بقلم: عبد العزيز المصطفى

كسب القلوب (محمد عصام محو أنموذجًا)

أولًا – تمهيدٌ:

بدايةً لا بدّ لي من التمهيد لمقالتي بقصةٍ من تاريخنا المجيد؛ فلقد سأل (الوليدُ بنُ عبد الملك) أباه قائلًا: ما السياسة يا أبتِ؟ قال له: هيبةُ الخاصةِ مع صدق مودَّتِها، واقتياد قلوبِ العامة بالإنصافِ لها، واحتمالُ هفواتِ الصنائع. وفي تراثنا الأدبي والدّيني الكثيرُ من الحِكم والأقوالِ، التي تدلّ على أهمية الكلمة في معاملاتنا مع الآخرين، فكم من كلمةٍ، وربُما لفتةٍ من دون كلمة، فعلت فينا كفعلِ النّار في الهشيم. وفي هذا الصدد نستذكر قصة (كعب بن مالكٍ) حين تاب الله عليه، فدخل المسجد مستبشرًا، فقام إليه (طلحة بن عبيد الله) واحتضنه، يقول (مالك): “والله لا أنساها لطلحة أبدًا”. نجد كذلك في القرآن الكريم قوله تعالى: (ألَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَآءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).

ثانيًا- محمد عصام محو ووسائل التواصل:

من هنا ألجُ إلى موضوعنا؛ إذ وقفت وبحثت مطولًا في صفحة (الفيس بوك) الخاصّة بالدكتور (محمد عصام محو) حفظه الله، ورأيتُ إنجازاته بشتى الميادين، وأخرها تكريمه بجائزة “جمعية الإمارات للإبداع” في المركز الأول عن فئة أفضل شخصية في مجال خدمة المجتمع (سفير التواصل الاجتماعي).

وبدون شكٍ ككثير ممن يتابع صفحته وكتاباته؛ وجدت العديد من الأمور التي تشدُّ، وتفتح الذهنَ على عددٍ من الأسئلة، حول الأسباب التي دفعت قرابة أربعمئةِ ألف متابعٍ جديد ينضمون لصفحة الرجل خلال العام المنصرم فقط. ويشدّك أكثر في التفكير والبحث عن الأسباب أنّ الرجل لا يقدم محتوىً فكاهيًا، ولا محتوىّ سوقيًا؛ فهو ملتزمٌ بنهج الفصحى في اللغة العربية، والالتزام في الأخلاق. وهذا بدون شكٍ يقودنا إلى القول: إنّ شريحة كبيرة من المتابعين هم من المثقفين.

ثالثًا- التواضع والقدوة:

وهنا بيت القصيد.. ما الذي يدفع هؤلاء الناس لمتابعة مثل هذه الأنماط من المنشورات وشخصياتها؟
أقطعُ جازمًا بأسبابٍ كثيرةٍ، ليس الوقت متاحًا للوقوف عليها، لكنني سأقف عند نقطة وسبب جوهريً بشخصية الرجل، وأظنُ أنّ كثيرين من المتابعين سيؤيدني فيها، وهي إنسانيّة الرجل وتواضعه، حبه، وشغفه لعمله، إخلاصه لمن يعمل معهم، ويقدم لهم.
فهو لم يضع نفسه في قصر الشهرة العاجي، ولم يغلق نوافذ قلبه وعقله لمن يستأذنه ويطلب منه، ولم، ولم.. هذا الشكل من القيم ورقيّ التعامل، يحمِّلُنا مسؤوليةً أخلاقية تجاه فِكْرِ الرجل وقيَمه، وهي أن نعمل جاهدين لتنمية فكرِ المتابعين لنا على صفحاتنا، فهم الباقون بآثارهم، ونحن الراحلون.. هم الباقون بقيمهم، وأولادنا وجيلنا القادم سيقرؤون عنهم.

أليس حريًا بنا أن نعقد العزم من اليوم لتنشئة عشراتٍ من أمثال (محمد عصام محو)؟! أليس حريًا بمنظمات المجتمع المدني التي تسعى للحفاظ على قيمنا وعاداتنا أن تجعل من أمثال هؤلاء الناس قدوة، يُؤخذ عنهم سماحةُ الطرح، ورقة في الكلمةِ، ومعاني الحب، وأساليب التدريب بشغف ومصداقية!

رابعًا- الخاتمة:

عودٌ على بدءٍ لأختم وأجزم أنّ الرجل لم يصل لما وصل إليه بذكاء متوقدٍ، ولا بعبقرية فذة، لكنه وصل لقمة السماءِ بتواضع جمٍ، وكلمةٍ جميلة، فأسر قلوب ملايينٍ من المتابعين والمحبين.. يبقى القول للشاعر المتنبي إذ يقولُ:
لا خَيلَ عِندَكَ تُهديها وَلا مالُ      فليُسعِدِ النُطقُ إِن لَم تُسعِدِ الحالُ

بقلم: عبد العزيز المصطفى

أضف تعليقك هنا
شارك
بقلم:

Recent Posts

جبريل عليه السلام

بقلم: رسل المعموري جبريل عليه السلام هو أقرب ملائكة الله إليه، وصديق النبي صل  الله… اقرأ المزيد

% واحد منذ

من فضلك كن نفسك فقط

أيها القارئ الكريم ظللنا لعقود طويلة ومنا من لا يزال يؤمن أو متأثر بثقافة المنظرة… اقرأ المزيد

% واحد منذ

تاريخ الديانة الحنيفية

بقلم: رسل المعموري ""وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا ۗ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا… اقرأ المزيد

% واحد منذ

كيف تحتوي المراهقة؟

ما هي صفات الابن المراهق؟ لسن المراهقة بدايةً بالتمهيد وهو عمر ما قبل سن المراهقة… اقرأ المزيد

% واحد منذ

بين قمم الأطلس وخضم الريف: شهادة امرأة حرة عن جمال وتنوع المغرب الأمازيغي

أنا فخورة بأنني أمازيغية مغربية، فاللغة الأمازيغية تحمل في طياتها عمق الإحساس وجمالية الطبيعة والثقافة… اقرأ المزيد

% واحد منذ

الدراما السورية..نهوض الفينيق!!

لطالما كان الوقوفُ على قدمين منتصبتَين، أو ربّما على قدمٍ واحدة، أو ربما النهوض بلا… اقرأ المزيد

% واحد منذ