“كورونا” تعري العالم

بقلم: سليمان الصوصي العلوي

من المرات النادرة التي يشترك العالم في معضلة جمة، قوضت كل أشكال الحياة الطبيعية، وهددت الانسانية جمعاء. العالم يئن تحت وطأة وباء كورونا الذي لقن البشرية، ولا زال، دروسا قاسية، واختبر قدراتها ومؤشرات تقدمها ، حتى غدت  معه كل الدول تعبر عن افتقادها إلى ما يكفي من المؤهلات لمجابهته .

وإذا كان هذا الوباء قد قيم بما يكفي أحوال البشرية، فقد صدح كل مجتمع- دولة بما ينضح به واقعه . وميز بين المجتمعات  التي تستند إلى العلم والمعرفة في مجابهة هذا الوباء وتفسيره ، والمجتمعات التي لا تزال غارقة في مطبات الجهل والتخلف في شتى الجوانب (ثقافية ، علمية ، اجتماعية……).

تفسير أسباب الظهور لوباء كورونا

ظهر الوباء في الصين مثيرا عديد الأسئلة حول اسباب ظهوره ومخاطره . غير أن الذي يثير الاستغراب ، والأسف في الأن نفسه ، هي تلك الأصوات التي تعالت لتروج لخرافاتها ، بحيث ربطوا ظهور الوباء بما أسموه ” عقابا الاهيا ” للشعب الصيني ، معتبرين أنه تمادى في عصيانه للإرادة الالهية ( أكل المحرمات، الاعتداء والتضييق على الأقليات المسلمة ….).

ثم فوجئوا بانتقاله إلى مختلف أقطار العالم ، ليعمموا تفسيرهم فضموا باقي شعوب العالم الى الشعب الصيني في ارتكاب الخطيئة . وبالتالي فالبشرية في رأيهم مطالبة بالتوبة والعودة الى طريق الله . ومن حسن حظنا أن أولئك المهتمين بالتصدي لهذا الوباء لا يلتفتون إلى هاته الأصوات ، بل هم منكبون على تحديد وتنزيل الإجراءات اللازمة في أفق أن يجد العلم تفسيرا شافيا وبالتالي دواء ملائما وناجعا ، ينقد البشرية من جرثوم يكاد لا يرى لكنه قادر على تركيع العالم.

الإجراءات الاحترازية التي يجب اتباعها ودروسها

ولغرض مجابهة هذا الوباء ، اقدمت الدول على حزمة من الإجراءات العملية ، كحث الأفراد او إلزامهم بحجر انفسهم في منازلهم ، وتجنب الاتصال المباشر فيما بينهم تفاديا لانتقال العدوى ، ثم عبئوا قدرات منظوماتهم الصحية . غير أن بعض الدول تواجه صعوبات جمة في عدم التزام مجتمعاتها بالتعليمات ، ولعل ذلك مرتبط ، ي تقديرنا ، بتدني الوعي الجمعي وافتقاد الافراد الى مسؤولية السلوك المدني.

وهي ثقافة كان يفترض أن تعمل الدول على استتبابها  في مجتمعاتها باعتماد مختلف الوسائل والآليات المتاحة لها (المدرسة ، الاعلام…….)، غير أنها لم تكن تولي الأمر أهمية ، ثم أن عجز المجال الصحي فضح السياسات المتعاقبة التي لم تكن توليه القدر الكافي من الاهتمام.

وإجمالا، فإننا أمام وضع كشف وعرى مستوى القطاعات  ذات الصلة بالبحث العلمي (الصحة)  ، وكذا المجالات المرتبطة بتكوين وبناء الانسان (التعليم). وهي قطاعات ظلت طيلة أمد طويل مهمشة ، ظهرت اليوم حاجتنا الملحة لها.

علينا الاستفادة من التجربة الصينية في مكافحة الكورونا

في حين أن الصين التي كانت بؤرة للوباء ، كشفت بغير تخطيط مسبق ، فيما نرى ، عن قدراتها الخارقة التي اندهش لها العالم ، بحيث حاصرت الوباء بما امتلكت من كفاءات ومؤهلات طبية وعلمية متطورة ، وهي ثمار نضجت بعد عقود من العمل المضني والجاد ، ثم بسلوك شعبها والتزامه . وكلها مؤشرات تدل على أن الصين لم تكن تعمل فقط على مجالها الاقتصادي الذي جابهت به العالم ، وانما كانت كذلك حريصة على العناية بالجوانب الاجتماعية  والإنسانية .

الدروس والعبر التي سنتعلمها في فترة انتشار وباء كورونا

مما لا شك فيه أن هذا الوباء سيغير نظرتنا وقناعاتنا حول العالم ، كما أن التوازنات العالمية قد تشهد أوضاعا وتقلبات جديدة . لكن أهم درس يمكن تلقيه والاحتفاظ به هو أن العالم سيظل دائما على شفرة حافة الانهيار ، حتى دون سابق انذار ، وأن أعمدة صموده هي العلم والإنسان ، فالأول مهمته البحث عن أجوبة وايجاد حلول ناجعة للمعضلات ، فيما يختص الثاني بحسن تدبير وتنظيم معالم عالمه ووجوده.

بقلم: سليمان الصوصي العلوي

أضف تعليقك هنا