دفاعاً عن الروح

الروح في حياة الإنسان

لعل دافع حديثي هنا عن قيمة وأهمية الروح في حياة الإنسان ما استشعرته في العصر الحالي من انكباب الإنسان نحو السقوط إلي وحل العبثية واللامبالاة التي فرضتها الحياة المادية، وبالرغم من أن الحياة الروحية قديما كانت المعين الألطف والأقوى لاتجاه الإنسان نحو تطور العلوم وتحقيق ماديته التي نراها الآن، إلا أننا نري الكثير من المنكرين لفضلها وقد تعالت أصواتهم نحو ضرورة الفصل بين الحياة المادية والروحية، بل والمغالاة أحيانا في اعتبارهما خصمين يجب علي أحدهما التخلص من الأخر.

الفصل بين العقل والجسد

إن هؤلاء المنكرين يستندون في معارضتهم للروح إلي ضرورة الفصل بين الجسد وتابعه العقل من جهة وبين الروح من جهة أخري متفقين بأن الجسد وعقله كافيين تماما لمواجهة الطبيعة وتفسير جميع قضايا الحياة الإنسانية. وهذا ليس بالأمر الغريب فهم علي اعتقاد دائم بأن الأفكار الناجحة هي التي ولدت من نتائج التجربة المادية التي مارسها الإنسان بنفسه وحصل من خلالها علي منفعة حياتية حتمية.

المادة والروح

بداية إني أعترض علي هؤلاء المنكرين أن تكون هناك قطيعة دائمة بين المادة والروح. إن الثوب الذي يتزين به الإنسان عندما نراه ندرك أن وجوده يتحقق في لمسة قماشته ثم اتجاهات قصته والأثر الفني في تفصيلته، وهكذا الإنسان جسد وعقل روح لا يمكننا بأي حال أن نفصل بينهم. إن الجسد الإنساني دائما في حاجة إلي شئ لطيف يحسن خشنته وينقي كثافته، بل ويتخطي سخافاته واضطراباته، لذلك إن الأولي بنا قولا: أن المادة والروح سير بحياة الإنسان نحو التكامل المحتمل بين العقل والإيمان.. العقل هو ميزة الإنسان وميزة التدبير للجسد أما الإيمان فهو ميزة الإنسان أيضا وميزة الإلهام للروح.

الجسد والروح

إن الروح باعتبارها كيان وجودي فاعل يتصل بالإنسان منذ ميلاده وإلي وفاته، وخلال اتصالها تكون الروح أسيرة الجسد لا دور لها مادامت لا تستطيع البصر إلي ما وراءه حتى يأتيها الإيمان فيلهمها. بالطبع لا يمكن أن نسمي كل مجال روحي إيمانا وإنما أقصد بالإيمان ذلك النشاط الروحي الايجابي الذي بواسطته يستطيع الإنسان صد مخاوفه والصعاب التي تواجهه سواء ما يتصل بجسده أو نفسه أو حتى ما حوله. وهذا الأمر من شأنه أن يحرر الجسد ويسمو بالنفس إلي مرتبة السكينة والراحة. إذن فالإيمان طاقة صافية تدفع الإنسان نحو الإخلاص والإصلاح في الحياة فيه نستشعر طعم الحياة وولوج الأمل إليها، كما أنه يجيب عن كثير من الأسئلة الصعبة التي تعجز المادة عن إجابتها.

السعادة

إن هدف الإنسان الأساسي في الحياة هو تحقيق السعادة لا لنفسه فقط بل لجميع البشر، وهنا تبدو قيمة الإيمان باعتباره محرك للإنسان نحو الريادة، فالإنسان يشعر بالسعادة إذا تواجد الإيمان مرتين الأولي: يشعر بها الإنسان عندما يلهمه الإيمان بأفكار جديدة لم يتوقعها ويستخدمها لحل مشكلة ما. والثانية يشعر بها عندما تحقق نواتج إيمانه سعادة الأخرين وهذا موقوف بأن يكون إيمانه منحازا نحو الخير.

الإيمان طريق النجاح

إنه لأمر بديهي أن نقول: إن الذين لا يؤمنون بأهداف أعمالهم لا يستطيعون النجاح فيها، ووفقا لهذا القول يجب علي الإنسان أن يسمح للإيمان بأن يجري في حياته ينمو وينضج وفق حدود حركته مع الجسد بالإضافة إلي آلية توجيه ومساندة العقل له، لذلك إن الذين يعتقدون بمحدودية العقل البشري أمام الكثير من القضايا هم أكثر إيمانا من المكابرين الذين يرفضون الاعتراف بمحدوديته إلي حد ما. وهؤلاء المكابرين الماديين سيعتقدون لبعض الوقت أن أفكارهم المادية قد حققت لهم نجاحات كثيرة وكبيرة إلا أنه وفي لحظة ما قادمة سوف يتوقفون ويصابون بجمود الفكر وخمول العقل. وفي النهاية سوف يتحسسون الطريق إلي الإيمان.

فيديو مقال دفاعا عن الروح

 

أضف تعليقك هنا