عندما يمتزج الطّفولي العفوي بالأكاديمي الفنّي( قراءة لمعرض الفنانة التشكيلية فاطمة الزهراء الحاجي)

رحلة من الألوان والخربشات الطفوليّة ترنّمنا على إيقاع عفويتها صحبة أنغام الكمان أين أحسسنا لوهلة بالأمان ونسينا وهن الأيام في معرض فنيّ للفنّانة والأكاديمية فاطمة الزهراء الحاجي جمع بين لوحات فنية فرديّة مع مقاربة تشاركيّة للرسم التلقائي مع الطّفل لأعمال أطفال روضة “استبرق” برواق محمّد الفندري بالقصبة تحت عنوان “M²oi-ultiple ” والذي تمّ افتتاحه يوم 5 جوان 2021 و سيختتم يوم 10 من نفس الشهر.

سر نجاح اللوحات التي رسمها الأطفال في المعرض

ما إن تطأ قدمك عتبة الرواق حتى تستشعر رائحة غريبة لم تعهدها أنوفنا… رائحة أنامل منبعثة من بين اللوحات المعلقة التي تواترت مقاييسها وأحجامها بين تلوين وطباعة، تنوّع كبير في الخامات بين الورق وأنواعه وبين القماشة المتخليّة عن إطارها تاركة للأطفال حريّة التدخّل عليها لا يحدوهم إطار ولا زوايا أربع حيث تلاشت القواعد الهندسيّة فلا شيء محسوب ومحدود تحت سطوة العفويّة والبراءة والتدخّل المباشر للأطفال لتقف الفنّانة وقفة المرشد أينما استوجب الإرشاد والتدخّل أين اقتضى الأمر.

ولعلّ السرّ الذي يقوم عليه المعرض هذه المفارقة في ترك الحريّة لهؤلاء البراعم والتدخّل من قبل الفنانة في الحالات القصوى للتدخّل بين “le moi ” “أنا” الفنان و”الأخر” الطفل دون أن ننسى التواصل بين « palette » »”الألوان” التي استعملها  الطفل التي تغوص فيها الحاجي في نفس الوقت وتسافر بها في لوحاتها الخاصّة التي ما انفكّت تبرز فيها قيمة الخطّ وانبعاثاته واكتماله مع الألوان الدّافئة الحميمة فتظهر وتبرز بسواد الخطّ وبعض الحدود التي تتقنها الفنّانة في إظهار كوامن العمل.

ماذا تعكس لوحات الفنانة للرائي؟

إنّ ما تعكسه اللوحات يتلخّص في عوالم الطفل المختلفة ويومياته في محيطه الخارجي كالمعمار فينقله كما يراه وكما بقي في ذهنه بين منازل أكبر من أحجام الشخصيات والعكس وارد ومثبت أيضا فتعكس كلّها براءة في تصوّرات الطفل وعلاقته بالمباني وكذلك في علاقته بأترابه وأفراد عائلته من خلال الشخوص الماثلة في الأعمال، والجليّ والواضح تمرّس هؤلاء الصّغار لتقنيات مختلفة نجحت المؤطّرة في بلورتها داخل الأعمال تراوح بين تقنية “القصّ والتلصيق” من ناحية بإدخال قصاصات الجرائد فتنسجم الحروف المطبوعة مع المسطّحات اللّونية فتبعث حركة في العمل وقراءة جديدة، وهو ما يؤكّد المسار المعرفي الفنّي الذي تطبّقه الحاجي بمعنى التوازي بين النظري والتطبيقي فالجليّ في الأمر أنّها تمرّ بالمرجعيّة الفنيّة المعتمدة ومن ثمّ المرور إلى التطبيق.

تميز فن “الحاجي” في الرسم

لا ننسى الطباعة كذلك ودورها في إخراج أعمال ذات لمسة مختلفة وهو ما أكّد إصرار الفنّانة على أن يكون التكوين لهؤلاء الأطفال شاملا وملمّا باختصاصات مختلفة دون أن ننسى التلوين وملء المساحات بالألوان التي تعكس عالما طفوليّا بامتياز.

عالم الحاجّي المليء بعفويّة الأطفال وشطحاتهم الفنيّة يعكس فنّانة ذات حسّ مرهف وهي اللي تمرّست على تأطير هذه الشريحة العمريّة بدءا بورشات مهرجان المحرس وصولا إلى حلقات التأطير في فضاءات الطّفولة  وكأنّنا بها أخذته منهجا خاصّا، حتّى أنّها ترى في فنّها نسبة هامّة من روح هؤلاء نلمسه في ألوانها وخربشاتها. تكون “فاطمة” في أغلب الأوقات الحارس الذي لا تنام عينه توجّه وتحفّز وتغرس قيما فنيّة في فئة من جيل اليوم. نستشعر في لوحاتها الفرديّة انحيازا للجسد الأنثوي فتتعدّد الوجوه وكأننا بالنسوة المعلّقات على الحوائط تحرس لوحات الأطفال في محاولة لمواصلة العمليّة الثنائيّة بين الفنّانة و”أطفالها” إن صحّ التعبير.

إضفاء “الحاجي”صيغ فنية جديدة في طريقها الفني

نساء “فاطمة” الحارسة الرّاعية الموجّهة تظهر من خلال الملامح والنّظرة فيتكوّن هيكلها الأنثوي باللطخات اللّونية فتتغيّر المساحات من جزء في اللوحة إلى آخر ويزيدها الخطّ الأسود رونقا وحدّة في نفس الوقت فتظهر أعضاء من الجسد وتتلاشى أخرى.

يتحدّ كلّ من الطّفولي بخربشاته، ألوانه ، مسطّحاته وأشكاله  و الأكاديمي المقنّن للفنّانة لإخراج خلطة رفيعة من أعمال تميّزت بالحريّة والعفويّة فرقصت كلّها على حافتي خيط ربطهما ببعض وكمّل بعضها الآخر في إضفاء صيغ فنيّة جديدة انتهجتها الفنّانة لنحت طريقها الفنّي فلا يخلو عالم فاطمة من الضحكات المتعالية البريئة التي تنتشي وترقص على خلطات الألوان.

فيديو مقال عندما يمتزج الطّفولي العفوي بالأكاديمي الفنّي( قراءة لمعرض الفنانة التشكيلية فاطمة الزهراء الحاجي)

أضف تعليقك هنا