“الدختور مازال أبخص” ج 3

وفيات نتيجة خطأ طبي 

المريض على حق

لقد كانت فطرة الله للأم التي قامت بتوديع ولدها الوداع الأخير في قُبلتها حياه، إذ شعرت بفلذة كبدها، وكأنه حي مما جعلها لا تثق فيما تم من إجراءات، وزوجها ينهرها بقوله: “الدختور أبخص”، وعلى الرغم من ذلك قام المستوصف باللازم عُنوة من تغطية وتكفين الحي في نظر والدته والميت بشهادتهم، وعلى الفور قررت الأُم نقله إلى مُستشفى اليمامة بالرياض، حيث قاموا بإنعاش القلب الرئوي، ليظل الطفل حياً في العناية المركزة، حتى توفاه الله بعد أربعة عشر يومًا، وكان بالإمكان تدارُكهُ، لولا تكفينه الذي أسهم في تلف خلايا المُخ أو تُوفي نتيجة خطأ طبي مُحتمل. ليتكرر المشهد في شهادة وفاة ثانية، دخل فيها الطفل عُنوة وبقوة النظام إلى قائمة وفيات الأطفال. وللأسف هذا المشهد يتكرر في بلاد العرب ، ففي 2019م ، تفاجأ أحد حرس المقبرة ،بخروج مواطن عربي بعد ثلاثة أيام من دفنه ، وتم معه لقاء وذكر اسم المركز والطبيب كذلك .

المريض على حق

أسوق المثل الأول من باب الملاطفة حيناً، والقصة الحالية من باب المصارحة حيناً آخر، لكون هذه الثقافة لاتزال سائدة بين أواسط الأطباء، وهم قلة -إن شاء الله-، علماً أن مُقدم الخدمة يحمل شعار المريض على حق، والمريض أولاً[1]، في حين أن المُجتمع أصبح يُدرك بثقافته المتنامية التي تزداد اتساعاً يوماً بعد يوم، أن ما يقوله الطبيب ينبغي أن يتأكد منه، ويشكك فيه أي شك موضوعي حيث لم يعد يقبلُ تطبيقات هذا المثل، لأن من خصائص القطاع الصحي عدم التأكد من كفاءة وفاعلية مُحصلة التداخلات. فمثلاً مريض يُعاني من تحسُس الأنف أو جفافه، ويُقرر الطبيب حقنة دورياً بالكورتيزون، لأن المشكلة تختفي على الأمد القريب، ويستمر في أخذ الحقنة، وفي النهاية يصحو المريض على آلام حادة تنتهي بفشل كلوي، وعندما تبحث عن الطبيب تتفاجأ بأنه غادر البلاد، علماً بأن مريض الفشل الكلوي يُكلف حوالي 100ألف ريال سنوياً، ويكون عُرضه للإصابة بالتهاب الكبدي الوبائي B-C، فحسب الإحصاءات هناك 50% من مرضى الفشل الكلوي مُصابون بالتهاب الكبدي.

عدم التخصص أو الكفاءة في مجال الطب يؤدي إلى سخط مجتمعي 

كل ذلك مقصدنا منه واقع المشاهدات والحقائق غير المبررة منطقياً عند البعض من الأطباء، ممن يفتون وكأنهم يُصدرون حُكم الموت على أحياء، بل ويتخذ قرارات في تخصصات وعلوم مُستقلة منذ الخمسينات الميلادية بغير تخصصه الطبي، مثل: (علوم التغذية والتثقيف الصحي وعلوم البيئة، والمختبرات)، ولا أخفيكم أن مسلسل التدخل لا يزال حتى في القضايا السياسة والاقتصادية والإدارية والثقافية والحقوقية والفقهية دون حياءٍ أو احترامٍ لمبدأ التخصص، يكون مُحصلتها سخط مُجتمعي عن الخدمات الصحية، وميلاد أحقاد وحقد من قبل المُختصين في العلوم الأخرى نتيجة الإقصاء من فئة مُتنفذة.

على مَن يقع اللوم في الأخطاء الطبية المتكررة؟

واُذكر بقولين، أولهما: لعالم إسلامي قديم، وهو ابن حزم -رحمه الله- الذي يقول: “لا آفة على العلوم وأهلها، أضر من الدُخلاء فيها، وهم من غير أهلها، ويظُنون أنهم يعلمون، ويُفسدون ويُقدرون أنهم يُصلحون”. “والقول الآخر للأكاديمي الأستاذ الدكتور/خالد بن محمد الجديع -رحمه الله- في كتابه المقامات المشرقية، ويقول “إن ما يدور في المجالس منذ العهد القديم، وحتى عصرنا الحاضر من التعصب البغيض لمجال التخصص، إذ كثيراً ما نرى من يُقدم العلم الذي يدرسه أو يبحث فيه ضارباً صفحاً عن أهمية العلوم الأخرى، والحق أن العلوم تتفاضل بقدر ما تقدم للإنسان من قيمة”. والمشكلة الأكبر انتشار تطبيقات مثل (المريض طبيب نفسه)، فأصبح المريض يشخص ويحلل ويُعالج نفسه بنفسه وغيره، ويكتب الوصفات ويٌصرف الدواء دون قيود في غفلة أو تغافل من الرقيب، نظراً لفشل النظام الصحي في الاستجابة. فالطبيب يضع اللوم على المريض والأجهزة ذات العلاقة، بل يؤمن الطبيب بالمثل الشهير (رضا الناس غاية لا تُدرك). فطالما أنهم مرضى، فلا بد لهم من الشكوى، وهذا المثل خاطئ والدليل على ذلك ارتفاع مؤشر رضا المريض في الدول المُتقدمة إلى مستويات عُليا، فمثلاً في الدول الإسكندنافية تجاوز معدل الرضا أكثر من 90% وفي كندا 85%، بينما المريض لدينا يُعاني من مظاهر السخط وعدم الرضا، فأي الفريقين أحق بالأمن؟.

يتبع ج 4

[1] المنطقي أن نقول الصحيح أولاً , إنطلاقاً من المبرر الأول لوجود منظمة صحية حيث الهدف الأول وهو تعزيز الصحة ,

فيديو مقال “الدختور مازال أبخص” ج 3

 

أضف تعليقك هنا