «أرجوزة في تحريم قهوة البن» للشيخ نور الدين العمريطي.

وقد وقف الباحثون عليها في خمسةٍ من قواميس اللغة العربية، إذ جاء في القاموس المحيط: “القَهْوَةُ: الخَمْرُ”، “وأقْهَى: دامَ على شُرْبِ القَهْوَةِ”، وجاء في لسان العرب: “والقَهْوة الخمر، سميت بذلك لأنها تُقْهِي شاربها عن الطعام أَي تذهب بشهوته”. وقد عرف جمال الدين القاسمي القهوة بأنها “مشروب الكتّاب والمدرسين، والمطالعين للكتب، والمعلمين للعلوم الأدبية والصناعية، والشعراء وأهل الأدب”. وابن منظور في لسان العرب، المؤلَّف قبل اكتشاف البن بقرنين تقريبًا، يقول: “القهوة: الخمر، سُميت بذلك لأنها تُقهي شاربها عن الطعام أي تُذهب بشهوته”.

انتشار القهوة

لمدة 300 عام كانت القهوة في حالة سكر وفقاً للوصفة التي استخدمت لأول مرة في إثيوبيا انتشرت ووصلت القهوة إلى جنوبِ الجزيرة العربية وأتاح مناخ وتربة اليمن الخصبة الظروف المثالية لزراعة محاصيل البن الغنية وبحلول القرن السادس عشر، أصبحت مشهورة في مصر وسوريا وبلاد فارس وتركيا وكان يُعرف باسم “النبيذ العربي” وبدأ المشروب يحظى بشعبية كبيرة حيث بدأت المقاهي تفتح في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية وعُرفت هذه المقاهي باسم “مدارس الحكماء”. ومع ذلك في أوائل القرن السادس عشر الميلادي أعلنت المحكمة في مكة المكرمة أن القهوة ممنوعة بسبب تأثيرها المحفز وحدث شيء مماثل في كل من مصر وإثيوبيا وتم رفع كل هذا الحظر في النهاية لكن القهوة واجهت النصيب العادل من الاضطهاد قبل ذلك واندلعت أعمال شغب في الشوارع العربية حتى عادت العدالة لشرب القهوة.

كانت شبه الجزيرة العربية حارس القهوة وإذا أراد بلد ما حبوب البن فإنهم يشترونها من اليمن ولقد أحجبت السلطات الأمر بهذه الطريقة وفعلت كل شيء لضمان عدم تمكن أي شخص من إخراج بذور القهوة من سيطرتها وزراعة الأشجار بأنفسهم وللأسف قام بابا بودان وهو قديس صوفي من الهند كان يحج إلى مكة عام 1670 وعند عودته قام بابا بودان بتهريب بعض الحبوب الخصبة إلى الهند حيث بدأ زراعة البن. وفي رواية أخرى أنه تم افتتاح أول مقهى لتقديم القهوة في العالم في القسطنطينية عام 1475، والمعروفة الآن بإسطنبول. كانت القهوة تشرب في البيت كجزء من الروتين اليومي، وكانت تقدم للضيوف من باب حسن الضيافة. عند الخروج من البيت، كان الناس يرتادون المقاهي ليس فقط لشرب القهوة، ولكن لتبادل المحادثات والاستماع إلى الموسيقى ومشاهدة العروض الترفيهية ولعب الشطرنج والتحدث وتبادل الأخبار. دون التقنيات الحديثة التي نتمتع بها اليوم، سرعان ما أصبحت المقاهي مركزاً لتبادل المعلومات. غالباً ما كانت تسمى “مدارس الحكماء”.

لقد افتتح أول محلين لتقديم القهوة باستانبول عام 1554م، وكان صاحباهما من الشام، حيث جاء الأول من حلب، والآخر من دمشق، وعند نهاية القرن كانت القاهرة تعج بالمقاهي، وهو ما لاحظه أحد الرحّالة الأوروبيين -ويُدعى هنري كاستيلا (Henry castela)- الذي زار القاهرة عام 1600 – 1601م، ورأى “وجود العديد من الحانات التي يشرب فيها الناس طوال النهار ماءً ساخنا أسود اللون” مما يدل على أنه لم ير القهوة من قبل، ولاحظ رحالة آخر -يدعى يوهان فيلد Johan wild- الذي زار مصر في 1606- 1610م، أثناء وجوده في دمياط وجود ما أسماه “قهوة خانات”، أي مقاهي، حيث كان الناس يترددون عليها -على حد قوله- ليشربوا ماءً مغليا أسود اللون، ليترسخ وجود القهوة في المنطقة العربية والمقاهي منذ ذلك الحين ويتضح أن القهوة كانت أول شيء يخلق فكرة التجمع بين الناس في الفضاء العام، والدليل انتشار تلك الأماكن المخصصة لشربها خلال تبادل الحديث. وذكر الباحث الأثري هشام الحديدي، أن القهوة كانت معروفة في مصر منذ القرن السابع الهجري، وأن الصوفي المصري المشهور إبراهيم الدسوقي المتوفى عام 669، كان يتعاطاها، وكان يحض أصحابه على تعاطيها. ويقول: “يا أبناء قلبي عليكم بشرب القهوة القرقفية واستعمالها فوعزته وجلاله من صدق منكم وأخلص لا يمسى أحد إلا نبعت منه الحكمة.

القهوة في الأشعار والأغاني

إذا أردنا التحديد فيمكن أن نقول إن أول استخدامٍ لكلمة “قهوة” كان عام 430م، عندما استخدمها الشاعر أحيحة بن الجُلاح الأوسي بمعنى “الخمر”، فقال:

لِتَبكِني قَينَةٌ وَمَزهَرُها **** وَلتَبكِني “قَهوَةٌ” وَشارِبُها
وَلتَبكِني ناقَةٌ إِذا رَحَلَت **** وَغابَ في سَردَحٍ مَناكِبُها

أنشد الفقهاء والأدباء المؤيدون لحلّية القهوة شعرًا، وألّفوا في الدفاع عنها رسائل ضد الممانعين في ذلك القرن، “قرن الجدل حول القهوة”، العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي، فهذا الشيخ عبد الرؤوف بن يحيى الواعظ تلميذ العلامة ابن حجر الهيثمي يقول فيها:

قد شَرِبنا قهوة بُنية … ولها شربنا غَدا بالنيِّه
لَوْنهَا قد حَكي أذا يبَمِسْكٍ … أَو زبَاد وسط الزباد الجلية

ويقول على لسانها هائمًا:

أنا المعشوقة السمرا … أجلى في الفناجين
وعُود الهند ليعطر … وذكري شاع في الصين!

ظاهرة انتصار السماح بالقهوة على معارضيهم أرّخها الأديب شاعر القاهرة في زمانه برهان الدين بن المبلّط (ت 991هـ/1583م) الذي أنشد قائلاً:

أرى قهوة الّبنِّ في عصرنا … على شُربها النّاسُ قد أجمعوا
وصارت لشرابها عادة … وليستتضرّ ولا تنفع

ويقول الشيخ محمد البكري الصديقي:

أقولُ لمن ضاقَ بالهمّ صدرُه **** وأصبحَ من كثر التشاغل في فكرِ
عليك بشرب الصالحين فإنه *** شرابٌ طهورٌ سامي الذكرِ والقدرِ
فمطبوخ قشر البن قد شاعَ ذكرُه ** عليك به تنجُو من الهمّ في الصدرِ.

وفي العصر العباسي قال أبي نواس

يا خاطِبَ القَهوَةِ الصَهباءِ يَمهُرُها بِالرَطلِ يَأخُذُ مِنها مِلأَهُ ذَهَبا
قَصَّرتَ بِالراحِ فَاِحذَر أَن تُسَمِّعَها فَيَحلِفَ الكَرمُ أَن لا يَحمِلَ العِنَبا
إِنّي بَذَلتُ لَها لَمّا بَصُرتُ بِها صاعاً مِنَ الدُرِّ وَالياقوتِ ما ثُقِبا
فَاِستَوحَشَت وَبَكَت في الدَمنِ قائِلَةً يا أُمُّ وَيحَكِ أَخشى النارَ وَاللَهَبا
فَقُلتُ لا تَحذَريهِ عِندَنا أَبَداً قالَت وَلا الشَمسَ قُلتُ الحَرُّ قَد ذَهَبا
قالَت فَمَن خاطِبي هَذا فَقُلتُ أَنا قالَت فَبَعلِيَ قُلتُ الماءُ إِن عَذُبا
قالَت لِقاحي فَقُلتُ الثَلجُ أُبرِدُهُ قالَت فَبَيتي فَما أَستَحسِنُ الخَشَبا
قُلتُ القَنانِيَّ وَالأَقداحُ وَلَّدَها فِرعَونُ قالَت لَقَد هَيَّجتَ لي طَرَبا
لا تُمكِنَنّي مِنَ العِربيدِ يَشرَبُني وَلا اللَئيمِ الَّذي إِن شَمَّني قَطَبا
وَلا المَجوسِ فَإِنَّ النارَ رَبَّهُمُ وَلا اليَهودِ وَلا مَن يَعبُدُ الصُلُبا
وَلا السَفالِ الَّذي لا يَستَفيقُ وَلا غِرِّ الشَبابِ وَلا مَن يَجهَلُ الأَدَبا
وَلا الأَراذِلِ إِلّا مَن يُوَقِّرني مِنَ السُقاةِ وَلَكِنِ اِسقِني العَرَبا
يا قَهوَةً حُرِّمَت إِلّا عَلى رَجُلٍ أَثرى فَأَتلَفَ فيها المالَ وَالنَشَبا

رحلة تحريم وتحليل القهوة بين الفقهاء

في عام 917هـ/1511م وحين كان يمر ناظر الحرم الشريف في مكة المكرمة الأمير المملوكي خاير بك من الكعبة إلى بيته رأى جماعة ليلة 23 ربيع الأول تحتفل بالمولد النبوي الشريف، وقد وجد بينهم شيئًا يتعاطونه على هيئة الشربة الذين يتناولون الخمر ومعهم كأس يديرونه ويتداولونه بينهم، “فسأل عن الشراب المذكور فقيل هذا شراب اتخذ في هذا الزمان، وسُمي القهوة يُطبخ من قشر حبّ يأتي من بلاد اليمن يُقال له البُن، وأن هذا الشراب قد فشا أمره بمكة وكثر وصار يُباع في مكة على هيئة الخمّارات، ويجتمع عليه بعض الناس بالرهن وغيره مما هو ممنوع في الشريعة المطهّرة”.

لقد أقلق هذا الأمر ناظر الحسبة وهو المسئول عن الأخلاق والآداب العامة، فدعا في اليوم التالي القضاة والعلماء وطلبة العلم وغيرهم مثل قاضي القضاة صلاح الدين بن ظهيرة الشافعي – وأسرة آل ظهيرة كان لها باع في الفتيا والقضاء في مكة المشرفة في ذلك العصر -والقاضي نجم الدين بن عبد الوهاب المالكي وغيرهم، وشرعوا في مناقشة هذه القضية/النازلة الجديدة، وفي نهاية الجلسة اتفق الحاضرون على التمييز بين القهوة نفسها وبين ما يُصاحب شربها من مظاهر وأحوال، بيد أنهم تركوا الأمر للأطباء كي يُدلوا برأيهم في هذا “النبات” وتأثيره على البدن أو العقل، وبالفعل أحضر الأمير المملوكي أكبر طبيبين في مكة حينها الأخوين نور الدين الكازروني وعلاء الدين الكازروني، اللذين شهدا بأن المشروب المتخذ من قشر البن بارد يابس مفسد للبدن المعتدل! لكن أحد الفقهاء الحاضرين في تلك الجلسة الساخنة اعترض على هذا القرار معلقًا بأن البن مباح ومفيد، فردوا عليه بأنه “لو كان مباحًا فقد جرّ إلى معصية وكل طاعة جرّت إلى معصية سقطت”. لذا أصدر الأمير خاير بك قراره وأشهر النداء في مكة وضواحيها وطرقها بالمنع من شرب القهوة، وصدر القرار في 28 ربيع الأول سنة 917هـ، لكن قرار خاير بك كان الطلقة الأولى لقرن قادم ظل الجدل فيه ساخنا بين المؤيدين والمعارضين من الفقهاء والقضاة، ورجالات الدولة من السلاطين والولاة وغيرهم، وسرعان ما أظهر المؤيدون حقيقة الفارق بين “القهوتين”، فتلك قهوة تُذهب بالعقل، وهذه قهوة تنشط الذاكرة، وتُعين على أداء المهمات!

حين أرسل الوالي المملوكي ذلك المحضر إلى السلطان قنصوه الغوري في القاهرة، صدّق على ما تم في ذلك الاجتماع، ومنع شربها، وسرعان ما أيده أحد أكبر فقهاء الإسلام في عصره الإمام زكريا الأنصاري (ت 926هـ/1520م)، لكن محبي هذا المنتج الجديد سرعان ما انطلقوا للأنصاري وهم مجموعة من فقهاء المالكية، فأراد الرجل أن يقف على حقيقة الأمر كما يخبر صاحب “النور السافر عن أخبار القرن العاشر” فأحضر قشر البن، ثم أمر بطبخه/غليه ثم أمر هؤلاء المدافعين عن القهوة وحلّها بشُربها “ثم فاتحهم في الكلام فراجعهم فيه ساعة زمنية فلم يرَ منهم من الكلام لا تغيرًا ولا طربًا فاحشًا بل وجد منهم انبساطًا قليلا”. ولم يلبث الأنصاري أن صنّف في حلّها مصنفا قاطعا بالحل. لكن ذلك لم يُعجب المعارضين في مكة والقاهرة ودمشق، مثل الشيخ الكازروني الذي ألّف رسالة في تحريمها، في المقابل أيّد بعض العلماء تحليل القهوة كالشيخ أبي بكر المكي الذي ألف رسالته “إثارة النخوة بحُكم القهوة”، ثم رد برسالة أخرى “إجابة الدعوة بنصّ القهوة”.

سرعان ما صارت تجارة  البن رائجة، بل ساعدت على النهوض الاقتصادي داخل الدولة العثمانية التي كانت قد استولت على الأقطار العربية حينذاك، وحين توارت مصر كمركز أساسي في تجارة الترانزيت كوسيط حصري في تجاره البهارات “الكارم” بين الهند وأوروبا لمدة عدة قرون -والتي اكتشفت طريقًا آخر غير مصر في نهاية العصر المملوكي هو طريق رأس الرجاء الصالح ما أدى إلى اضمحلال هذه التجارة- فإن زراعة القهوة وتجارتها أعادت الزخم مرة أخرى للتجارة الداخلية بين أقطار الدولة العثمانية، ورأينا أن كبار التجار مثل إسماعيل أبو طاقية شهبندر تجار مصر في القرن السابع عشر الميلادي يجني الألوف من ورائها، بل أسهم أبو طاقية في رواجها من خلال بنائه مقهى في وسط القاهرة في بداية ذلك القرن! والمتتبع لسير “العاشقين والمغرمين” للقهوة في ذلك القرن يجد عجبًا، فقد روي عن شمس الدين أبي عبد الله محمد السُّودي اليمني (ت 932هـ/1526م) أنه كان “مولعا بشرب القهوة ليلا ونهارا، وكان يطبخها بيده ولا يزال قدْرها بين يديه” وكان ينسى رجله تحتها في النار!

لكن يبدو أن القهوة كانت تجر الفريقين الممانع والمؤيد إلى حلبة الصراع، ففي دمشق كان الشيخ أبو الفتح المكي (ت 975هـ/1567م) الذي يصفه بعض المؤرخين بأنه كان “مغاليا في نُصرة القهوة”، مشاهد ومواقف مع شيخ الإسلام يونس العيثاوي المناوئ للقهوة، والمفتي بحرمتها؛ فقد حصل بينهما شقاق “طال أمده، وتأجّج حسده”، وحين اجتمعا مرة لدى قاضي الشام العثماني علي أفندي الرومي وتناقشا فيما يتعلّق بالقهوة، وذكر كل منهما دليله فظهر الشيخ أبو الفتح المكي في البحث على الشيخ يونس حيث لم تكن أدلة التحريم واضحة، وقد تصاعد الخلاف بين العالمين المؤيد والمعارض للقهوة خلال عهد الوالي العثماني الجديد لدمشق لالا مصطفى باشا الذي بقي في المدينة خمس سنوات (971- 976هـ/1563- 1568م)، وكان هذا الوالي شديدا عسوفًا، لكنه محترم للفقهاء، ويبدو أنه كان من أنصار القهوة، لذا امتدحه الشيخ أبو الفتح، بينما اعترض عليه الشيخ يونس العيثاوي.

سنة 968هـ/1572م صدر حكم من السلطان سليمان القانوني جاء إلى القاهرة “يقضي بمنع المنكرات والمسكرات، ومنع استعمال القهوة، وبينما كانت القهوة تشق طريقها في صفوف المجتمع كله، وأصبح لها بيوت/ أماكن مخصصة لشربها (القهاوي)، انقلب الوضع فجأة سنة 968هـ/1572م حين صدر حكم سلطاني من السلطان سليمان القانوني جاء إلى القاهرة “يقضي بمنع المنكرات والمسكرات والمحرمات، ويُغلق أبواب الحانات والخانات، ومنع استعمال القهوة، والتجاهل بشربها، وهدم كوانينها وكسر أوانيها”، وصحب تنفيذ هذا الفرمان السلطاني بطشا وشدة من “العسس”، ويروي المؤرخ الجزيري المعاصر لهذه الأحداث، والمؤيّد لشرب القهوة بمرارة قائلاً: “وضربوا وأشهروا، وهدموا البيوت، وكسروا أوانيها المحترمة الطاهرة التي هي مال لرجل مسلم.. ولم يبلغنا فعلهم مثل ذلك في أواني الخمر والحشيشة”. لكن سرعان ما تراخت الدولة عن هذه الفرمانات، وانتصر أخيرا عشّاق القهوة من الفقهاء والأدباء على خصومهم الذين صاروا في نهاية ذلك القرن قلة.

منع القهوة عدة مرات

ولتأثيراتها السياسية في أنحاء العالم، حُرمت القهوة إلى ما يقرب من 7 مرات، وإحدى هذه المرات كان نتيجة للنفوذ الاقتصادي، عندما حرمتها السويد بسبب نفوذ تجار البيرة لدى الملك، فدفعوا لإصدار القرار حتى لا يشرب أحد القهوة، والترويج للبيرة بدلًا منها.

فوائد القهوة

من أولى فوائد القهوة، أنها منشطة وتقلل مخاطر الموت المبكر والإصابة بأمراض القلب كما يمكن للقهوة أن تقاوم الاكتئاب وتضفي سعادة أكبر على من يشربها. وتساعد على حرق الدهون في الجسم، إذ تحتوي على مادة الكافيين، وتحمي كذلك من أمراض الباركنسون والزهايمر.

خفض فرص الإصابة بمرض السكري

في بحوث أجريت عام 2005 وجد أن خطر الاصابة بالسكري من النوع 2 لدى البالغين الذين يشربون 4-6 أكواب قهوة يوميا أقل بنحو 30٪ منها لدى الأشخاص الذين يشربون حتى كوبين من القهوة يوميًا.

تحسين الذاكرة والإدراك

يفيد الباحثون أن الاشخاص الذين شربوا القهوة التي تحتوي على الكافيين في الصباح قاموا بتنفيذ المهام المتعلقة بتعلم معلومات جديدة بشكل أفضل، يمكن للقهوة أيضا تحسين الوظائف الإدراكية مع العمر، وجدت دراسة أخرى أن الدمج بين القهوة وشيء حلو أعطى التأثير الأكثر فعالية، الدمج بين الاثنين يسهم في تحسين القدرة الادراكية مع تحسين الذاكرة على المدى القصير.

جاء في الكتاب الطبي الأمريكي الشهير: Current medical diagnosis أنّ الكميات الصغيرة أو المعتدلة من الكافئين (30 إلى 200 ملغ يوميا) تحسّن أداء المرء لعمله اليومي. وقالت الباحثة الأمريكية جوديث وارتمان Judith Wartman وهي من العالمات الشهيرات في مجال الغذاء وعلاقته بالدماغ أن القهوة منشطة للتفكير.

أضرار القهوة

– للقهوة مخاطرها أيضا، خاصة عند استهلاك كميات كبيرة منها، إذ يمكن أن ترفع ضغط الدم وتزيد احتمال الإصابة بالنوبات القلبية.

الأبحاث المتضاربة حول فوائد واضرار القهوة

نتائج الأولى أن الأشخاص الذين يتناولون كوب من القهوة يومياً هم الأقل عرضة للإصابة بقصور القلب أو السكتة الدماغية أو الوفاة الناتجة عن أمراض القلب، ويبلغ متوسط عمر هؤلاء الأشخاص 57 عاماً والذي يبلغ عددهم 382,500 شخص، أما الدراسة الثانية فبحثت بين العلاقة بين أنواع القهوة المختلفة وأدت إلى نفس نتائج الدراسة الأولى.

وأجريت الدراسة الثالثة على الأشخاص المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أو بنوع من أنواع أمراض القلب و الأوعية الدموية، و لم تعثر في نتائجها عن رابط بين القهوة و اضطراب نظم القلب. أما الدراسة الثانية فبحثت بين العلاقة بين أنواع القهوة المختلفة وليس نوع واحد، وأدت إلى نفس نتائج الدراسة الأولى، وأجريت الدراسة الثالثة على الأشخاص المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أحد أنواع أمراض القلب والأوعية الدموية، ولم تعثر في نتائجها عن رابط بين القهوة واضطراب عمل القلب.

وأشارت دراسة أجرتها جمعية القلب الأمريكية، أن شرب فنجانين أو أكثر من القهوة يومياً قد يؤدي لمضاعفة خطر الإصابة بأمراض القلب واضطراب ضرباته. وشارك بهذه الدراسة نحو 20 ألف شخص تتراوح أعمارهم بين 40 إلى 79 عاماً وقُسمت لأربع فئات حسب ضغط الدم حيث كانت الفئة الأولى لضغط الدم الأمثل والطبيعي، والثانية لضغط الدم المرتفع الطبيعي، والثالثة لأصحاب ارتفاع ضغط الدم من الدرجة الأولى، والأخيرة لأصحاب ارتفاع ضغط الدم من الدرجة الثانية و الثالثة . وتوصلت الدراسة إلى أن استهلاك القهوة يرتبط بزيادة خطر الوفاة بأمراض القلب والأوعية الدموية بين أصحاب ضغط الدم المرتفع من الدرجة الثانية والثالثة، ولكن لم يتم العثور على هذه الصلة بين أصحاب ضغط الدم الأمثل أو الطبيعي، ونفى العديد من الأطباء صحة الدراسات التي تعدد فوائد القهوة، ومنهم الأستاذ الدكتور عادل نبيه استشاري أمراض القلب والقسطرة بمعهد القلب، والذي أكد أن هناك زيادة بضربات القلب بعد تناول كوب القهوة .

وأشار الدكتور خالد سمير العضو السابق بمجلس نقابة الأطباء، أن هناك بعض الدراسات تكون ممولة من شركات أو دول بهدف التجارة أو الربح من زيادة مبيعات القهوة لأنها تمثل اقتصاد بمئات المليارات سنوياً بالعالم، وأضاف قائلا: يجب أن يكون هناك محاذير للأخذ بهذه الدراسات كحقائق علمية، فالضرر قد يقع على شخص ولا يقع على آخر، فالقهوة تحتوى على مواد منها مادة الكافيين والتي تؤثر على نشاط الجسم والمخ و على قُطر الأوعية الدموية والقلب وتعمل على تسارع عضلة القلب لذلك لا يمكننا تعميم نتائج تلك الدراسات.

وأكد أن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في عدم انتظام ضربات القلب أو تسارع في ضربات القلب أو أصحاب مرضى الضغط المرتفع أو مرضى الشريان التاجى لا يمكنهم شرب القهوة حتى و إن كان كوباً واحداً باليوم، وأشار سمير، إلى أن طريقة تحضير القهوة تختلف أيضاً في تأثيرها سواء بالفوائد أو الأضرار، وكونها قهوة المغلية أو القهوة الأمريكية أو الأسبريسو.

زراعةُ القهوة وإنتاجُها

تبدأُ عمليّة إنتاجِ القهوةِ بزراعتها كنبتة، وهي شُجَيرةٌ استوائيّةٌ دائِمةُ الخضرةِ، ويُزرَعُ النوعُ العربيُّ من القهوة في مناطق في أمريكا اللاتينيّة، بينما نَجِدُ قهوةَ روبوستا في أفريقيا، ويُزرَعُ كلا النوعَين في كلٍّ من الهند، وإندونيسيا، ودُوَلٍ آسيويّةٍ أخرى، وهناك العديد من الأشكال والأنواع منها، وتحتاجُ القهوة إلى عوامل مناخيّة مُعيَّنة؛ لتنمو، مثل: درجات حرارة تتراوحُ بين 73-82 درجة فهرنهايت، وهطول أمطار يتراوحُ بين 60 -80 بوصة سنوياً، بالإضافة إلى فترة جفاف تمتدُّ من شهرين إلى 3 أشهرٍ، وتتمُّ زراعةُ شُجَيرات القهوة في صفوف مُتباعِدةٍ، في بداية موسم الأمطار، وتحتاجُ حبوبُ البُنِّ من 3-4 سنواتٍ؛ لتبدأَ بالظهور، وخلال ذلك تحتاجُ الشُّجَيرات إلى العناية والتشذيب؛ لتحفيزِ الثمرةِ، وإعطاءِ الشتلاتِ التوازنَ، والقوّةَ وعندما يصبحُ لونُ الثمرةِ أحمرَ أرجوانيّاً، تكون قد نضجَت تماماً؛ ليتمَّ قَطفُها ومُعالَجتُها، عن طريق تقشيرِها، ومن ثمَّ تجفيفِها؛ وذلك حتى يتمَّ التخلُّص من الرطوبةِ الموجودةِ في الحبوب.

ويتمُّ استخدامُ عدّة طُرُقٍ للمعالجة، هي: الطريقة الأولى، وهي العمليّة الجافّة؛ حيثُ يتمُّ استخدام الآلات البسيطة فتُوضَعُ الحبوبُ بعد تقشيرِها وغليِها في الشمس، ثمَّ يتمُّ تحريكُها يدويّاً؛ لمنع تعفُّنِها، ويستغرقُ ذلك عدّة أيّام إلى أربعة أسابيع، وتُعتبَرُ هذه الطريقةُ غيرَ عمليّة إلى حدٍّ ما، أما الطريقة الثانية فتُسمَّى بالعمليّة الرطبة، وهي تحتاجُ إلى معدّاتٍ أكثر تطوُّراً، كما أنّ عيوبَها أقلّ؛ حيثُ يتمُّ التقشيرُ باستخدام الآلات، ثم يُزَالُ اللبُّ عن البِذرةِ باستخدامِ تقنيةِ التخمير، ثم تُجفَّفُ الحبوبِ وتُلمَّعُ ميكانيكيّاً. في حين أنَّ الطريقة الثالثة تشتملُ على دَمْجٍ للطريقَتَين: الأولى، والثانية؛ حيثُ تتمُّ إزالة اللبِّ بطُرُقٍ ميكانيكيّةٍ، ثم يتمُّ تجفيفُ الحبوبُ دونَ اللجوء لعمليّةِ التخمير، وتُحافِظُ هذه الطريقةُ على تَوازُنِ طَعْمِ حبّة القهوة، ويُفضَّلُ تصديرُ الحبوبِ مباشرةً؛ وذلك لتجنُّبِ المشاكلِ التي قد تحدُثُ أثناءَ التخزين، وخاصّة في الدُّوَل الفقيرة المُنتِجةِ للقهوة، وفي بَعض المناطق تتمُّ إزالةُ الكافيين من القهوة قَبلَ عمليّة التحميص، وذلك بعدّة طُرُق؛ حيثُ يتمُّ تحميصُ حبوب القهوة على درجات حرارة مُرتفِعة تتراوحُ بينَ 180-250 درجة مئويّة؛ لتصبحَ بُنِّيةً، وغامقةً، وغنيّةً، كما تتفتَّحُ مساماتُها، ويُعطي التحميصُ للقهوة الرائحةَ المُميَّزة، ثمَّ يتمُّ تبريدُها بطريقةٍ سريعةٍ، وفَرْزها؛ للتخلُّص من الحبوب السيِّئةِ، والداكِنةِ، ثمَّ تُترَكُ الحبوبُ كما هي، ولا يتمُّ طَحنُها حتى يحينَ وقتُ الشراءِ من قِبَلِ المُستهلِك، وتتمُّ تعبئةُ مسحوقِ القهوة في أكياس مُخصَّصة ومُفرَغة من الهواء؛ حتى لا تفقِدَ جُزءاً من نكهتِها.

أشهر دول تنتج القهوة في الوقت الحالي2023

  • البرازيل: حيث تنتج 37,4% من إجمالي إنتاج القهوة في العالم.
  • تليها فيتنام: تنتج 37,4% من إجمالي إنتاج القهوة في العالم.
  • كولومبيا: تنتج 17,7% من إجمالي إنتاج القهوة في العالم.
  • تليها إندونيسيا: التي تنتج 8,4% من إجمالي إنتاج القهوة العالمي.
  • إثيوبيا: تنتج 4,3% من إجمالي إنتاج القهوة في العالم.
  • هندوراس: تنتج 3,6% من إجمالي إنتاج القهوة العالمي.
  • ثم الهند: تنتج 3,4% من إجمالي إنتاج القهوة في العالم.
  • بعد ذلك أوغندا: تنتج 3,3% من إجمالي إنتاج القهوة في العالم.
  • المكسيك: تنتج 2,4% من إجمالي إنتاج القهوة في العالم.
  • بيرو: تنتج 2,2% من إجمالي إنتاج القهوة في العالم.
  • تليها غواتيمالا: التي تنتج 2,2% من إجمالي إنتاج القهوة في العالم.
  • نيكاراغوا: تنتج 1,6% من إجمالي إنتاج القهوة العالمي.
  • كوت ديفوار: تنتج 1,1% من إجمالي إنتاج القهوة في العالم.
  • كذلك كوستاريكا: تنتج 0,9% من إجمالي إنتاج القهوة في العالم.

أكثر 5 دول استهلاكا للقهوة في العالم

  • فنلندا: وهي أكثر الدول في العالم استهلاكًا للقهوة حيث قدر متوسط استهلاك الفرد للقهوة في فنلندا ما يقارب أربعة أكواب من القهوة يوميًا.
  • النرويج: تحتل النرويج المرتبة الثانية بالعالم من حيث استهلاك القهوة، حيث قدر متوسط استهلاك الفرد للقهوة في النرويج ما يقارب ثلاثة أكواب من القهوة يوميًا.
  • الدانمارك: تحتل الدنمارك المرتبة الثالثة في العالم، من حيث استهلاك القهوة حيث يصل حجم استهلاك الفرد السنوي لمشروب القهوة إلى 9 لترات سنويًا.
  • كذلك آيسلندا: حيث تحتل المرتبة الرابعة في العالم من حيث استهلاك القهوة حيث يصل حجم استهلاك الفرد لمشروب القهوة إلى 9 لترات سنويًا.
  • هولندا: تحتل هولندا المرتبة الخامسة بالعالم من حيث استهلاك القهوة. حيث يصل حجم استهلاك الفرد السنوي لمشروب القهوة إلى 8 لترات سنويًا بمعدل 2,5 كوب من القهوة يوميًا.

أفضل أنواع القهوة في العالم 2023

  • قهوة كونا هاواي: والتي تعد أغلى أنواع القهوة عالميًا فهي تصنع من مجموعة نادرة من الحبوب، وتتواجد فقط في جزيرة هاواي. كذلك تزرع في أراضي بركانية خصبة، وتمتاز بطعمها الفريدة ورائحتها المميزة.
  • قهوة الجبل الأزرق الجامايكية: والتي تتم زراعتها في أعلى نقطة في الجبال الزرقاء، وتعد من أغلى وأفضل حبوب البن في العالم.
  • قهوة سولاوسي توراجا: والتي تتم زراعتها في المرتفعات الجنوبية في الجزيرة الإندونيسية سولاوسي. كذلك تتميز بمذاقها المركز ورائحتها القوية التي تجذب عشاق القهوة من مختلف أنحاء العالم.
  • قهوة العاج الأسود: هذه القهوة مصنوعة من روث الفيلة كما أنها من أندر وأغلى أنواع القهوة في العالم، كذلك يتم استخدام هذه القهوة في أفخم الفنادق والمنتجعات في العالم. حيث يتم قطف حبات البن من الأشجار على ارتفاعات تصل إلى 1500 متر. بعد ذلك يتم وضعها للفيلة في الوجبة الأساسية لهم، بعد ذلك تهضمهم الفيلة وتخرجهم مرة أخرى مع روثها. ثم يتم أخذها من الروث وضعها في الشمس وتنظيفها وتجفيفها وأخيرًا تحميصها.
  • قهوة بلو بوربون (ستاربكس): يزرع هذا النوع من البن  في رواندا فقط، لذا فإن إنتاجها يكون محدودًا للغاية. كذلك عندما يتم سحق حبوب البن يضاف لها المكسرات والكرز والزبدة، لإضافة الطعم المميز والنادر لها.

الدول العربية المنتجة للقهوة

  • اليمن: تعد دولة اليمن الدولة الأولى في العالم التي قامت بزراعة البن. فهي الدولة الأولى التي أنتجت حبوب القهوة لجميع أنحاء العالم. كما تتميز اليمن منذ القدم بمزارع البن العائلية، والتي تمتلك حبوب قهوة ذات مذاق لذيذ وخاص لا مثيل له.
  • المملكة العربية السعودية: تعد السعودية من أكبر الدول العربية المنتجة للبن خاصةً في الأعوام الأخيرة وذلك نتيجة الطلب المتزايد عليها.
  • الإمارات العربية المتحدة: تعتبر الإمارات أحد أبرز الدول العربية المنتجة للقهوة، كذلك تمتاز بصنع مزيج قوي من البن. حيث تقوم بخلطه مع بعض المكونات الأخرى كالتمر والهيل والزعفران والمكسرات والفواكه المجففة.

المراجع

  • – محمد م. الأرناؤوط، من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي، 16.
  • -“Coffee, History”, www.britannica.com, Retrieved 2018-4-1. Edited.
  • – “The History of Coffee”, www.ncausa.org, Retrieved 2018-4-3. Edited.
  • – LINDSEY GOODWIN (2018-3-19), “Ethiopian Coffee Culture”، www.thespruce.com, Retrieved 2018-4-3. Edited.
  • -René Coste, “Coffee production”، www.britannica.com, Retrieved 2018-4-3. Edited.

د. خالد جمال طه امام احمد – دكتوراه العلوم البيولوجية – مدرب معتمد للتنمية البشريةPCT-TOT  [email protected] لوحة حاملة القهوة لجون فريدريك لويس (1857).(الأحياء العثمانية في القاهرة، مصر)

بقلم: د. خالد جمال طه إمام أحمد

 

أضف تعليقك هنا