أغنية الغراب: ما بين ولادة قصيدة ووفاة لحن

أغنية الغراب هو فيلم سعودي تجريبي من إخراج محمد السليمان، وهو الفيلم الروائي الأول للمخرج بعد عدد من الأفلام القصيرة المتنوعة. وكما هي العادة في الأفلام التجريبية، فهي دائماً تحمل في طياتها أسرار عديدة تضفي عمقاً خاصاً على الفيلم.

ناصر شاب فاقد الإرادة والتحكم بحياته، وهو بطل الفيلم، الذي يصل إلى النهايات دائماً، رغم كونه لم يستطع إكمال أي شيء في حياته. ناصر أشبه بعنوان الفيلم، بحياة غير مفهومة وشخصية غير متسقة مع بيئتها، كغراب يغرد بأغنية.

لِمَ لَمْ تلقَ الأفلام التجريبية في السينما العربية والسعودية نجاحاً؟

تجارب الأفلام التجريبية والطليعية أو حتى السريالية في السينما السعودية والعربية لم تكن بالتجارب الناجحة جداً من قبل، كون أن هذه الأساليب الفنية اتخذت قوالب معينة وأصبحت تنتقل من دولة إلى أخرى بنفس هذه القوالب، دون وضع أي اعتبارات للثقافة والجمهور المختلفتين بين هذه المناطق، ثم أصبحت هذه الأفلام نسخاً مقلدة وجوفاء من أفكار مخرجين وكتاب آخرين. وهذا الشيء لوحظ بشكل أكبر في الأدب، أكثر من تواجده في السينما، فنرى دائماً روايات وقصص ذات قصص لا يستسيغها الفرد العربي لأنها لا تتناسق مع جوهر في ثقافة هذه المنطقة، وتصبح قصصاً خاوية ذات هوية مجهولة لا تتلامس مع أرواحنا ولا نستطيع أن نبني معها روابط عاطفية واقعية.

يبدأ الفيلم بمشهد سوف يعكس لنا ماهية حياة ناصر، مع أب غاضب يحطم أحلام ناصر التي لا يستطيع إنجازها، و لكنها هي جميع ما لديه، وبنهاية المشهد نرى مشهداً رمزياً يتكرر دائماً في أعمال مختلفة، وهو هطول المطر بغير قطرات المياه، ونرى هنا أن السماء تمطر أدمغة. وهذا يشكل انعكاساً لتحطيم الأب لحلم الابن ووضعه في وهم “سوف تظل غبياً، لأنك تيس”. وهذا بلا شك هو ما سيجعل عقله اللاوعي المرتبط بالأحلام محطماً ويتهاوى باستمرار. ونرى في عدة مشاهد في الفيلم حوارات نستدل منها عدم قدرة ناصر بتحمل مسؤولية تصرفاته، وكونه شخصاً يحتاج إلى الانقياد دائماً من قبل أشخاص آخرين، ويسهل زرع شتى الأفكار في ذهنه وجعله يؤمن بها.

خروج عن المألوف للعناصر التصويرية والإخراجية في فيلم أغنية الغراب

ومن أهم عناصر الأفلام التجريبية بلا شك هي العناصر الإخراجية المميزة، ولم يخلُ هذا الفيلم من العناصر التصويرية المميزة والمشاهد الصامتة والأساليب التعبيرية المتعددة غير المعتادة في السينما السعودية، مما جعله فيلماً يجعلك تطرح الأسئلة طوال مشاهدتك له. بالإضافة إلى بناء علاقة ما بين البطل وبيئته وما يدور حولها، علاقته بالشعر والحمام والغراب والأغنية والمسرح والفن.

غلبة الطابع الرمزي والغموض في فيلم أغنية الغراب

والمسرح هو الرمزية التي أخذت الجانب الأعمق في هذا الفيلم، إذ كانت المحرك الخفي لباقي أسرار رحلتنا مع ناصر ودخوله لمسرحية أبطالها العجوز الغامض، والذي يرمز للموت، والفتاة التي تمثل حلم ناصر، والتي ترمز إلى البداية التي يريد أن يحصل عليها. وكيف في نهاية هذه المسرحية قد يكون متحرراً من قيده الأكبر و يحصل على بدايته التي رسمها بنفسه.

قد يكون انبثاق سير أحداث الفيلم من مزيج الحلم مع الواقع من كونه ناشئاً من أوهام نابعة من مرضه، هي ما قد يجعل الفيلم يواجه انتقادات في بعض جوانبه، كون أن الأفلام الغرائبية دائماً تكون أبعد قليلاً عن السطح والإفصاح المباشر لماهيتها، وهذا الجانب قد افتقد بشكل كبير في هذا الفيلم، إذ كان مباشراً للغاية في رمزياته في عديد من الأوقات، وهذا يتضاد بلا شك مع التكوينة الأساسية لهذا الأسلوب مع الأعمال، فالأحلام هي عالم يتوسط المعنى واللامعنى، والسريالية هي عالم يتوسط الواقع واللاواقع، والأحلام هي أساس السريالية، فلابد أن تحظى بجزء من الغموض الذي لا يستدعي وحسب طرح الأسئلة، بل السعي وراء إيجاد الأجوبة أيضاً.

سيكون للسينما السعودية طابعها ولحنها الخاص 

وبلا شك دائماً التجارب الأولى في سينما أي ثقافة، والتجارب الأولى لأي مخرج عموماً لا تكون ناضجة كلياً كما هو الحال أيضاً مع السينما الفرنسية منبع السريالية، وأيضاً مع المخرج الراحل لويس بونويل وفيلمه الروائي الأول “العصر الذهبي”. وهذا ما سوف يجعلني بلا شك أترقب أعمال المخرج محمد السليمان والسينما السعودية عموماً عن كثب بعد هذا الفيلم.

أهم ما في الفيلم، هو بناء لحن خاص به من افتتاحية الفيلم إلى مشهد الخاتمة، وهذا بلا شك سوف يجعل أفلام المخرج ذات طابع خاص يمتاز به. برغم كونه يستعير بعض الطباع من أفلام ومخرجين آخرين مثل المخرج القدير يورغوس لانثيموس وطبيعة أفلامه الغرائبية والتي يستعير فيها دائما رموزا تشير إلى الحيوانات، وأيضا مخرجين آخرين مثل الأخوين كوين. لكن على الرغم من استعاراته، بالتأكيد طابع الكوميديا السوداء لديه قد يصبح مميزا للغاية ومنفردا به. ويصبح لديه لحن تميزه آذان المستمع في كل حين.

فيديو مقال السينما التجريبية في السعودية