البحوث النوعية

بقلم: فاتن فريد صافي

تشهد المنظمات التعليمية تغيرات متسارعة لمواكبة تطورات العصر الحالي؛ مما أدى إلى تكثيف الجهود للنهوض بمستوى القائمين على العملية التعليمية التعلمية. وذلك عن طريق إعداد وتقديم برامج تدريبية وأدلة  إرشادية تدعم المعنيين لتجويد عمليتي التعليم و التعلم. ولقياس كفاءة هذه البرامج؛ لا بد من توظيف البحوث النوعية كوسيلة لدراسة أثرها على المستفيدين.

والبحث النوعي يُمثل أحد مناهج البحث العلمي في العلوم الإنسانية والاجتماعية، الذي يقوم على المعايشة الواقعية، والتعمق في دراسة الحقائق والظواهر في سياقها الطبيعي، حيث أن مشكلة البحث أو السؤال المطروح في البحث النوعي تتمثل في مشكلة أو سؤال مفتوح النهاية، ويهتم بالعملية والمعنى والدلالات بشكل أكبر من اهتمامه بالسبب والنتيجة (العزاوي، ٢٠١٧) (قندلجي، ٢٠١٩).

أولًا:مفهوم البحوث النوعية

تصنف البحوث النوعية بأنها تهتم بجمع وعرض البيانات بطريقة وصفية بالكلمات والصور دائماً، ونادراً بالأرقام، وذلك من خلال دراسة الظواهر في ظروفها الطبيعية باعتبارها مصدراً مباشراً للبيانات، ولا يتم تحديد المشكلة من خلال وضع الفروض مسبقاً وفقاً لهذه البحوث، ولكن توضع الفروض والاستنتاجات أثناء جمع البيانات والتي قد تتغير من خلال بيانات لاحقة (السيد، ٢٠٢١: ص٤٧).

ويعرف البحث النوعي بأنه النوع الذي يقدم فيه الباحث عادةً فهماً متعمقاً وتفسيراً شاملاً لمجال البحث الموضوعي، ولا يشترط أن يعمد الباحث في البحث النوعي إلى تفسير البيانات والنتائج التي يتوصل إليها بطرق رقمية واحصائية، بل يتم ذلك من خلال استخدام مفردات اللغة الطبيعية، والأسلوب السردي والجمل الإيضاحية (الجراح،٢٠١٥:ص١٢٥).

ثانياً: أهمية البحوث النوعية

تُعتبر المناهج النوعية هي الأفضل في بحث الظواهر الطبيعية ومظاهر السلوك الإنساني في جوانبها التفسيرية والوصفية، كما يستخدم على نطاق واسع لدى الباحثون في مجالات العلوم السياسية والعمل الاجتماعي والتربية (السيد، ٢٠٢١: ص٥٠).

تتكامل البحوث النوعية وتتساند مع معطيات الدراسات الإحصائية، حيث تساعد في تقديم تفسيرات معينة لظواهر ومشكلات وقضايا مدروسة (كجوانب الدراسات الإثنولوجية والإثنوغرافية، أو البرامج الوطنية والمحلية التي تقوم الحكومة بتطبيقها) وفي معظم الأحيان تعتبر الاستنتاجات العامة مجاوزة لسياق الدراسة لعدم حصول بعض القضايا العامة على أساس النظرية الإحصائية، واستناداً على ذلك يتطلب من المناهج النوعية توفير أدلة وتبريرات رياضية لمثل تلك الفرضيات لتقديم مزيد من البحث والاستقصاء (مصطفى، ٢٠١٩:ص٩٨).

ثالثاً: خصائص البحوث النوعية

  1. يمثل الباحث في البحوث النوعية أداة لجمع البيانات، فهو يتحدث إلى الناس في موقف ما، ويلاحظ أنشطتهم، ويقرأ وثائقهم وسجلاتهم المكتوبة، ويسجل هذه البيانات في مذكرات ميدانية، ويقوم بتحليل وتفسير ذلك، والوصول إلى المعاني الكامنة خلف الظاهرة المدروسة.
  2. تكون البيئة التي تُدرس فيها الخبرة الإنسانية بيئة طبيعية مثل (مدرسة كاملة، فصل، مؤسسة) وليست بيئة مصطنعة أو غير طبيعية مثل (التجارب العلمية)، ولذلك فإن البحث النوعي يجري في الميدان، أي في الموقف كما وجد بشكل طبيعي.
  3. يرتبط البحث النوعي دائماً ببيئة أو سياق أو موقف معين، ويعد السلوك الإنساني مقيداً بالبيئة التي يجري فيها البحث، وأن الخبرات الإنسانية تكتسب معناها من المؤثرات الاجتماعية، والتاريخية، والثقافية، وتعتبر هذه المؤثرات جزءاً من الخبرات الإنسانية (العتيبي والمحسن،2020: ص37).

رابعاً: معيقات البحوث النوعية

  1. يكون تصميم البحث النوعي وفرضياته ومتغيراته غير محددة، فيذهب الباحث إلى الميدان دون وجود أسئلة بحثية واضحة (الدهشان،2016).
  2. تعود الباحثين في حقول التربية على إجراء البحوث الكمية.
  3. نقص التدريب على إجراء البحث النوعي أثناء الدراسة (الجانب التطبيقي).
  4. قلة الدورات وورش العمل التي تقدم لإتقان مهارات التعامل مع البحوث النوعية (الخويطر،2019: ص621).

خامساً: مقترحات النهوض بالبحوث النوعية

  • نشر ثقافة البحث النوعي بين الباحثين وداخل الأوساط التربوية، وتعزيز مهارات البحث النوعي لدى الباحثين.
  • ضرورة تبني فكرة المنهج المختلط القائم على الدمج المتوازن والمتكامل بين البحوث النوعية والكمية معاً.
  • تركيز البحوث على إجراء المزيد من المقارنات المتعددة بين البحوث العربية والأجنبية وتوجهاتها المختلفة.
  • تركيز البحوث المستقبلية على استكشاف أوجه الشبه والاختلاف بين البحوث النوعية والكمية، مع إبراز العلاقة التكاملية بينهما. (السيد،2021: ص55).

المصادر والمراجع

  • السيد، عبد القادر محمد عبد القادر(2021): البحث النوعي: التوجه الغائب في البحوث العربية لتعليم وتعلم الرياضيات، جامعة ظفار، سلطنة عمان، مجلة تربويات الرياضيات، مج24، ع4.
  • الخويطر، شمس سعد محمد(2019): معوقات استخدام منهجية البحث النوعي لدى طالبات الدراسات العليا في الأقسام التربوية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ومقترحات التحسين، جامعة القصيم، مجلة العلوم التربوية والنفسية، مج13، ع2.
  • العتيبي، سلمان بن صاهود راقي والمحسن، نوف بنت عبد العزيز عبدالله(2020): درجة تمكن طالبات الدراسات العليا من مفاهيم البحث النوعي ومنهجياته بقسم المناهج وطرق التدريس بجامعة الأمير سطام بن عبد العزيز، المجلة العلمية بكلية التربية- جامعة أسيوط، مج36، ع5.
  • الجراح، محمود محمد(2014): أصول البحث العلمي، دار الراية للنشر والتوزيع، ط2، عمان.
  • الدهشان، جمال(2016): البحوث النوعية مدخلاً لمعالجة بعض جوانب أزمة البحث في العلوم الإنسانية والتربوية، ورقة عمل مقدمة إلى المؤتمر الدولي الأول- أزمة العلوم الإنسانية في ظل عالم متغير- كلية الآداب جامعة المنوفية، مصر.
  • قندلجي، عامر(2019): منهجية البحث العلمي, الأردن: دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع.
  • العزاوي، سالم جاسم محمد(2017): البحث الكيفي في العلاقات العامة دراسة تحليلية لبحوث العلاقات العامة في العراق للمدة من 1989 إلى 2016، مجلة الباحث الإعلامي،(38)، 95-114.
  • مصطفى، عدنان ياسين(2019): البحوث النوعية: تكامل المنهج وثراء المنتج, جامعة بغداد، مجلة الباحث العلمي، العدد50.

بقلم: فاتن فريد صافي

 

أضف تعليقك هنا