يرى الفيلسوف اليوناني الشهير أرسطو، بأن الإنسان كائن اجتماعي، وقد ذهب الفيلسوف وعالم الاجتماع العربي العلامة ابن خلدون، إلى نفس المذهب الأرسطي وأضاف عليه، بإن الإنسان اجتماعي بطبعه، وهذا يعني أن الإنسان فطر على العيش مع الجماعة والتعامل مع الآخرين، فهو لا يستطيع العيش وحيداً بمعزل عنهم، مهما توفرت له سبل الراحة والرفاهية. والإنسان يعيش ويتعايش مع أبناء جنسه وينتج عن هذا التعايش تبادل في الآراء والأفكار والثقافات … في العادات والمعتقدات …فيكتسب منهم ويكتسبون منه .. وبذلك تتكون شخصيته التي هي عبارة عن مزيج من الخبرات و المهارات المتنوعة الاجتماعية – الثقافية – الإنسانية – العلمية والعملية في آن معاً.
ومن هنا تبرز أهمية مهارات الحياة بوصفها حاجة إنسانية ملحة تساعد الناس على الفهم والتمييز والتواصل والتقييم والتكيف كما تساعد على اتِّخاذ القرارات التي تخدمهم بشكلٍ أفضل في حياتهم اليومية وواقعهم المعاش.
فما هي مهارات الحياة ؟ وما هي أهميتها؟ وما هي أنواعها؟ وكيف نعزز وجودها في واقعنا؟
تعرف المهارات الحياتية( بالانجليزية life skills): بأنها سلوكيات تستخدم بمسؤولية وعلى نحو ملائم في إدارة الشؤون الشخصية. وهي مجموعة من المهارات البشرية التي تكتسب عبر التعلم أو التجربة المباشرة التي تستخدم للتعامل مع المشكلات والأسئلة التي تواجه عادة حياة الإنسان اليومية. ويختلف تصنيف المهارات اعتماداً على المعايير الاجتماعية وتوقعات المجتمع والصفات الشخصية للمتعلمين من حيث العمر والجنس ومستوى التعليم والمهارات التي يتقنها الفرد عن غيره ، ومستوى الاستيعاب لكل منهم.
وقد عرفت منظمة الصحة العالمية المهارات الحياتية بأنها القدرات التي تمكن الأفراد من القيام بسلوك تكيفي وإيجابي يجعلهم قادرين على التعامل مع الحياة اليومية وتحدياتها. حيث أنها بالغة الأهمية لمواجهة المواقف المختلفة، بشكل إيجابي للمشاركة في العالم الحديث الممتلئ بالتحديات الجديدة. ويكون ذلك عبر تعزيز السلوكيات الشخصية الإيجابية والتكيف الاجتماعي والمواطنة والموقف الإيجابي في العمل . أو هي” المهارات الشخصية والاجتماعية التي يحتاجها الشباب كي يتعاملوا بثقة وكفاءة مع أنفسهم أو مع الناس الآخرين ومع المجتمع المحلي
ويمكن تعريفها أيضاً بأنها مجموعة من السلوكيّات والمهارات الشخصيّة التي تلزم كلّ فرد؛ ليتعامل مع المجتمع بثقةٍ أكبر، وبقدرةٍ عاليةٍ على اتّخاذ القرارات المهمّة في حياته، والأنسب له على جميع المستويات الشخصيّة والاجتماعيّة، والجنسيّة، والعمل على تطوير الذات؛ من أجل التعامل مع الآخرين بإيجابيةٍ وتفادي الوقوع في الأزمات، والتغلّب عليها عند حدوثها.
وعَرّفت منظّمة الأمم المتّحدة للطفولة المهارات الحياتيّة بأنّها مجموعة من المهارات النفسيّة والشخصيّة التي تُساعد الأشخاص على اتخاذ قراراتٍ مدروسةٍ بعنايةٍ، والتواصل بفعاليّة مع الآخرين، وتنمية مهارات التأقلم مع الظروف المحيطةِ، وإدارة الذات التي تؤدي إلى التقدّم والنجاح.
تظهر أهمية المهارات الحياتيه فى أنها مهارات لاغنى للناس جميعاً عنها حيث تساعدهم على التفاعل مع محيطهم وبيئتهم الطبيعية والاجتماعية وكل ما يحيط بهم فى حياتهم دون الشعور بالخجل أو الخوف من مواجهة الآخرين وكذلك التدريب على ما هو متوقع ممارسته من أدوار خلال حياتهم المستقبليه.
وتكمن أهمية وجود المهارات الحياتية أيضاً في حياة الفرد في زيادة قدرته على التكيّف مع كافّة الظروف، وتسهم في نهضة المجتمعات وازدهارها، وبالتالي فأن وجود هذه المهارات تساعد على النجاح في كافة مناحي الحياة. وبالمقابل يفشل الكثيرون في حياتهم الوظيفية والشخصيّة؛ بسبب غياب هذه المهارات لديهم. وتكمن أهمية مهارات الحياة في حياة الإنسان المتعلم لها بأنها:
أشارت منظمة (اليونيسف) للطفولة إلى أنه ليس هناك قائمة نهائية للمهارات النفسية الاجتماعية والحياتية. مع ذلك، ورد في دليل منظمة الأمم المتحدة للطفولة الكثير من المهارات النفسية الاجتماعية ومهارة القدرة ومهارات الحياة التي على الآخرين اتقانها والتي تعتبر مهمة بشكل عام. وتستخدم العديد من المهارات مع الممارسة في وقت واحد.
وبحسب تصنيف منظمة اليونيسف فقد تم تقسيم مهارات الحياة إلى أربعة أقسام ينبثق عن كل منها عدة مهارات:
وكما أسلفنا سابقاً لا توجد قائمة محددة لمهارات الحياة. أما القائمة أدناه فتشتمل على المهارات النفسية الاجتماعية ومهارات العلاقات بين الأشخاص التي تعتبر مهمة بشكل عام. وسوف يتباين اختيار المهارات المختلفة، والتركيز عليها، وفقاً للموضوع وللظروف المحلية (على سبيل المثال، فإن مهارة صُنع القرار يُحتمل أن تبرُز بقوة في موضوع الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب/إيدز، في حين أن مهارة إدارة النزاعات يُمكن أن تكون أكثر بروزاً في برنامج لثقافة السلام). ومع أن القائمة توحي بأن هذه الفئات متميِّزة بعضها عن الآخر، فإن العديد من المهارات يُستخدم في آنٍ واحدٍ معاً أثناء التطبيق العملي. على سبيل المثال، فإن مهارة صنع القرار غالباً ما تتضمن مهارة التفكير الناقد (“ما هي خياراتي؟”) ومهارة توضيح القيم (“ما هو الشيء المهم بالنسبة لي؟”). وفي نهاية المطاف، فإن التفاعل بين المهارات هو الذي يُنتج المُخرجات السلوكية القوية، ولا سيما عندما يكون هذا النهج مدعوماً باستراتيجيات أُخرى مثل وسائل الإعلام، والسياسات والخدمات الصحية. وهذه المهارات _ وبتقسيم أكثر تنوعاً وتفصيلاً _ تصبح على الشكل الآتي:
يمكننا تقسيم مراحل تعزيز المهارات الحياتية إلى ثلاثة مراحل حسب المرحلة العمرية للإنسان وهي على الشكل الآتي:
(مرحلة الطفولة ماقبل المدرسة) حيث تبدأ عملية إكساب وتنمية المهارات الحياتية منذ الصغر أي منذ مراحل الطفولة الأولى، و تقع المسؤولية الأكبر في هذه المرحلة على عاتق الوالدين اللذين يجب عليهما تعريف الطفل بها، وتنميتها لديه بشكل عملي من خلال اللعب أو تمثيل الأدوار، أو من خلال حكاية قصة ذات مغزى، أو وضعه في مواقف ومشكلات تتطلب منه توظيف المهارات الحياتية، فيتدرب على استخدامها ليصل إلى إتقانها على أكمل وجه ممكن .
(مرحلة المدرسة): ثم تتولى هذه المهمة المدرسة من خلال المعلم الذي يغرس في طلابه المهارات الحياتية ويوضح لهم دورها في نجاح الفرد في حياته من خلال الاستراتيجيات والوسائل التعليمية التي يستخدمها في تدريسه، والبيئة التعليمية التي يهيئها للطلاب والتي تساعدهم في تنمية مهاراتهم الحياتية وتعزيزها لديهم. حيث أن المدارس العصرية ذات الإمكانات العالية تعمل على تزويد المتعلم بحزمة من المهارات التي تتكامل بمنهجية علمية لتساعد المتعلم على التعامل مع مواقف الحياة المختلفة.
(مرحلة النضج ما بعد التعليم المدرسي) فبعد اتمام الطالب للمراحل الدراسية يأتي دور الشخص نفسه في تنمية مهاراته الحياتيه من خلال التدريب والقراءة والممارسات العملية، وهذه المرحلة تستمر مدى الحياة وإلى آخر عمره.
س1 : هل يجب أن يمتلك كل إنسان جميع هذه المهارات ؟ أم يكفي امتلاك بعض هذه المهارات حسب حاجته في حياته اليومية والمهنية؟
س2 :هل هذه المهارات محددة أم هي مهارات قابلة للزيادة حسب متغيرات الزمن؟
س3: وما هي الوسائل الناجعة لتعلم هذه المهارات؟
نعتقد وبلا شك بأنه إذا اكتسبنا جميع هذه المهارات فهذا هو المطلوب والذي نطمح إليه، ولكن في الواقع قلما نجد أشخاص يمتلكون كل هذه المهارات في نفس الوقت، وإنما هناك من يبرع في بعضها دون البعض الآخر، وذلك حسب البيئة وطبيعة الشخص والحاجة العملية لهذه المهارة أو تلك بالنسبة للشخص نفسه. والمهارات الحياتية غير محدودة وقد تزيد بحسب حاجات العصر وتغيراته وإن كان المهارات الأساسية مطلوبة في كل زمان ومكان ، ولكن التطورات السريعة والمتلاحقة أفرز مهارات جديدة تحتاج منا إلى امتلاكها والتسلح بها. ولعل من أنجع الوسائل لامتلاك مهارات الحياة هو الممارسة والتكرار ويفضل استخدامها في إطار تعليمي تدريبي يجمع بين النظري والعملي بين القراءة والممارسة لأن الغاية من المهارة في نهاية المطاف هو تطبيقها كسلوك على أرض الواقع.
إن اكتساب المهارات وتطورها يكون من خلال التدرب عليها في أرض الواقع من خلال الفعل والتجربة في ظروف مشابهة أو واقعية طبيعية. وذلك لأن إتقان المهارات لا يقف عند حدود المعرفة النظرية، بل يتأتى من خلال الفعل والتكرار والممارسة.
إن اعتماد نهج المهارات الحياتية باعتباره منهجية تفاعلية وتعليمية تركز على نقل المعرفة وتشكل الاتجاهات وتطور مهارات التعامل مع الآخرين يساهم في تعزيز قدرة الأطفال والشباب على تحمل مسئولية اتخاذ خيارات صحية، ومقاومة الضغوط السلبية، وتجنب السلوكيات المحفوفة بالمخاطر، خصوصًا مع الاستخدام المتزايد بسرعة لتكنولوجيا المعلومات وأدوات الاتصال.
ومما سبق يتضح لنا بأن المهارات الحياتية تعتبر حاجة ملحة لجميع الأفراد في عصرنا الراهن هذا العصر الذي يتسم بصعوبة التحديات التي تواجه الفرد في حياته اليومية، فالمهارات الحياتية تساعد الإنسان على الوعي بذاته والتعبير عنها، وكذلك في التفاعل مع الآخرين بشكل إيجابي وفعال، فهي تجعل الإنسان متوافقاً مع ذاته ومع مجتمعه ومتكيفاً مع تغيرات الواقع وتساعد في حل المشكلات والتحديات المختلفة التي يواجهها في واقعه بذكاء وحكمة وبطريقة عملية واقعية ملموسة.
المصادر والمراجع:
1:ابن خلدون، المقدمة، الجزء الأول، المطبعة الأدبية، بيروت، 1879 م.
2: ديفيد بيكر، دليل مهارات الحياة الاساسية، ناشرون جبل عمان ، عمان، 2013م.
3: مهارات أساسية لليافعين في أوضاع حياتية مختلفة – اليونيسيف ،2017م.
4: موقع كنانة أون لاين، أهمية المهارات الحياتية، 2012م.
5: موقع منظمة اليونسيف، ماهي مهارات الحياة، 2018م.
6: المنظمة الدولية للشباب، كتيب ودليل تعزيز المهارات الحياتية لدى الشباب، 2018م.
بقلم: رسل المعموري جبريل عليه السلام هو أقرب ملائكة الله إليه، وصديق النبي صل الله… اقرأ المزيد
أيها القارئ الكريم ظللنا لعقود طويلة ومنا من لا يزال يؤمن أو متأثر بثقافة المنظرة… اقرأ المزيد
بقلم: رسل المعموري ""وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا ۗ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا… اقرأ المزيد
ما هي صفات الابن المراهق؟ لسن المراهقة بدايةً بالتمهيد وهو عمر ما قبل سن المراهقة… اقرأ المزيد
أنا فخورة بأنني أمازيغية مغربية، فاللغة الأمازيغية تحمل في طياتها عمق الإحساس وجمالية الطبيعة والثقافة… اقرأ المزيد
لطالما كان الوقوفُ على قدمين منتصبتَين، أو ربّما على قدمٍ واحدة، أو ربما النهوض بلا… اقرأ المزيد