فايروس (كورونا) يدق جرس الإنذار

بقلم: الدكتورة سلام شمس الدين

ولد الإنسان خائفاً، أمه تبكي ألماً، وهو يبكي فزعاً من العالم الجديد الذي يدخله. ولكن عندما تحتضنه أمه، وترضعه يشعر بالأمان والرضى والاستقرار. وما نشهده اليوم على الساحة اللبنانية ما بين فعل الكورونا وفعل الإنتماء المعنوي لهويتنا الوطنية، أصبح يخجل الكثيرين منا بفعل مرضهم من هويتهم، أو بفعل ما ينصب عليهم وعلى ذويهم من اتهامات وتجريح من قبل الآخرين.

انعدام ثقة المواطن بدولته وبمؤسساتها المختلفة

ناهيك عن انعدام ثقة المواطن بدولته وبمؤسساتها المختلفة، سيما المؤسسات ذات العلاقة وعلى رأسها وزارة الصحة اليوم، مما يزيد تخوفهم من عدوى الفيروس وميكروبات الأفكار الهدامة والتخريبية التي يتم تداولها عبر وسائل الإعلام المختلفة وخاصة الإعلام الجديد المتمثل بوسائل التواصل الإجتماعي.

نحن أمام وباء عالمي ليس حكراً على دولة أو أخرى

ولكي لا نلق اللوم على أحد هنا أو هناك، يجب علينا أن نعترف جميعاً، بأننا اليوم أمام وباء عالمي، عابر للقارات، ليس حكراً على دولة دون أخرى، وكل فرد منا في هذه الدولة أو تلك مسؤولا عن تصرفاته وأفكاره وحتى ردود أفعاله، وهو المسؤول الأول عن حماية نفسه وحماية المحيطين به أو تدميرهم بأفكاره الهدامة والبائسة. ونتساءل نحن هنا – كمثقفين ومتخصصين- هل هناك حاجة لمنهجية خاصة في التعاطي مع أنفسنا ومع الآخرين في ظل هذا الوباء العالمي؟ وماذا عن الخوف والتوترالعصبي والقلق؟ وما هي علاقتها بالصحة النفسية والصحة الجسمية؟!

هذا الوباء يهدد صحة الإنسان

يتفق المتخصصون على أن هذا الوباء العالمي، وباءً يهدد صحة الإنسان كما الأوبئة الأخرى المعروفة، ولكن أخطر ما فيه، أن نقبع – جميعاً – فريسة للخوف والضغط العصبي والقلق، الذي قد يؤدي بنا الى الوقوع بامراض نفسية وجسمية قد لا تحمد عقباها.

أصبح مرهقاً ومؤذياً، يؤثر على الصحة والمزاج العام

ولا ننكر هنا بأن الخوف هو رد فعل طبيعي للتعامل مع الخطر، وشعورنا بالتوتر والضغط والقلق يعتبر حالة انفعالية مركبة غير سارة تمثل مزيجاً من مشاعر الخوف المستمر والفزع والرعب والانقباض والهم نتيجة توقع شر وشيك، أو الاحساس بالخطر والتهديد من شيء ما مبهم وغامض، يعجز المرء عن تبينه او تحديده على نحو موضوعي، الا أنه إذا تخطى حدوده الطبيعية أصبح مرهقاً ومؤذياً، يؤثر على الصحة والمزاج العام والعلاقة بالآخرين وعلى جودة الحياة ككل.

“التوعية النفسية” ضرورة حياتية

ففي ظل تلك الراحة القلقة لدى العديد من الأفراد بفعل فايروس كورونا ، تعد “التوعية النفسية” ضرورة حياتية ليس فقط على مستوى الأزمة الصحية والتخوف من المرض بل هي ضرورية لمواجهة كل الأزمات الحياتية التي تعترضنا.

ففي ظل المؤثرات النفسية التي نعيشها اليوم جراء الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وصولاً الى انعدام الأمن المهني والأمن الصحي .. الخ، الأمر الذي يضع الفرد في دائرة الضغوط النفسية وما يترتب عليها من تدهور في الحالة الصحية الجسمية.

العلاقة بين الضغط النفسي والصحة الجسدية علاقة متبادلة التأثير

فالعلاقة هنا بين الضغط النفسي والصحة الجسدية علاقة متبادلة التأثير، فكلما زاد الضغط النفسي على الفرد انخفضت الصحة العامة لديه وتراجعت وتدهورت، بينما انخفاض الضغط النفسي يترتب عليه الحصول على صحة جيدة.  ويعود سبب ذلك الى التغيرات الفيزيولوجية في الجسم، فأي تاثير نفسي يكون أشبه بجرس انذار يترتب عليه ردود فعل في معظم انحاء الجسم. وهذه التغيرات التي تطرأ نتيجة الحالة النفسية التي يمر بها الفرد يسميها البعض استجابات التهيؤ، والتي تتفاوت حدتها وشدتها من فرد لاخر، تبعا للمناعة النفسية لديه.

الجهاز العصبي يسيطر على جميع أعضاء وأجهزة الإنسان الداخلية

وتفيد الدراسات الطبية : أن الجهاز العصبي يسيطر على جميع أعضاء وأجهزة الإنسان الداخلية، ومهما كانت المؤثرات النفسية المختلفة بسيطة في ظاهرها، لها تأثير كبير بالمقابل على وظائف جسم الإنسان ككل، وعلى افرازات غدده الداخلية، فعند الشعور بالخوف والقلق المستمرين، تتدهور تدريجياً صحتنا النفسية ويتعرض جسمنا لأمراض مختلفة بفعل تراجع وتدهور عمل الجهاز المناعي للجسم، حيث إن جهاز المناعة ينخفض تركيزه عند التعرض للضغط النفسي, مما يزيد احتمالية الإصابة بالمرض.

من بين تلك الأمراض” الأمراض السرطانية والقلب وضيق الشرايين”

ومن بين تلك الأمراض مثلاً: ” الأمراض السرطانية، أمراض القلب، ضيق الشرايين، أوجاع في المفاصل، أوجاع في الرقبة، أوجاع الظهر، آلام في المعدة، الصداع النصفي، ارتفاع الضغط وتغير لون الجلد..الخ. ناهيك عن أن الخوف من المجهول وترقّب الخطر وتوقعه سرعان ما يتحول إلى مظهر تأزم وبؤر قلق ومولد للانفعالية اللاعقلانية ومهلك للفكر ومولد للكآبة ومهدم للسعادة وقاتل للرجاء والأمل وعائق للتوازن النفسي.

من هنا تأتي أهمية الصحة النفسية للأفراد

من هنا تأتي أهمية الصحة النفسية للأفراد والتي تتحقق حين يتمكن الشخص من الوقوف على قدميه، وتحمل مسؤولية مصيره، ويتمكن من عيش رغباته ومشاعره في حالة من اللقاء مع الذات الواعية القادرةعلى مواجهة تحديات الحياة وتخطي العقبات بفعالية وثبات. وفي غمرة تعقيدات الوضع الراهن غيرالعادي، والفيروس العالمي الذي أرخى بظلاله على توازنات حياتنا اليومية، وجعلها مشحونة بالتوتر والضغوطات التي لم تكن بالحسبان وسريعة الايقاع.

ينبغي علينا إعادة برمجة لطرائق تفكيرنا بعيدا ًعن القلق

ينبغي علينا إعادة برمجة لطرائق تفكيرنا بعيدا ًعن القلق، وتغيير أنماط سلوكياتنا ومواجهته بالوعي والحكمة والهدوء، والابتعاد عن كل مصادر الخطر، والوقاية منه باتباع إرشادات منظمة الصحة العالمية وارشادات وزارة الصحة المحلية، والعيش مع ما لا يعاش، دون ذعر أوهلع أو تشنج، والتحكم بعواطفنا وانفعالاتنا وتعزيز طرق التفكير الوقائية والإيجابية لدينا بعيداً عن المنغصات، وألا نسقط في شر الوسواس الخناس، وألا نستسلم، وإلا مصيرنا التهلكة.

كيف نتعامل مع هذا المرض؟

إن التعامل مع هذا الفيروس الوبائي، يكون بالتصدي له انطلاقاً من المسؤولية الفردية، إلى المسؤولية المجتمعية إلى مسؤولية الدولة. فإدارة الأزمة الحالية والتصدي لها يكون وفق خطط ومواقف شفافة ومعلن عنها، ووفق منهج علمي يعتمد على طمأنة الناس، وتوعيتهم بعيداً عن الخوف الهستيري حتى نتمكن من تجاوز هذه المحنة، التي تلقي بظلالها علينا.

ولا يسعني هنا، إلا أن أدعو الله: أن يجنب الانسانية جمعاء كل ما يعيق تقدمها وازدهارها ونموها، وأن يجنب بلدنا – لبنان – كل شر، و أن يمدد شعبها العظيم بالرخاء والنماء والتقدم.

بقلم: الدكتورة سلام شمس الدين

أضف تعليقك هنا