اتنين X واحد

أراها في كثير وأخشاها كالموت وأبغض أن أراها كما أبغض أن أرى الظلام وإن كان الظلام عليّ أهونُ. يأبي الظلام أن نرى ولكن ما
كان له يومًا أن يشتتنا.. ما كان له أن يسحب أنظارنا إلى حيث ماشاء من الجهات بعدد ما شاء. وأقسى من الظلام علينا مد النظر في اتجاهين لا جامع لهما ، أقسى من الظلام أن نعيش مع شخص ذو شخصين وأقسى أن نكون هو .

والحق أننا لا نملك لهذا الشخص سوى الاتهام ، نتهمه بمرض الإذدواجية مثلا أو نتهمه بالنفاق أو ما إلى ذلك من الاتهامات التي لا تنفذ بدائلها ، ولكنه في كل الأحوال ضحية .. بغض النظر عن بغضي لذا الحال ولكني أدرك جيدا أنه ضحية ، وأين وجدت الضحية وجدت الجناية ولابد من إيجاد لها جانٍ.

من هو الجاني؟

والجاني إما أن يكون ماضٍ بغيض به من الألم ما لم نشعر به ولا يشعر بيه سواه ، وبه من الأخفاق والخذلان ما به ، وبه من الكسور والشروخ ما يأبي أن ينكشف ويسعى كل السعى للستر ، الستر الذي يلجأ إليه الضحية بدوره بأي شكل من الأشكال التي لا يدرك ماهيتها ولا يملك الخيار بينها ليجد نفسه في إحدى ناريْن، إما إظهار القوة في شخصه الضعيف أو بسلك سلوك بغيض ما كان يسلكه.

فالأولى

نجد شخصًا هشًا صلبا من الخارج ولا أحد يعلم ما داخله ولكنه بالضرورة لا يقدر على شيء ، تدمره قوته أكثر من أنها تحميه
كما كان يأمل ، يراه الناس قويا بالفعل ولكن ما جدوى رأي الناس ، ويرى نفسه قوية فيرفض الاستسلام للاعتراف بالفتور وتظل
جروحه مفتوحة لا يقدر على التآمها إن لم يكن يسعى لاتساعها . وهو في كل الأحيان يكذب ، يصبح ويضحي ويمسي يكذب ، ليس بالضرورة أنه كاذب ، بل هو اضطر نفسه للكذب ، يخشى أن يقول الحق فينكشف ما يسعي لإخفائه وتنال منه الحياة منالها ويتكرر ماضيه في حاضره.

والثانية

نجد شخصا لم نكن نأمل أن نجده ، تتغير السلوك ليتصرف كشخص لم نعرفه من قبل ، ماكان يفعل هذا وما كان ليعصي ربه
هكذا وما كان ليناقض شخصه بكل هذه المتناقضات. من هذا ؟ وماهذا الذي يجري ؟ لا أعلم من هذا ولكني أعلم أنه ليس بعاصٍ ولا بفاسد ، وإنما هو غير واعٍ لما يجرى. هو سلك طريقا ظنه مفرا من ماضيه وما كان يعلم أنه مازال غارقا في ماضيه تاركا له الزمام ليدير حياته. هو لا يدري كل هذا ، هو فقط ضحية ماضي بغيط اجتمع على شخص لم يقدرعلى تجاوزه وخشى أن تكون عدم المقدرة عيبا يعاب عليه فاتخذ من الجهل سبيلا.

وقد يكون الجاني مجتمع!

بيئة محيطة بشخص ما ، تستنكر وجوده وتحقر من صفاته وتهمش من اهتماماته وميوله وحتى مشاعره ، قد يجعل مجتمع من شخص “رؤوف”. إما أن يحب ما يحبه المجتمع ويهتم باهتماماته أو يكون مبغوضًا بينهم وكلنا نخشى أن نكون هكذا وكلنا نخشى ان نكون وحدنا .. لذا غالبا ما يفضل هذا الشخص الخضوع . كل هذه الأشياء تحدث ما وراء الستار ، لا أحد ينطق بكلمة واحدة ، وما كانت تلك الأحداث لتُعلن بالكلام ، إنها فقط تكون.

إذ فجأة ما يخضع الشخص بشخص غيره ويظل شخصه عالقا بداخله لأجل غير مسمى ، يُجبَر أن يحب من لا يحب بل ويجبر بأن يعطى مشاعر الحب لمن لا يريد أن يعطيها له . يعيش باهتمامات غير اهتماماته ، يُجبر أن يلغي شخصه ليكون مثلهم ، ولم يجب أن يكون مثلهم وقد خلقه الله شخصا لا نسخة من أحد ؟!

الانسان هو الجاني والمجني عليه

لم أجد إجابة على هذا السؤال .. ولكن كل ما أعرفه أنه في هذا الحال يصبح منافقًا وفي كل الأحوال هذا الشخص يكذبُ. وفي كل الأحوال هذا الشخص هو الجاني والمجني عليه.
ولنتفق أنه ما كان لأحد أبدا أن يعيش حياته كلها بشخص غيره حتي وإن كان هذا الشخص خياليًا ، سيخفق كثيرا ويظهر منه شخصه الحقيقي ، ويصبح للناس ماهو أقسى من الظلام ، من أنت ؟ أتحب هذا أم تكرهه ؟ كان رأيك هكذا كيف أصبح هكذا ؟ والكثير من الأشياء الذي تجعل آخرين يرونه منشورا ضوئيا يخرج منه ألوانا مختفة تسير في اتجاهات مختلفة لا أحد يعلم مساره الحقيقي.

وبالفعل لا أحد يقبل التعامل مع هذا الحال، يتمنون لو لم يعرفونه من البداية. كلنا نكره من له رأيين ، لا أحد فينا يفكر ولو للحظة إن كان مريضا أو لا ، ولا أحد يبحث عن مبرر لنفاقه وكذبه وظهوره بشخصين في حياته.. لا أحد سيجري وراء السبب ، كلهم سيذهبون، وسيبقى وحده بشخصيه لإنه اختاريرضي بعضا أو يكرر بعضًا، أغضب نفسه والكثير.
خلقه الله وذاته ، يحب ما يحب ومن يحب ويكره ما يكره ويهتم بما بهتم ، خلقه الله إنسانا ولم يخلقه طيرا أو جمادًا ، أعطاه الله عقلا ليفكر وأعطاه قلبا ليشعر وبهما معا يدير حياته.

لماذا يمنح حياته لمدمريها ؟

يمنح حياته لماضٍ أظنه قد ماتت وإن تبقت منه رمادًا أظنه بإذن الله نافذًا ، أو يمنح حياته لأناس خُلِقوا كخلقه لا شيء لهم فضل به عليه، يضطرونه للكذب وماكان كاذبًا ويضطرونه لقتل شخصه للأبد أو لأبد كونه معهم.
أظن لا شيئًا في الحياة من حقه أن يجبر أحدًا بأن يحيا حياة غير حياته ، لا شيء يجبر على النفاق أو على الكذب سوى الضعف . وما أظن ضعيفا سوى من يرى في نفسه الضعف ويظنه يقدر على الحياة بغيرها.
طالما ما زال في العمر بقية فليحيا كل إنسان بذاته ، لا داعي للنسخ ولا داعي للوجوه الكاذبة ، لا شيء في الحياة يستحق أن تموت حيًا، طالما لابد أن تعيش ، فلتعش بنفسك ولنفسك أولا.

فيديو مقال اتنين X واحد

 

أضف تعليقك هنا