الدافعية والتحفيز في إدارة الموارد البشرية

بقلم: صبا محمود حسين عودة

مقدمة 

في حديث أبي ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: “من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أزْيَد، ومن جاء بالسيئة فجزاءُ سيئةٍ سيئةٌ مثلها أو أغفِرُ، ومن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئاً لقيته بمثلها مغفرة” رواه مسلم.

وفي هذا الحديث الشريف حث واضح وصريح للإنسان المسلم على الأعمال الصالحة واكتساب الحسنات وأن مقابل كل عمل حسن هناك أضعاف من الأجر. وفي هذا دافع كبير للاستمرار والسعي والمثابرة حتى ينال الإنسان الحسنات المضاعفة وبالتالي رضا الله عز وجل والفوز بالجنة.

ومن هذا المنطلق نجد أن الدافع القوي لدى الإنسان والتحفيز نحو تحقيق هدف معين يضمن للمؤسسة ولرب العمل سير العاملين باجتهاد ورغبة للتحسين ولأداء الأعمال بالشكل الأمثل مما يرفع من كفاءة العمل ويحقق الرضا لدى العاملين.

لا شك أن المورد البشري من أهم الموارد، فهو المحرك الأساسي لعجلة التنمية وللحراك الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والمعرفي، وإدارة المورد البشري تتطلب القدرة على القيام بالعمل الذي يضمن بدوره جودة العمل، فإن للعنصر البشري دوراً حاسماً في قيام المؤسسة وبقائها ونموها والمساهمة في تطويرها.

كما أنه محدد أساسي لموقع المؤسسة ومكانتها وهو الذي سيمكن المؤسسة من تحقيق الميزة التنافسية، ومواجهة التحديات المختلفة وذلك من خلال ممارسة أبعاد القيادة التنموية عملياً، والعمل علي التطوير الفردي والجماعي من خلال حث العاملين وتحفيزهم لتحقيق المصلحة العامة والتي تتمثل في أهداف المؤسسة وغاياتها ورؤيتها وصولاً الي تحقيق الرضا الوظيفي للعاملين والذي يُعد العنصر الرئيسي في نمو وتطور وبقاء المؤسسات.

الــدافــعـية 

نجد أنه من الملحوظ تساوي العديد من الأفراد في الخبرات والمهارات وربما أيضاً في الإمكانات والقدرات لإنجاز عمل معين، إلا أنه قلما يتساوون في الأداء والإنتاج. ويرجع ذلك إلى تفاوت الرغبة والدافعية لإنجاز هذا العمل أو ذاك. وهذا هو الدافع، فالدافع كما ذكره الموسوي (2020) هو قوة داخلية لدى الإنسان توجهه للتصرف من أجل إشباع حاجة معينة لديه، إذ أن عدم إشباعها يحدث بداخله توتراً معيناً، وقد تكون هذه الحاجة داخلية (منبه) مثل الجوع، أو خارجية (حافز) مثل الترقية.

وعرفت عامر (2023) الدافع بأنه القوة التي تتواجد داخل الشخص وهي السبب في دفعه لسلوك ما، ويكون هذا السلوك مرتبط بالوعي الداخلي لهذا الفرد بحيث يصبح فيما بعد أكثر نشاطاً في أداء ما تم تشجيعه به في أي مجال كان، فهو مرتبط بشكل مباشر باحتياجات الأفراد.ومن التعريفات السابقة يمكن القول بأن الدافعية هي عبارة عن مجموعة من القوى الداخلية لدى الفرد والتي توجه سلوكه نحو تحقيق الأهداف.

التحفيز 

إن كثيراً من الأعمال لا تحتاج إلى مهارات متقنة لأدائها، بقدر ما تحتاج إلى دافعية وحماس يحققان معا الكمال المنشود؛ وهذا كله يمكن أن يصنعه “التحفيز”.  فالتحفيز كما يراه با عبد الله (2013) عبارة عن وظيفة الأغنياء، والذين هم أغنياء المشاعر والنفوس، فلا تزدحم أوقاتهم عن إطلاق إشادةٍ بعمل ما، أو رسم ابتسامة على الوجه توحي بالإعجاب.

وتعرف عامر (2023) الحوافز بأنها مجموعة من المؤثرات الخارجية التي تؤثر إلى إثارة دوافع الفرد الداخلية سواءً الجسمية أو النفسية. أما الموسوي (2020) فقد عرف الحافز بأنه مؤثر خارجي يؤثر في سلوك الإنسان، مثل (المرتب، المكافأة، الطعام). ويشكل حاجة غير مشبعة، تخلق عدم توازن لديه، وتدفعه لسلوك معين، بهدف إشباع هذه الحاجة.

أي أننا يمكن أن نعرف الحافز بأنه ذاك المؤثر الخارجي والذي يدفع الفرد نحو الحصول على هدف محدد يرغب فيه.

العلاقة بين الحافز والدافع 

الدافع ينتج عن منبه داخلي وقوى نابعة من الشخص ذاته وإن كانت تتحرك بمؤثر خارجي، أما الحافز فهو المؤثر الخارجي الذي يسعى الفرد للوصول إليه. وبذلك فإن وراء كل دافع حافز خارجي من البيئة الخارجية ومنبه داخلي لدى الفرد منبثق من رغباته الشخصية وكلاهما يوجهان سلوك الفرد لتحقيق الهدف.

كما يمكن تقسيم الحوافز إلى حوافز مادية كالمكافآت والأجور والهدايا وغيرها وحوافز معنوية كالثناء والتقدير ورسائل الشكر، ويمكن أن تكون إيجابية كالترقية أو سلبية كخصم من الراتب.

أيضاً تعتبر الحوافز من المثيرات التي تؤدي إلى إثارة الدوافع الداخلية سواء الجسمية أو النفسية، بينما الدوافع هي حالة داخلية جسمية أو نفسية تثير سلوك معين لدى الفرد. بمعنى أن الدافع محرك لسلوك الفرد بينما الحافز هو محرك للدافع.

والدافعية تترافق مع الإنسان وتعتبر وقود نجاحه، تنقله من نجاح إلى نجاح، وكلما ارتفعت دافعيته زاد عمله وتحسن أداؤه وعاد هذا بالنفع على المؤسسة وعلى عجلة الإنتاج وجودة العمل.

الدافعية والتحفيز وإدارة الموارد البشرية 

القائد الفاعل يمتلك تخيل ورؤية واضحة لأهداف الفريق وما الذي يتوجب فعله لتحقيق تلك الأهداف. ولا يقوم القائد بتوجيه رؤية المؤسسة فحسب، بل ينقلها ويشرحها للآخرين لتحفيزهم ودعمهم للقيام بمهامهم بشكل صحيح. وكذلك، يوفر القائد البيئة المناسبة لموظفيه لمساعدتهم على الأداء بأفضل ما لديهم. ويمكن تشبيه القائد بمدرب الفريق، فهو من يوزع المهام على العاملين ويضعهم في الأماكن الملائمة لقدراتهم، تمامًا كما يضع المدرب خطة ويقرر تشكيلة اللاعبين للمباراة. وبمعرفة نقاط القوة لدى كل موظف واستثمارها في المكان الصحيح، سيحقق الفريق أفضل النتائج.

ولتحقيق أفضل نتيجة لهذا الاستثمار البشري في العاملين، فإن أفضل الطرق تكمن في إثارة دافعية العاملين وتحريك رغباتهم الداخلية باستخدام التحفيز بأنواعه المختلفة. مما يجعل أهداف ورؤية ومصلحة المؤسسة أهدافاً شخصية لديهم، يسعون لتحقيقها لنيل الحوافز ماديةً كانت أو معنوية، فالفرد لطالما كان بحاجة إلى الثناء والمدح والإطراء والإشادة بحسن أداءه أياً كان منصبه أو مكانته الاجتماعية.

المؤسسة والعامل

شعور العامل أنه جزء من المؤسسة وإقناع كل عامل في المؤسسة أنه عضو مهم وبناء الشعور بالاحترام والتقدير للعاملين وإشعارهم بأنك مهتم بهم وإشراكهم في تصورات الرئيس وطلب الأفكار من العاملين وإفساح المجال لهم لتحمل المسئولية. التشجيع على المبادرات الجانبية وربط العلاوات بالإنجاز الجيد للعمل وتقييمه وتذكيرهم بها، أيضاً التفاعل والتواصل مع العاملين وتشجيعهم على حل مشاكلهم بأنفسهم ونزع الخوف من قلوبهم وتذكيرهم بضرورة الإخلاص في العمل وتكرار ذلك.

بالإضافة إلى تحري إقامة العدل فيما بينهم واستخدام عبارات الشكر والعمل على تحفيزهم وإثارة دافعيتهم والتي تتجلى بالشعور بنقص معين إذا لم يتم تحقيق الأهداف بنجاح، بينما في حال تحققها فبذلك يتحقق الإشباع. وبذلك كله، تكون الحاجة نقطة البداية لإثارة الدافعية والحفز إلى سلوك معين يؤدي إلى الإشباع وينشأ الدافع نتيجة وجود حاجة معينة لدى الفرد. ولكي يكون نظام التحفيز وإثارة الدافعية فعال، ينبغي توجيه الحوافز للأداء الجيد وتنمية السلوك المرغوب واشراك الأفراد في وضع نظام الحوافز كما ينبغي توفر القدوة الحسنة، إذ إنها أساس نجاح نظام الحوافز.

القائد الفاعل والمحفز

كما ينبغي على القائد الفاعل والمحفز تجنب بث الخوف والرهبة من المؤسسة، حيث أن هذا الأمر يلعب دوراً مؤثراً في إعاقة التحفيز وتثبيط الدافعية لدى العاملين، بالإضافة إلى عدم وضوح الأهداف، وقلة التدريب والتحفيز، والنقد الدائم للعاملين وتوجيه العبارات السلبية لهم، وحجب بعض المعلومات المهمة والتي يمكن أن يكونوا بحاجتها عنهم، أيضاً فإن تكوين توقعات غير واضحة عن أداء الموظفين، وعدم العدل بين الموظفين من الأمور التي تعيق التحفيز الهادف لتحسين جودة الأداء.

وفي المقابل، فإن هناك عدداً من العوامل التي تعمل على المساعدة في التحفيز ولإثارة الدافعية لدى العاملين، ومنها:

  • بناء الشعور بالاحترام والتقدير للعاملين وإشعارهم بأنك مهتم بهم.
  • إشراك العاملين في التصورات الرئيسية ورسم الخطط ووضع الأهداف والتصورات العامة والمشاركة في طرح الأفكار من قبل العاملين وإفساح المجال لهم لتحمل المسئولية.
  • التشجيع على المبادرات الجانبية وربط العلاوات بالإنجاز الجيد للعمل وتقييمه.
  • التفاعل والتواصل مع العاملين وتشجيعهم على حل مشاكلهم بأنفسهم.
  • نزع الخوف من قلوبهم وإشعارهم بالأمان الوظيفي.
  • تذكيرهم بضرورة الإخلاص في العمل وتكرار ذلك وحثهم على الصدق والأمانة والأخلاق العالية.
  • مراعاة احتياجات العاملين الجسمية والنفسية والاهتمام بإيجاد مكان عمل مريح وخلق جو نفسي إيجابي.
  • جعل سلامة وأمن وراحة العاملين من أولى أوليات المؤسسة، فهم المورد الرئيس لها وبنجاحهم تكون مؤسسة ناجحة.
  • استخدام عبارات الشكر والتقدير للسلوك الإيجابي والأداء المميز وتحديد هذا السلوك وتوجيه الشكر في الوقت المناسب.
  • تفويض العاملين بما يفسح لهم المجال لاكتساب الخبرة.

ولنجاح نظام التحفيز هناك عدة شروط، منها:

  • التنويع: هو أن تطبق المؤسسة أنواعا مختلفة من الحوافز.
  • العلانية: وهو إعلان الجزاء ايجابيا كان أم سلبيا على كافة العاملين.
  • تدريب المشرفين: وذلك بتدريب المسؤولين على إجراءات النظام.
  • الشمولية: بمعنى أن يشمل نظام الحوافز كل عمال المؤسسة وذلك حسب وظيفتهم.

وبمعرفة جوانب سلوك كل فرد من خلال صفاته يمكن اختيار الأسلوب أو نوع التحفيز الذي يناسبه سواء عن طريق الترغيب والثناء والشكر أو الترهيب والسعي لوقوفه جيداً على مستواه الحقيقي ليتولى اختيار الحل المناسب قبل أن يتولى الآخرون ذلك. ومن المهم أن نعرف أنه ينبغي لنا أن نفرق بين أن نحفز الناس لمصلحة العمل فقط ، وبين أن نحفزهم صادقين معهم راغبين في الخير لهم وساعين للارتقاء بمستواهم نحو الأحسن فالله أمرنا بالصدق ونهانا عن الكذب، كما ينبغي الحذر من أن نكيل المدائح كذباً وخداعاً فحتى لو كان لهذا الكذب مصلحة أنية، فإن الضرر منه آتٍ لا محالة، ولو بعد حين.

المراجع  

  • الأتربي، شريف. (2021). الدافعية، التحفيز، الرغبة، والقدرة في الحياة والتعلم. https://www.al-jazirah.com/2021/20210816/ar6.htm . تاريخ الاطلاع 22/4/2023.
  • الأكلبي، عايض. (2021). القيادة الفعالة المحفزة بالمنظمات ودورها في زيادة الإنتاجية. المجلة العربية للنشر العلمي. ع (35). ص-ص (306- 329).
  • الحويطي، حكمت وأبو النور، محمود ومحمد، صلاح. (2020). دور القيادة التنموية في تنمية أداء العاملين في المؤسسات المحلية الحكومية بمصر. مجلة البحوث والدراسات البيئية. ع (10). ص-ص 526-537.
  • الموسوي، علي. (2020). السلوك التنظيمي، الفصل الرابع. كلية الكوت الجامعة، قسم إدارة الأعمال.
  • با عبد الله، عبد الكريم. (2013). التحفيز ضرورة!. https://ar.islamway.net/article/17715/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B2-%D8%B6%D8%B1%D9%88%D8%B1%D8%A9 . تاريخ الاطلاع 22/4/2023.
  • عامر، لينا. (2023). الفرق بين التحفيز والدافعية. https://ar.almlf.org/post/357279 . تاريخ الاطلاع 22/4/2023.

بقلم: صبا محمود حسين عودة

 

أضف تعليقك هنا