الجزء 5 من روايـــــــة //عـــــوبـــــار// تـــألــيـــف: // زيــد العــرفـــج//

المورد الثاني
الملك شدّاد

بسم الله الرحمن الرحيم
{{فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلْأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً  أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجْحَدُونَ}} الآية 15 سورة فصلت

عناء ومشقة الرحلة

كانت العاصفة على أشدها حين وردت المورد الأول، ماؤه كان عذباً جداً فشربت منه الكثير مما ولد لي آلاماً شديدة في بطني، وشربت ناقتي عدة مرات حتى ارتوت … نمت بعمق بالرغم من شدة الرياح بعد أن اخترت لنفسي ولناقتي موقعاً على سفح التل القريب تفادياً للرمال التي تسفيها الرياح كي لا تطمرنا تحت كثبانها المولودة لأول مرة في تلك البلاد.

استيقظت في الصباح وتناولت فطوري المكون من بضع حبات من التمر وثلاث رشفات من القهوة العربية المرة التي سخنتها على بعض الأخشاب المتكسرة الناشئة عن عاصفة الدمار الهوجاء… تركت ناقتي تسرح في المحيط القريب لترعى بعض الأشواك المتناثرة هنا وهناك والمتكشفة من تحت الرمال الصفراء اللامعة، وبعد أن بركت ناقتي للراحة بضع ساعات نهضت إليها واعتليت ظهرها لتتهادى على الرمال نحو موردها الثاني الذي تستدله بنفسها وفقاً لما تدربت عليه، وقد استطعت تحديد جهة ذلك المورد من خلال مسيرها بواسطة النجوم في الليل، فهي تتجه نحو نجم القطب أي أن المورد القادم يقع في الجهة الشمالية من الجزيرة العربية.

كانت الرحلة شاقة ومضنية وكم كنت ممتنّاً لتلك الناقة التي سارت بي نحو وجهتها بكل ثقة، مضى اليوم الأول والثاني وما زلنا نسير ونسير، والمستغرب عدم رؤيتي لأي كائن حي خلال اليومين التاليين، فالكارثة كانت مدمرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حتى حيوانات البرية لم تسلم منها. شعرت بالأعياء الشديد فتناولت بضع حبات من التمر وشربت بعض الماء من القليل المتبقي بقربتي، يا إلهي إن لم نبلغ المورد الثاني خلال اليوم القادم فحتماً سأموت من العطش.

الكارثة غيرت معالم البلاد

في الصباح التالي استيقظت على جلبة قريبة مني فنظرت حولي، فإذا قطيع كبير من الغزلان ينتشر في البرية المحيطة، … الله! كم كان المنظر جميلاً، لأول مرة أشعر بالحياة من حولي منذ أن خرجت من عوبار، حاولت الاقتراب منها ولكنها فرت مسرعة نحو السهول الواسعة الممتدة عبر الأفق، بدأت التعرف على المنطقة التي وصلت إليها من خلال تحديد الجهة والمسافة، فوجهتي وفقاً للنجوم التي تراءت لي ليلاً كانت نحو الشمال، والمسافة التي قطعتها وفقاً لمسير ناقتي تدل على أننا ما زلت في جزيرة العرب، ومع كل ذلك لم أكن واثقاً من وجهتي، فالكارثة قلبت الموازين رأساً على عقب، فقد تغيرت معالم البلاد كثيراً، ومن يدري ربما انقلبت خارطة الأرض بشكل مغاير لما كانت عليه قبل الكارثة.

وصولي وناقتي إلى المورد الثاني بصعوبة ومشقة

شارفت على الهلاك وبدا على ناقتي التعب والأعياء، ولكنها فجأة بدأت ترزمُ وتحنُّ بصوتها ولكنها لم تتبول، هل ذلك علامة على وصولنا للمورد الثاني، ولماذا لم تتبول هذه المرة، هل كانت غير واثقة بالوصول إلى موردها الجديد، هل اختلاف البيئة المحيطة بنا أثر على ناقتي فجعلها مترددة في تعرفها على موردها الثاني الذي تدربت على ارتياده مرات عديدة، لم انتظرها كثيراً بل نزلت مسرعاً وبحثت عن بئرنا الجديد وسرعان ما وجدته، فشربت وروّيت لناقتي لتشرب، وجلست استريح، فعادت بي الذاكرة سريعاً لتلك الأيام الغابرة… وتحديداً لذلك اليوم الذي توجهنا فيه نحو بلدة هود التي لم نصلها بسبب ورود أخبار الصراع الدموي في العاصمة عوبار ..

الملك عاد بن عرّاد وتسليم الحكم

تحققنا من الأنباء سريعاً فتبين لنا أن الملك عاد بن عرّاد أراد أن يريح نفسه من أعباء الحكم بعد أن شعر بكبر سنه، وبناءً على مشورة ونصيحة كبير الكهنة عتّاب بن سجّاح فقد قرر التنازل عن العرش لأحد ولديه (إما الابن الأكبر شدّاد أو الابن الأصغر جذاذ)، وبعد تداول الأمر مع المجلس الاستشاري للعائلة قرر الملك عاد التنازل عن العرش لابنه الصغير جذاذ واستبعاد الابن الكبير شدّاد، لأن الأمير جذاذ يتصف بسلوكه الحسن ودماثة خلقه وميله للعدالة كما أن الرعية ترتاح لهذا الأمير، أما الأمير شدّاد فيتصف بالغلظة والجبروت والطغيان والظلم مثله مثل أبيه الملك عاد ابن عرّاد.

وأنا في الحقيقة أميل شخصياً للأمير الشاب جذاذ، فقد كنت على اتصال مباشر بالقصر من خلال عمي الذي كان يعمل مستشاراً هناك، وكنت أمقت الأمير شدّاد فهو رجل متعجرف وطاغية، بعكس عمي الذي كان يميل للأمير شدّاد ويرى فيه الرجل العربي القوي الذي سيدّعم حكم العرب أكثر فأكثر، خاصةً وأن عمي يرى أن سلطة العرب بدأت تضعف وتتضعضع في الآونة الأخيرة.

ابنا الملك عاد في صراع حول استلام الحكم

ولمّا سمع الأمير شدّاد بقرار المجلس الاستشاري العائلي جمع أعوانه وعلى رأسهم مساعد كبير الكهنة قيّال بن عيّار العدو اللدود لكبير الكهنة عتّاب بن سجّاح، فسيطر الأمير شدّاد على القصر الملكي ودور الحكومة فوراً، فهب الملك الأب عاد ابن عرّاد وابنه الأمير جذاذ ومن معهم من الحاشية الملكية لمجابهة شدّاد، فحدثت مواجهات دامية استمرت ليوم كامل نتج عنها مقتل الأمير الطيب جذاذ وكبير الكهنة عتّاب بن سجّاح وفرار الملك الظالم عاد ابن عرّاد إلى جهة مجهولة مع من سانده من أبناء الأسرة الحاكمة، فنصّب الأمير شدّاد نفسه ملكاً على البلاد بدلاً عن أبيه وضبط العاصمة وبقية البلدان، وقام الملك شداد بمكافأة مساعد كبير الكهنة قيّال بن عيّار بتعيينه كبيراً للكهنة.

استلام شداد الحكم نقمة أم نعمة؟

استبشر الكثير بالانقلاب الحاصل في العاصمة ورأوا في الملك الجديد شدّاد بن عاد ملكاً شاباً قوياً قادراً على ضبط حكم مملكتنا المترامية الأطراف التي تشمل كافة أجزاء المعمورة من كرتنا الأرضية، أما أنا والأستاذ عيّاد فقد امتعضنا من ذلك وتوقعنا الأسوأ، فالأستاذ عيّاد مثلي كان على درايةً واسعةً بسيرة الملك الجديد شدّاد، فهو يرى فيه رجلاً متهوراً قد يقود البلاد نحو الهاوية بسبب تعصبه الشديد للعرب عامةً ولقبيلتنا خاصةً، فالملك الجديد شدّاد يرى في قبيلتنا سلالة تختلف عن بقية البشر جميعهم بمن فيهم العرب، مما سيثير حفيظة القبائل العربية الأخرى إضافة لباقي الشعوب.

نعم … لقد بدأت أتوقع الأسوأ، فالأخبار الواردة إلينا من العاصمة عوبار دفعتنا لإلغاء رحلتنا البحثية والعودة سريعاً نحو الديار، نتج عن أحداث الانقلاب الكثير من الدمار في العاصمة وفرار الملك السابق عاد بن عرّاد مع بعض أفراد الأسرة الحاكمة نحو جهات مختلفة ليبدأ البحث المحموم عنهم، وكان هناك العديد من الإعدامات الميدانية لبعض أفراد الأسرة الملكية ومن تعاون معهم من العرب وغير العرب.

عدنا سريعاً نحو الوادي على ظهور الجمال، فوجدنا في انتظارنا أحد مساعدي الأستاذ عيّاد بطائرته الأثيرية الخاصة، الذي أعاد لكل واحدٍ من المجموعة زر كفه وسواره الأثيريين، فعدنا لحالتنا السابقة وركبنا المركبة الأثيرية وتوجهنا فوراً نحو العاصمة عوبار. لما دخلنا العاصمة كانت آثار المعارك لا تزال ظاهرة للعيان، فقد استخدمت الأسلحة الفتاكة بشكل مفرط، دخلت إلى المنزل فاستقبلتني أمي بلهفة شديدة والدموع في عينيها، فقد حاولت الاتصال بي مراراً وراقبت حركتي من خلال الزر الكفي ولمّا لم استجب لها ازداد قلقها واضطربت كثيراً. تم إزالة آثار الدمار الناتج عن المعركة سريعاً وعادت عوبار كما كانت مدينة تعج بالحياة والنعيم، وعدت للجامعة لاستكمال دراستي، وهنا بدأت أتكلم وأتحاور كثيراً مع المحاضر عيّاد ومع كل من حيرا وحيران.

شخصية وأعمال الملك شداد

إن إعادة السيطرة على العاصمة ومن ثم على البلاد من قبل الملك الجديد شدّاد بن عاد أحدث تغييرات كبيرة في المملكة، فالملك الجديد شدّاد بن عاد أظهر حزماً وإرادة قويتين في إدارة البلاد، وأراد أن ينجز أعمالاً يتجاوز بها ما أنجزه أجداده السابقون جميعاً، ولكنه كان شديد الظلم مولعاً بالعمران وجمع الكنوز من الذهب والفضة والأحجار الكريمة.

فالملك السابق عاد بن عرّاد بالرغم من تسلطه إلا أنه كان نمطياً لأبعد الحدود، فهو لا يحب التغيير ويركن دوماً للحالة التي وصلت إليها البلاد ودرجت عليها، أما الملك الجديد شدّاد فصار يركز على الأمور التي تظهر عظمة ملوك عاد، بل أراد التميز عنهم جميعاً، فشرع ينشر الألعاب في كل مكان.. سباق الخيول وصراع الديوك وسباق الهجن ومبارزة الرجال.. لقد أشغل البلاد في طولها وعرضها بهذه الألعاب، ثم بدأ يتفنن في تزيين المدن وإنشاء المنتزهات في كل مكان حتى في البحار، حيث أنشئ العديد من الجزر الاصطناعية على سطح الماء والعديد من المنتزهات تحت سطحه.

الطول الفارع لأبناء عاد هو ميزة منحتهم التعالي والتكبر

استمر الملك شدّاد في سياسة جده الملك عرّاد وأبيه الملك المخلوع عاد في المحافظة على الميزة الجينية التي تتميز بها قبيلتنا (قبيلة عاد)، والمتمثلة في الطول الفارع المتناسق، فأطوالنا تزيد بمقدار لا بأس به عن أطوال بقية العرب والشعوب الأخرى، وهذه الميزة يتم المحافظة عليها من خلال زرع مورثات في أجسام أطفالنا دون السابعة لتمنحهم طولاً أكبر من طول أقرانهم من أبناء العرب وبقية الشعوب، فيشب الطفل ليصبح عند اكتمال رجولته أطول من غيره، وهذه الميزة (ميزة البسطة في الجسم) منحتنا الثقة بالنفس والتعالي على بقية العرب والشعوب الأخرى، فطولنا الفارع حتم علينا النظر من الأعلى نحو الآخر، فكان لذلك أثره في نفوسنا ونفوس الآخرين.

الدفن في السماء هو ميزة أخرى ابتدعها الملك شداد

ولكنّ الملك شدّاد بن عاد ابتدع ميزة أخرى لقبيلتنا تختلف تماماً عن ميزة الطول الجسماني، وهي دفن الموتى في السماء بدلاً من دفنهم في باطن الأرض، فالأحداث الأخيرة نتج عنها اغتيال ابنه الأكبر الذي لم يتجاوز العشرين من عمره، فحزن لذلك حزناً شديداً، ورفض دفن ابنه في التراب الذي يطأه البشر بسبب جبروته وتكبره، ولشدة حبه لابنه رغب في المحافظة على جسده ليستطيع رؤيته متى أراد، فطلب من العلماء ابتكار طريقة لذلك، فأخبروه بإمكانية تحنيط جسد ابنه على منوال تحنيط الطيور الذي كان منتشراً في بلادنا، فالكثير من الناس يحنطون بعض الحيوانات الثمينة كالطيور وغيرها لغرض الزينة في قصورهم ومنتزهاتهم.

إلا أن الملك شدّاد لم يكتفِ بالتحنيط وحده بل طلب ألا يُدفن ابنه في غياهب الأرض التي يطأها البشر، فطلب من علماء الفضاء ابتكار طريقة لوضع التابوت في السماء (أي دفنه في السماء بدلاً من الأرض)، فاعتمد علماء الفضاء على حسابات انعدام الجاذبية ودفعوا بتابوت ابن الملك نحو الفضاء ليدور في فلك محدد بدقة، وكان الملك يستطيع رؤية جثمان ابنه في أي وقت يشاء، كما أن دفع الجثمان نحو الفضاء حمى جسد ابنه المحنط من الغازات المنتشرة في الأرض والمتغلغلة بتربتها والتي تؤدي لتحلل أي شيء يقع في طريقها، فصارت ميزة الدفن في السماء بدلاً من الأرض إحدى الميزات التي تمتاز بها قبيلتنا عن بقية البشر، وهذا الأمر جعلني أناقش أستاذي عيّاد مطولاً في ذلك، فتوصلنا لنتيجة مفادها أننا نسير نحو الهاوية والأدهى من ذلك أننا نسحب البشرية بكاملها معنا نحو المصير المجهول. كل ذلك جعلني أفكر أكثر وأكثر بذلك الرجل المسمى هود وبما يدعو إليه من نبذ لهذه التقنيات البغيضة التي أوصلتنا للحضيض، ومن ثم رفض التعبد لتلك الآلهة المزعومة والعودة لعبادة الله كإله واحد أحد فرد صمد.

التمرد على حكم الملك شدّاد

بدت البلاد وكأنما تسير نحو الهاوية، وهذا ما عبر عنه الأستاذ عيّاد في أكثر من لقاء بيننا، وفعلاً حدث ما توقعه أستاذنا، فقد بدأ الفارون من أفراد الأسرة الحاكمة يشكلون في المناطق البعيدة خلايا للتمرد على حكم الملك شدّاد بن عاد، وساعد على ذلك عدة عوامل أهمها ظلمه اللامتناهي وبطشه بقومه وأفراد عائلته ومصادرتهم واضطهاده للعرب والشعوب الأخرى على حدٍ سواء، وأبناء الشعوب من غير العرب وإن كانوا بعيدين عن سدة الحكم، إذ لا يمكن لأي منهم أن ينافسنا على كرسي الملك، إلا أنهم كانوا يمتازون في عهود ملوكنا السابقين بحقوق لا تكاد تختلف عن حقوق قبائل العرب الأخرى، فحريتهم وكرامتهم كانت موفورة، أما الآن فيتعرضون لاضطهاد شديد بسبب حملات التفتيش المحمومة عن الفارين إليهم من الأسرة الحاكمة، فإذا ما آوت إحدى المدن واحداً من هؤلاء الفارين فإن العقاب الجماعي سيحل بكامل المدينة ويحيلها قاعاً صفصفاً.

وملكنا الجديد شدّاد كان مهووساً بالكنوز، مما أضاف عاملاً جديداً للظلم والقهر الممارس على بقية الشعوب، فقد سخر كافة الإمكانيات المتاحة للبحث عن الكنوز واستخراجها، فسُعار البحث عن الذهب والفضة دفعه لاستغلال كافة التقنيات الأثيرية من التصوير الجوي والبحث المخبري وآليات الحفر الضخمة، وكل ذلك في سبيل استخراج الكنوز وتجميعها في العاصمة عوبار.

عدت للدوام في الجامعة، وعاد الأستاذ عيّاد لمحاضراته التي ركز فيها على انتقاد الأوضاع الجديدة التي وصلنا إليها على يد الملك شدّاد محذراً من خطورة التغييرات الجديدة، ولولا انتماء المحاضر عيّاد لقبيلة عاد لصار في خبر كان منذ بداية حكم الملك شدّاد، فقد بدأ محاضرته في أحد الأيام بقوله: لا أعلم إلى أين سنصل في هذا الأمر مع مليكنا الجديد.

منعكسات بذخ الملك شداد على الواقع الاقتصادي والاجتماعي

فقالت حيرا: ولكن يا أستاذ إن عظمة عاد تجلت بما قام به الملك شدّاد، انظر لروعة ما وصلنا إليه من العمران والتقنيات، فالملك نقلنا إلى عظمة أكبر من العظمة التي كنا نعيشها.

فقال الأستاذ عيّاد: إن ما يقوم به مليكنا له منعكسات على الواقع الاقتصادي والاجتماعي، فترف الملك شدّاد وبذخه المفرطين وإسرافه في العمران سيؤدي حتماً لإفلاس خزائن الدولة وبالتالي فرض ضرائب جديدة على المواطنين، وهذه الضرائب وإن كانت عادلة وموزعة على جميع رعايا الدولة بما يناسب دخلهم الفردي، إلا أن ذلك سيرهق الشعوب الأخرى أكثر من العرب وسيرهق العرب أكثر من قبيلتنا، فنحن ما زلنا نمتلك القوة والسلطة والمال، وفرض ضرائب جديدة لن يشعرنا بالإرهاق مثل بقية الشعوب كالهنود والصينيين والروس والأفارقة وغيرهم …. وهؤلاء حتماً سيتململون وستبدأ نار الفتنة والقلاقل تستعر من تحت الرماد، خاصةً بوجود من يغذيها أمثال الملك السابق عاد بن عرّاد وأعوانه، فتلك الشعوب كانت تهاب العرب عامة وقبيلتنا خاصةً، ولكن تواجد رجال من قبيلتنا بين تلك الشعوب ممن شقوا عصا الطاعة على الملك شدّاد سيغريها حتماً بالثورة العارمة ضدنا.

التمرد على الحكم أمر حتمي لإنهاء الظلم والطغيان

فقلت: هذا يعني أن تلك الشعوب مؤهلة للثورة ضدنا في أية لحظة.
فقال المحاضر عيّاد: نعم يا جراح هذا ما أخشاه، يجب أن يقوم ملكنا شدّاد بتغييرات سياسية واجتماعية كبيرة وجريئة … منها إشراك بقية العرب والشعوب الأخرى في شؤون الحكم، بل لا بد من أن نذهب لأبعد من ذلك، يجب أن تقرر تلك الشعوب مصيرها في الحكم الذاتي تحت سلطة ملوكنا من بني عاد، ويجب أيضاً إلغاء التمييز العرقي وعدم تفضيل قبيلتنا على باقي الناس من عرب وغيرهم.

فقال صمّاد ضاحكاً: يشاركوننا في الحكم ويقررون مصيرهم، هذا مستحيل.
فرد الأستاذ عيّاد بحزم: نعم إن السلطة تركزت بيدنا لأن قبيلتنا ورثت العلم السابق الذي أنتج حضارات ما قبل الطوفان، كما أن بنية أجسامنا القوية وطولها الفارع لعبت دوراً في ذلك، فنحن نحمل صفات جسمانية جيدة، فشعرنا الأسود الفاحم والمسترسل، وطولنا الفارع، وجسومنا الممتلئة المتوازنة، وامتلاكنا للعلوم التي نتج عنها التقنيات الكبرى التي ننعم فيها الآن، وفوق كل ذلك دماثة أخلاق أجدادنا وحسن تعاملهم مع الأقوام الآخرين مما جعل شعوب العالم بأكملها تدين لهم وتقبل حكمهم، إلا أن ملوكنا المتأخرين ومن يلف لفيفهم من قبيلتنا استكبروا وتعالوا على تلك الشعوب واضطهدوها بطريقة أو بأخرى، والآن وبعد ما صدر عن ملكنا الجديد شدّاد من أفعال هوجاء وما فعله أبوه الملك المخلوع من قبله، فإن تلك الشعوب ستصل حتماً لمرحلة الغليان وبالتالي الثورة العارمة.

فيديو مقال الجزء 5 من روايـــــــة //عـــــوبـــــار// تـــألــيـــف: // زيــد العــرفـــج//

 

أضف تعليقك هنا