“الدختور مازال أبخص” ج 5

معادلة رياضية لحسم الأخطاء الطبية والدوائية

إن المراقب لواقع النظام الصحي السعودي يدرك أن هناك دعماً لا محدوداً على صعيد مدخلات القطاع الصحي من قبل القيادة الرشيدة، ومنها على سبيل المثال المشاريع الرأسمالية التي توجت بموافقة المقام السامي على مشروعات الحزام الصحي وإنشاء 137 مستشفى تخصصيا بسعة 16500 سرير، ومركز القلب في مدينة الملك فهد، انشاء مختبر وطني وبنك لحفظ الخلايا الجذعية، انشاء وتطوير مراكز الرعاية الصحية الاولية. وفي جانب التشريع انشاء مجلس الخدمات الصحية، والمجلس المركزي لاعتماد المرافق الصحية، واعتماد النظام الصحي السعودي، ونظام مزاولة المهنة.

إنجازات القطاع الصحي

ولاشك ان القطاع الصحي لديه العديد من الانجازات الكمية لم نشر اليها. كل هذه العطاءات ركزت على البنى التحتية من مدخلات، وهذا هام جدا. ويبقى هنا التحدي امام الوزارة في استغلال تلك الموارد وتوظيفها التوظيف الامثل بما ينعكس اثرها الايجابي على اهداف الوزارة الاربعة الاساسية المتمثلة في جوانب تعزيز الصحة والوقاية من الامراض والعلاج والتأهيل.. وعلى رغم اهمية البنى التحتية ذات الطابع الكمي.

الا ان التركيز في الجانب النوعي المتمثل في كفاءة وفاعلية الانشطة والبرامج الصحية يجب ان تحظى بالاهتمام والرعاية، وهذا يتطلب قدرات ومهارات ادارية ومالية وفنية قادرة على بناء نظم فاعلة في كافة المجالات الصحية وخصوصاً في مجال المعلومات ورصد الامراض والظواهر الصحية وايجاد آليات قياس ذات كفاءة لمخرجات الجهاز الصحي وبرامج عمل لأخلاقيات مزاولة المهنة، بالاضافة وهو الاهم سهولة الوصول والحصول على الخدمات الصحية، وهذا بلاشك يحتاج لمقدرة في حسن ادارة جانب العمليات، بما يتلاءم مع الامكانات التي وفرتها القيادة الرشيدة.

المشاكل والمعوقات التي تواجه المستفيدين من الخدمات الصحية 

وفي سياق تقديم الخدمات الصحية، تبرز مشاكل ومعوقات تواجه المستفيدين من تلك الخدمات، حيث يلاحظ كثرة الاخطاء الطبية في المستويات العلاجية. هنا اقول الأخطاء الطبية والانجازات يلتقيان في الاعمال البشرية، ورحم الله من قال من يعمل يخطئ، ومن لا يعمل لا يخطئ. وفي الحديث «وخير الخطائين التوابون». إذن احتمالية الخطأ واردة مهما بذلنا من الأسباب المادية وفق الحدود الطبية المقبولة والمتعارف عليها، ولكن العبرة في اكتشافها وتلافيها قدر الامكان. والاخطاء درجات ومستويات منها ما هو مقبول في الحدود المسموح بها. ومنها ما هو يتعدى خارج الحدود. وأكبر إشكالية في مفهوم الخطأ من يعتقده صواباً والعكس وهذا ولله الحمد ليس موضوعنا، لأننا نتكلم عن أخطاء مادية مدركة نتائجها.

إذن نستطيع أن نقول أن الخطأ في مفهومه العام هو الانحراف عن المعايير والقيم والنتائج الطبيعية المقبولة علمياً.ولكي نستطيع قياس الخطأ وفق هذا المفهوم، فهذا يتطلب وجود قاعدة بيانات وبرامج مساندة تغذى من خلالها كافة التداخلات آلياً وحفظها واسترجاعها ومقارنتها مع المعايير المتعارف عليها والخروج بمؤشرات كمية. ان الاصل في الممارسات الطبية الحصول على نتائج خالية من الاخطاء تحقق لطالب الخدمة السلامة الصحية، وتحوز على رضاه، بتكلفة مبررة صحياً واقتصادياً، وهذه أبسط متطلبات الجودة المطبقة منذ عقود في البلدان المتقدمة.

في الوقت الذي أصبحت الجودة لم تحظ بالاهتمام هذه الأيام على رغم أهميتها، بل إن الأولوية اتجهت لمفهوم تدليع المراجعين delighting the patient حيث أصبحت الشغل الشاغل للمؤسسات الصحية الرائدة في المجتمعات المتقدمة. وتؤكد المفاهيم الجديدة في مجال جودة الخدمات الصحية المتمثلة في تطبيق سيجما 6 وهذا يعني أن الخطأ المقبول هو 3،4 خطأ لكل مليون عملية أو نشاط حسب ما جاء في كتاب البروفيسور بن سعيد.. فمثلاً نسب الخطأ المقبولة في إطلاق الصواريخ يجب أن تكون معدومة وهذا ما دعا إليه عالم الجودة الشهير كروسبي في مفهومه صناعة بلا أخطاء أو عيوب Zero defect، بالرغم من هذه الصواريح أداة تدمير للبشرية.

الأخطاء التي تقع في الدراسات والأبحاث العلمية

أن جميع الدراسات والأبحاث العلمية المادية والانسانية التي تعتمد على المنهج العلمي تفترض نسب للخطأ المحتمل في كل دراسة. تختلف نسب الخطأ على طبيعة العمل وصعوبته والمعلومات الراهنة المتاحة للباحث أو الممارس، فمثلاً في مجال الخدمات الصحية خطأ الطبيب الجراح او التخدير أكثر جسامة في الغالب من خطأ طبيب الأسرة والمجتمع ولكون الاخطاء الطبية أكثرها في المنظومة العلاجية من المستوى الثاني والثالث من الخدمة.

وهنا لا نتحدث عن الاخطاء في جانب الخدمات الوقائية على رغم اهميتها. يجب ان نعرف حقيقة ان الخطأ الطبي ليس مسؤولية الطبيب المخطئ وحده، بل هي مسؤولية المؤسسة الصحية بكافة مدخلاتها البشرية، وتزداد المسؤولية وتطال لمن هم في قمة الهرم، فكما هو الحال في تحقيق النجاحات يجير نجاح او تفوق الطبيب للمؤسسة الصحية، وتسلم الدروع والشهادات لمن هم في اعلى السلم. ولنأخذ مثلاً من الدول الرائدة في صناعة العلوم الطبية، لنتعرف على تجربتها في مجال الاخطاء الطبية.

ويهمها معالجة الاخطاء اكثر من التباهي في استعراض منشأتها الصحية فحسب، ولا تجد حرجا في كشف اخطاء نظامها الصحي على الملأ، لان الاعتراف بالخطأ، جزء مهم في حل المشكلة، وفقاً للدراسات المعدة من معهد الطب في الولايات المتحدة، فإن هناك حوالي 100 الف يموتون سنويا في المستشفيات بسبب الاخطاء الطبية، وفي عام 2005م بلغت الاخطاء الطبية في مستشفيات الولايات المتحدة الامريكية 974 الف خطأ نتج عنها ما مجموعه 98 الف وفاة، كما تبلغ تكاليفها 29 مليار دولار سنوياً.

الأخطاء الدوائية القابلة للتفادي

وهناك الاخطاء الدوائية القابلة للتفادي حيث تقدر الدراسة ان هناك 185 الف خطأ نتج عنه 7 الآف وفاة، وتكلف سنويا 2 مليار دولار مع العلم ان هذه الاخطاء فقط التي اكتشفها النظام، فماذا عن الاخطاء غير المتكشفه. وقد بينت دراسات اخرى اشير فيها الى ان هناك عددا مقارباً لما سبق نتج عنه وفيات بسبب عدوى المستشفيات. وبناء على دراسة مراكز التحكم بالامراض قدرت ان من بين حالة وفاة من خطأ طبي او عدوى، هناك من خمسة الى عشرة اشخاص آخرين يعانون من تعرضهم لعدوى غير قاتلة. اضافة الى دخول ما يقارب 33،6 مليون الى مستشفيات امريكا سنوياً بهذا السبب.

إحصائيات المرضىى

لتتفق الاحصائيات التي وجدت أن 88 شخصاً من كل 1000 يعانون من الاصابة او المرض نتيجة التدخل العلاجي، ومن المحتمل ان هناك 6 مرضى يموتون نتيجة لذلك وفي كندا يموت سنويا عشرة آلاف بسبب الأخطاء الطبية، مع ان كندا عدد سكانها 32،268،000 وفي المملكة العربية السعودية نطالع بين الحين والاخر ما ينشر من خلال الصحف اليومية من كثرة الاخطاء الطبية من مؤسساتنا الصحية العلاجية فقد اطلعت على الحوار الذي تم مع احد مسؤولي الوزارة يوم الاحد الموافق 14/5/1427ه العدد رقم 15773 في جريدة «الرياض».

حيث جاء في سياق المقابلة والتي اشير فيها وبناء على البيانات الرسمية، فإن مجموع القضايا 896 قضية لعام 1425ه من اصل 100 مليون مراجع. بمعنى ان متوسط مراجعة المستفيد للمؤسسة الصحية خمس مرات في السنة. ولكن ماذا عن الاخطاء غير المبلغ عنها، وماذا عن قول علماء الادارة الصحية، ان من خصائص القطاع الصحي ان نتائجه غير معلومة على الامد القريب والبعيد.

المهام والنقص العلمي

إن الاخطاء الطبية انواع منها ما ينتج بسبب تقصير عن اداء المهام بسبب نقص علمي، او سوء فهم او نقص خبرة، او خطأ غير مبرر، او ان الممارس لم يستعن بوسائل التشخيص. ولم يطلب المشورة، او اجراء التداخل لغرض (مصلحة خاصة) تعليمي واستكشافي لا تستدعيه الاعراف الطبية، او اخطاء متوقعة ومتعارف عليها علميا. (نادرة الحدوث وتتم من خلال فريق)، او تأجيل حالة دخول تحتاج تدخلاً طبياً أوجراحياً عاجلاً، أو عدم أخذ رأي المريض أو ذويه في بعض التداخلات الطبية. أؤكد هنا قول إن الاداري والمهندس، والعامل ومسؤول الشؤون المالية، والأخصائي الاجتماعي ومسؤول التدريب والصيانة وبقية الفريق الطبي يشتركون في حال الاخفاق أو الخطأ الطبي.

كيف نتفادى الأخطاء الطبية؟

ولكي نتفادى الاخطاء يتحتم على المؤسسة الصحية أن تقوم بحسن الاختيار للعمالة بناء على مبدأ الجدارة، التدريب المستمر والاطلاع على الجديد، الحوافز والعقاب السريع بما يؤمل عدم تكرار الخطأ، توفير المناخ الصحي الملائم للعمل، تأسيس لجنة وطنية دائمة لإدارة المخاطر، إنشاء سجل وطني لحصر المخالفات الطبية المبلغ عنها وتصنيفها بعد دراستها وتحليلها إحصائياً، اعداد نشرة خاصة بالأخطاء الطبية، إطلاع الممارسين عن الاخطاء واكثرها شيوعا مصنفة حسب التخصص، وطرق تفاديها.

توفير الامكانات التشخيصية، والعمل وفق الادلة الاجرائية والسياسات وتحديثها دوريا PPs، دعم لجان المخالفات الطبية بالكفاءات الطبية والادارية المؤهلة، والتأمين ضد المسؤولية الطبية وغيرها من الوسائل ج التي تساعد على تقليص الاخطاء، واخيراً ومن هذا المقام اناشد المسؤولين عن الشأن الصحي بالتركيز على العمليات والانشطة الصحية أكثر من الاهتمام في جانب المدخلات من تشييد مرافق واستقطاب قوى عاملة.

كما يجب أن لا تنساق مؤسساتنا الصحية بالتفاخر في بعض الانجازات ففي العدد 13822 بتاريخ 30/3/1427ه بجريدة الرياض تحت عنوان (خدماتنا الطبية تحتاج إلى علاج عاجل) بقلم الكاتب عبدالرحمن عبدالعزيز آل الشيخ الذي حذر من تكرار الإشادة القاطعة بمستوى الخدمات الطبية في بلادنا حتى ولو أننا وصلنا إلى الريادة العالمية في بعض المجالات الطبية حتى لا يكون ذلك عامل تضليل يبعدنا عن رؤية المشكلة الحقيقية.

إذ يجب ألا ننسى المعاناة الشديدة والحقيقية لمراجعي الخدمات الصحية، انني عبر هذا المقال أدعو جميع اصحاب الفكر والباحثين لمناقشة الاخطاء الطبية من اجل الوصول إلى معادلة رياضية نقيس من خلالها مدى الانحراف عن معايير الممارسة الطبية في حال الاخفاقات بعيداً عن الاجتهادات الشخصية والكاتب يقترح صياغة معادلة لتحديد نسبة الخطأ الطبي مستعرضاً ابرز المتغيرات ذات العلاقة بالخطأ حسب الجدول الموضح بالمقالة.

مزايا المعادلة

والهدف من المعادلة هو التقدير والتقييم الموضوعي بأسلوب احصائي، بعيدا عن الاجتهادات الشخصية إن من أبرز مزايا المعادلة هو الوصول إلى تقدير كمي لنوع الخطأ ودرجته، ومن خلالها نستطيع تحديد مكامن الخلل بدقة لكل خطأ على حده. كما سوف تبصرنا بمعرفة الواقع الحقيقي للممارسة والاخطاء الطبية، وتحليل جميع متغيرات الخطأ الطبي والخروج بمعرفة حقيقة لابرز اسباب الاخطاء الطبية وتصنيفها بغرض تلافيها مستقبلاً، كما ستمكن اعضاء اللجان الطبية من سرعة انهاء القضايا والبت فيها من جهة، وانشاء قاعدة بيانات تمكن المسؤولين من اتخاذ القرار المناسب.

علاوة على انها تبرز اوجه التباين والاختلاف في نوع ودرجة الخطأ من ممارس لآخر وغيرها من الفوائد الاخرى التي لا حصر لها في هذا المقال واختم بمقولة لويليام تومسون/ لورد كيفلن 1896-1984م يقول فيها إن احد اساسيات الجودة انك لا تستطيع إدارة شيء ليست لك القدرة على قياسه، فنظام المقاييس يعلمك بموقعك وبالوجهة التي ستتجه اليها حين تستطيع قياس ما تتحدث عنه وتعبر عنه بالارقام.

فمعنى ذلك انك تعرف شيئاً عنه، لكن حين تعجز عن ذلك فان معرفتك ستكون ضئيلة، وغير مرضية، وفي تلك الحالة قد يكون الامر بداية معرفة فحسب، لكنك قلما ستتقدم في افكارك وتصل الى مرحلة التعلم.. ولا يفوتني في نهاية تلك الأجزاء إلا شكراُ وامتناناً للإعلامي د. إبراهيم جلال فضلون على ما أبداه من دراسات ومؤلفات أثرت المجال.

فيديو مقال “الدختور مازال أبخص” ج 5

 

 

أضف تعليقك هنا