السياسة بين الشعوذة والوهم

بقلم: الكاتب صلاح الشتيوي

إن علم السياسة هو كتابة وترتيب للأحداث مع تحليلها وتقييم نتائجها، وفي هذا العالم المتغير تستغل الأحداث بخبث ودهاء لإيصال رسائل مفبركة، تتناسب مع هدف معين وغاية تخدم المصالح الخاصة بأصحاب الحل والربط.

وهنا نجد أن بيع الوهم مرتبط بعلم السياسة، فعند وجود أزمة يبدأ البحث من طرف السياسي عن حلول مرتبطة ومؤثرة في النفس، من خلال طمأنة الناس بإشاعات توهمهم بما يريدون أن يروه وما يحبون سماعه، ويعتمدون لإنجاح ذلك على اختيار شخص دبلوماسي لا يغضب يحسن اختيار الكلمات والموضوع الذي يهتم له الناس، وله طريقة في الحوار وله مقدرة على بيع الوهم.

تعريف الوهم:

من الناحية اللغوية هو الظن الفاسد والخداع وكل ما هو مخالف للواقع، أما تعريفه: فهو إدراك الواقع على غير حقيقته، أما فلسفيا: فهو الخطأ في الإدراك في الحكم أو المحاكمة المنطقية بشرط أن يكون المخطئ قد خدعته المظاهر، حسب علم النفس توجد أوهام طبيعية وهناك أوهام مكتسبة.

تعد اللغة كنتاج فكري من أكبر مولدات الوهم، وأكبر وهم اعتقادنا أننا نعرف كل شيء. إن الرغبات والمخاوف من أكبر منتجي الوهم، فالوهم يرينا العالم كما نرغب نحن أن نراه، يقول الفيلسوف الفرنسي (غوستاف تييون):” الوهم منسوج من الرغبة والجهل”. الواهم يكون في وضع مزدوج، فهو من جهة ضحية وهمه ومن جهة أخرى متواطئ مع وهمه، لكونه يرفض التحرر منه.

الوهم الاجتماعي

هناك سياسة ممنهجة للتلاعب بالمعلومات وإيصالها للناس بطرق خبيثة، وهذا التلاعب لا يخدم المجتمع لا من الناحية الروحية ولا الفكرية ولا يمكن لهاته السياسة أن تخبى الكذب والنفاق، إن التغطية على إخفاق السلطة الحاكمة يبدأ بتكوين أوهام اجتماعية، ويتم ذلك عبر بث معلومات تغير وعي المجموعة الوطنية ككل فاتجاه ما تريده السلطة.

إن القدرة على خلق الأوهام هي عملية مصطنعة ونحن جميعا نعيش في عالم الأوهام والتلاعب، إلا أن الكثير من سياسينا يعيشون في الوهم ويبيعونه للشعب، إن المواطن يعيش في وضع تعيس والسياسي يبيع وهم سياسي وهو أخطر أنواع الوهم.

عندما يعتقدون أن وهمهم قد يتحقق في واقع لا يمت بصلة لما يتوهمون، فإنهم يوقعون الشعب فريسة الوهم السياسي القاتل، فعندما يقرر السياسيون ويعتقدون أن بإمكانهم تشكيل قوة تؤثر في القرارات السياسية حسب هواهم، دون معايشة الواقع الحقيقي ودون الأخذ بعين الاعتبار للأضرار التي يسببونها للشعب بسبب سياستهم الخاطئة والتي لا تخدم إلا أوهامهم.

إن عبثهم واستهتارهم بالشعب سيؤدي إلى انفجار المجتمع، فهل يعقل أن تلك المجموعة من الساسة لهم كامل الصلاحيات والقدرة والقوة لأن تستخف بعقول الناس بمخططات وهمية ووعود زائفة إلى هذا المدى. إن مخططاتهم ونظرياتهم أصبحت توصف بكل أوصاف الفشل والخيبة والتي تتغذى على جوع ملايين المواطنين.

التكنولوجيا وتكوين الأوهام

إن تكوين الأوهام والتلاعب بالشعوب يتم بالتلاعب بالتكنولوجيا ويعتبر الوهم والتلاعب بالتكنولوجيا للوصول إلى ذلك من الناحية السياسية والحقوقية أكثر إنسانية من قمع المعارضة وإلقائها في السجون، يعتبر التلاعب بالتكنولوجيا للإيهام وبث الوهم هو شكل خفي من الإكراه، والحقيقة أن التلاعب ينجح بواسطة تقنيات الوسائط المتخصصة التي سرعت بوصول المعلومة إلى أكثر مدى ممكن والتأثير على أكبر مجموعة من البشر.

لقد أصبحت تقنيات التلاعب بالمعلومات مشكل عالمي لسرعة انتشار المعلومة على نطاق واسع وبدون حدود.

وسائل الإعلام وبيع الأوهام

كما هو معروف عند الكل، أن وسائل الإعلام يمكن أن تؤثر في داخل الشخص وتعده لقبول الأوهام، باعتبار أن الإنسان ممتثل فطريا للتأثير الخارجي، إن وسائل الإعلام بتوجهها للناس، لها أهداف ومصالح تريد أن تحققها بطرق متلاعبة، وأن تقنيات المعالجة يساعد على الزيادة في التأثير على المشاهد، وبالتالي فإن التلاعب بنفوس الناس وعقولهم يكون أسهل لإدارة الوعي العام، وتغيير موقف المجتمع، ولكل فكرة أو مشكلة في المجتمع يمكن التعامل معها ببيع الوهم.

الشعوذة السياسية

أيها القارئ العزيز لا تستغرب إن قلت لك أن دجالو المشهد السياسي والذين انطلقوا في دجلهم منذ انطلاق الثورة المباركة وحتى الآن، فاقوا بأعمالهم ودجلهم أبرع المشعوذون و الدجالون التقليديون من قراء الكف والفنجان وأعمال السحر؛ فالدجالون التقليديون لم يطوروا من طرقهم القديمة، أما دجالو و مشعوذو السياسة الجدد فبدجلهم وشعوذتهم عرفوا وصعدوا للساحة السياسية.

هي وجوه وأسماء باتت تتداولها وسائل الاتصال وتنفخ فيها بشكل كبير وهي وجوه كانت غير معروفة بل نكرة لقد كانوا في الأنهج الخلفية بعيدين عن السياسة ومداخلها ومجرياتها والمشكل أنهم جعلوا من أنفسهم زعامات وقيادات لا يشق لهم غبار، وخطأهم أنهم لم يفعلوا كما فعل غيرهم من الذين بدؤوا النشاط السياسي تدريجيا، الذين قرأوا وتعلموا واستمعوا لفنون السياسة كثيرا حتى تكونوا على قواعد سياسية قوية عكس ما يقوم به الآن دجالو السياسة.

بقلم: الكاتب صلاح الشتيوي

 

أضف تعليقك هنا