سجين المستشفى الأسود 9

رفع برجلية فرفر جريدة يومية في قاعة الدرس لقراءتها في حصة القانون المدني، في وجه الأستاذة قرشين واشتغل على اطلاعها فجاء كما هو متوقع ، رد فعل قرشين سريعا بالطرد من قاعة الدرس مدعية أنّه لا يجوز فتح جريدة في قاعة الدرس في أي حال من الأحوال وهو يعتقد أن الأعداد الكارثية التي تسند في الامتحانات تكال بكل وحشية وانتقام من الطلبة المرسمين بالسنة الأولى، حتى إدارة الكلية تتلقى التعليمات من أتباع المهدي الدكتاتور وتتبع سياسة التقشف في إسناد الإجازات في العلوم القانونية.

معاناة “برجيلة فرفر” مع فساد الطاقم التربوي الإداري للكلية

وكان الأساتذة يطاردون برجلية فرفر في جميع أنحاء الكلية، حتى أنه تم التقاطه بواسطة كاميرا على بعد عشرين متر من فوق مدرس الدخول إلى قاعة الامتحانات، والحال أن برجلية فرفر لا يظهر بمظهر لائق يليق بكلية برجوازية تكن عداوة وتحقد على أهالي الجنوب والطبقة الفقيرة  المتكاثرة في المجتمع التونسي،، وفي نهاية المطاف وقع التعرض له من أمن الكلية، والدخول معه في سين وجين، وكأنه غير مرسم بالكية، وكأنه كائن غريب. يقع التعرف عليه لأول مرة بعد مرور سنة ونصف على دخوله لأول مرة للكية.

لكن فكرة مغادرة الكلية كانت في طريقها ، ولا شيء يوحي بالانسجام مع الطاقم الإداري والتربوي، لعدم انسجام التوجيه الجامعي من الاقتصاد والتصرف إلى العلوم القانونية. مع أعداد غير سليمة، وعدم تقبل فرفر للمواضيع التي تطرح بكل تهميش واعتباطية. مع اختلاس القروض الجامعية، وتحويلها إلى غير مستحقيها. وإبدال الطلبة فاقدي السند بطلبة آخرين ينتمون إلى عائلات نافذة وبرجوازية. بوساطات وتدخلات. في غيرمشروعيتها الاجتماعية. من عدالة وانصاف اجتماعي.

الدليل على فساد الطاقم التربوي 

وما حدث في ديوان الخدمات الطالبية في الشمال إلا القطرة التي أفااضت الكأس من خلع الخزانة وتمزيق الملفات والوثائق الأساسية، لإخفاء سرقة جماعية لعدد من الطلبة ضعاف الحال وكلها أيادي سوداء تعبث بالمال العام وتورط نفسها بكل بجاحة وتبوريب. وفعلا تم اقصاء مئات الملفات الشرعية وعزلها عن بقية المجموعة المؤهلة لنيل بورص لا يسمن ولا يغني من جوع. والذي يقدر ب400 د في الموسم الواحد.

لم يكن فرفر يبالي بالتضيمات والتلفيقات عند لقائه بعميد الكلية راشوع في مكتبه بل اكتفى بالإشارة والتلميح وكأن الأمر لا يعنيه، وكأنه أوحي إليه بمغادرة الكلية في أقرب وقت ممكن، وكان المهدي الدكتاتور قد أرسل عيونه وسدنته للإطلاع على ملف الأخطاء المرتكبة. ووقع تعنيف فرفر واستفزازه استفزازا خفيفا في البداية. إلى أن يأتي الحساب خارج حرم الكلية. ولم يكن فرفر يبالي بما يقع بحكم أن الفقر والخصاصة سيطرت عليه من كل جانب والهموم من كل اتجاه والحال أنّه يعرف جيدا أن المهدي الدكتاتور معه يتحول إلى آلة حاسبة والنبي العزير في زمانه.

كيف لا وهو لا يملك مائة مليم لشراء كسكروت كفتاجي من رستوران الكلية وقالو الفقر هو الوحيد الذي لا يبالي بالظلم الذي يقع حوله. وتأكد خبث النوايا بحكم أن القروض الجامعية لا تسند للطبقات الفقيرة كما رفع تشكليات إلى وزارة التعليم العالي على الإعتذارات الغير المعقولة التي راسل فيها ديوان الخدمات الجامعية بالشمال وأنه قيم مطالبهم ووجدها لا تستحق قروض ولا هم يحزنون. أما عن تشكيات التي رفعت إلى العميد راشوع على كثرة الطباعة ومصاريف الكتب المراجع القانونية في المكتبة فقد اكتفى راشوع بالضحك عليها والتهكم منها بكل تقزز وتنصل من المسؤولية. وسمع فرفر كلمات مثل كلوشار، وأصحاب السوابق العدلية وكأنه محجوز في سجن أسود كبير.

شعور “برجيلة فرفر”باليأس وقلة الحظ وحزنه على والدته

وأصبح اليأس والتعاسة تخيم عليه من كل جانب وتملكه اليأس والشعور بقلة الحظ، وفرفر حسب المبدأ يرفض إعادة السنة للمرة الثالثة بحكم أصبح يرى الشياطين تخيم في المكان “وسلبة الإمارة ” تتلاعب بالناس كما يحلو لها. وصارت السنة المنقذة، الثالثة بمثابة كابوس يهاجم برجلية فرفر من بعيد، إنه الخوف من المجهول ومن سلبة الإمارة وسدنتهم. مع مجابهة أحقاد ما أنزل الله من سلطان بعد الذي وقع في الحادثة الأليمة.

لم يفكر فرفر إلا في والدته أوأو كعيكة، وإعانتها على قضاء الشؤون المنزلية والخارجية المتمثلة في جلب الخضر والغلال والحاجيات الغذائية من سوق سيدي البحري بسوق القلالين القريب من حي باب قرطاجنة. خاصة أنها تشتكي من ضعف البصر وأمراض مزمنة متعلقة بالدم وبهشاشة العظام واضطرابات عقلية حقيقية تأتي بضغط دم بين الفينة والأخرى وكانت فرصة الخروج محاولة لشد أزرها أمام نكبات الدهر، واقتران مصير فرفر بمصير أوأو كعيكة، لأن حالتها الاجتماعية أيضا كانت تتسم بعدم الاستقرار وتعاني سوء معاملة وازدراء واحتقار اجتماعي لا مثيل له من طرف مقربيها وأصحابها.

تقرير الجامعة بحق “برجيلة فرفر”

وجاء التقرير في السبورة الرئيسية، للحرم الجامعي : أنه قرر استدعاء مجلس التأديب للنظر في الأخطاء المرتكبة من طرف برجلية فرفر في حق قرشيم ، فانهالت التعاليق مترار:

صيحة وشهود على محاكمة قنفود، قرشيم تعاني من مضاعفات نفسية.. واكتئاب، حتى يكون فرفر عبرة لمن يعتبر.. وبالتالي أصبح فرفر العبري رقم واحد والعدو رقم واحد للمهدي الدكتاتور في نفس الوقت.. والذي بدوره يستعد لتزوير انتخابات تحت تصفيق المنافقين والأنصار والاتباع.. والمرتزقة الذين يقبلون لعبة التدليس بكل مودة واعتزاز واخلاص وأصبح راشوع العميد يتابع الأحداث من داخل الكلية. ويتفاعل مع كل ما يأتيه من العالم الخارجي للكلية وجاء رد فعل مجلس التأديب عنيفا وأن الأساتذة لا تقبل إعطاء الأعداد تحت الضغط، أما فرفر فكان جوابه أن الأعداد الكارثية لا تشجع على العمل.

والمواصلة لا تليق بمسيرة عشرين سنة قضاها في الروضة والكتاب والمدارس الابتدائية والمعهد الثانوي وسنتين في الكلية وكأنها أصبحت سرقة لمجهودات وعرق ثلاثمائة معلم وكفاح عشرات السنين، مما أجبر راشوع على الانسحاب من عمادة الكلية وتزامنت العقوبة مع انتهاء السنة الجامعية واقتراب الألفية الثالثة وانتهاء الألفية الثانية. لقد استغرب برجلية فرفر كثرة العنصر النسائي الذي فاق ثمانين بالمائة ، ومعظمها تعمل ضمن تكتيك سياسي محكم التدبير من طرف راشوع والمهدي الدكتاتور.

فيديو مقال سجين المستشفى الأسود 9

أضف تعليقك هنا

هاني القادري

هاني القادري كاتب تونسي