التفكير العلمي في النحو العربي

متاز كتاب “التفكير العلمي في النحو العربي: الاستقراء – التحليل – التفسير” لمؤلّفهِ د. حسن خميس الملخ، و الصادر عن دار الشروق عام 2002 بالتنظيم المنهجي الدّقيق حيث يتسلسل في موضوعاته بدقّة.

إذ يتألف من فهرس و مقدمة و تمهيد وثلاثة فصول و خاتمة و قائمة المصادر و المراجع؛ تتوزّع في (240) صفحة. ينتمي هذا الكتاب الى علم النّحو في مستوى “التنظير النّحوي” لا تصنيف الأبواب النحوية و سرد القواعد. و يتقاطع مع علم الفلسفة خاصّة في الابستمولوجيا التي تنظر في المعرفة و كذلك فلسفة العلوم التي تركّز على ‘النشاط العقلي’ و طبيعة التفكير العلمي.

مقدمة الكتاب

يتطرّق المؤلف في المقدمة للتفكير العلمي و يصِفه بالأنتقال المنهجي المعلّل المدروس بين جزئيات القضية العلمية أو الحياتية الواحدة. أي أن هذا التفكير ينطلق من تحديد المشكلة و جمع البيانات و تحليلها و تفسيرها و تعميم النتائج. و يُلمِح الى أن التفكير العلمي ينطبق على النحو العربي اذ ظهرت مشكلة النحو و ضرورة تقعيد قواعد العربية؛ فحدّد العلماء العينة الأولى (القرآن الكريم) ثم العينة الموسّعة (كلام العرب) و استخدموا اساليب التحليل العلمي في فرز المسائل و الأبواب و صياغة القوانين و القواعد.

فكان نتاج عملهم النحو بشقيه: (أ) التقعيد: وسيلة انتاج القاعدة و منهج دراستها و تفسيرها و هي الجزء المتغيّر من النحو (ب) القاعدة: الناتج الثابت لعمل التقعيد يستند الى وصف الواقع الثابت من الاستعمال اللغوي الصحيح.

التمهيد – خط البداية: التفكير العلمي في النحو العربي

انطلق في “التمهيد – خط البداية: التفكير العلمي في النحو العربي” تحت عنوان “اضاءات على مفهوم التفكير العلمي“. يقرُّ ابتداءً بأن مصطلح التفكير العلمي مصطلح ادراكي نستشعر معناه دون أن نستطيع تحديده بدقّة؛ فمن يحل مسألة نطلق عليه تفكير علمي، و من يحل مشكلة نسمّيه تفكير علمي.

ربط د. فؤاد زكريا التفكير العلمي بسمة محددة و هي”أن يكون منتظماً” بمعنى الانتقال المنظم من فكرة الى أخرى. و ينبع التنظيم من ترابط الخطوات بأن تُسلِم خطوة الى التي تليها اقتصاءً أو استلزاماً. أنّ ‘التفكير’ قرين التفسير بمعنى البرهنة يتكىء على محسوسات نقليّة أو مدركات عقليّة أو كلاهما.

مالمقصود بالتفكير العلمي؟

و تُنسب كلمة ‘علمي’ الى العلم و هو قوانين تجريديّة لانتاج المغرفة مثل قوانين النحو. فالتفكير العلمي لا يعني الصواب المطلق بل التّعامل المنظم مع الملاحظات و القوانين بحيث لا تناقض الفكرة العلمية المشاهدة و الخبرة. اذ ينبغي أن يتصف التفكير العلمي بصواب المنهج و صواب المعلومة أيضا.

الفرق بين التفكير العلمي والبحث العلمي

و يختلف التفكير العلمي عن البحث العلمي من حيث أن الأول مشاع بين البشر لا يستلزم بالضرورة تأهيلاً علمياً يتطلب التعليل و البرهنة. أما البحث العلمي فهو تفكير العلماء و الباحثين في مشكلة محدّدة بهدف ايجاد حلّ عملي لها. و لأن التفكير العلمي أوسع من البحث العلمي، عنّوَانَ كتابهُ “التفكير العلمي في النحو العربي” ليكون دراسة استكشافيّة في الجانب النّظري المنهجي من النحو العربي.

بنية التفكير العلمي

ثمّ نظر في “بنية التفكير العلمي” التي تتطلّب أ- مشكلة البحث ب- باحث عنها وفق منهج علمي. و قد حدّد هذه البنية بشكل هرمي: قاعدتها الاستقراء، و واسطتها اساليب التحليل، و ذروتها التفسير. حيث يدور الاستقراء في فلك الوصف و يؤدي التحليل الى التقنين و التقعيد، و يأتي التفسير بنظرية عامة.

الاستقراء

أكد على أن ” الاستقراء” يحدِّدُ المشكلة و يتّعرف عليها من خلال ملاحظتها. فقد تكون الظاهرة كبيرة ما تتطلّب عينة معبّرة بحيث يكون الجزء حاملاً لصفات الكل كأن نحلّل جزءً من دم المريض لا كلّه. و أكد بضرورة اتصاف الباحث بالتأهيل في جمع العينة و تحليلها. و أكد بأن هذا ما انطبق على النحو العربي؛ اذ أنه لم يولد اعتباطاً بل برزت مشكلة حُلّت بتقنين النحو حيث أخذِت عينة موسّعة من لسان العرب وفق منهج مؤطّر بمكان و زمان، و تمتّع الجّامع و المحلّل بالتّأهيل العالي.

التحليل

أشار تحت عنوان “التحليل” أن هدف الدراسة أهم محدّد لأساليب التحليل. و بما أن العينة اللغوية خليط معقد فلابد أن يأتي ‘التضييق’ الذي يبدأ من العام الى الخاص و بهذا وضع النّحاة أقسام الكلمة ثم صنّفوا الأسم و الفعل و صنّفوا الجملة و غيرها. و لا يكون التضييق عشوائياً بل يجمع ما أتلف في صفة ما أي هو فرزٌ قائم على الاتفاق لا الافتراق. و هذا يتطلب معرفة الصفة و تحديدها بدقة، و يرتبط بالتعرف على الصفات المشتركة ضرورة تعميم النتائج على المادة الكاملة لا العينة المُستقراة. فالتعميم مدخل بناء القاعدة التي لابد أن تخضع للاختبار.

و تستمد هذه القاعدة قوتها و مصداقيتها من (أ) الصياغة العلمية و التي تأخذ طابع التمثيل الرياضي الرمزي و الفن التجريدي (ب) الموضوعية بحيث تعبر عن صدق المحلل لا هواه (ج) التنظيم المنهجي أي الاتساق على نخو منظم.

و يرى “التفسير” فرع الادراك نقلياً أو عقلياً حيث يأخذ صورة دائرة تتّسع شيئاً فشيئاً تبدأ بالجزئيات و بعد تعميمها و اختبارها و الوثوق من قدرتها التفسيرية يبنعى عليها نموذج عام ‘نظرية’. يُشترط ثلاثة شروط للنظرية الملائمة للظاهرة: ١) ان تكون النظرية نتيجة منطقية لتحليل الظاهرة 2) ان تشتمل على قوانين عامة مشتقة من الظاهرة 3) ان تكون قابلةً للاختبار التجريبي أو الملاحظي. ثم يتناول في “علميّة النحو العربي” صفة ‘العلميّة’ بانها لا تخضع للهوى و اختلاف الأذواق و الخرافة.

خصائص العِلم عند تمام حسّان

و ذكر خصائص العلم عند تمام حسّان؛ و هي: الموضوعيّة و الشمول و التجريد و التّماسك و الاقتصاد. و أضاف لها خصيصتين هما: (أ) البرهنة أي تقديم البراهين على صحة العلم (ب) تكوين اطار نظري مرجعي للعلم أي نظرية. و أشار في “التفكير العلمي و مناهج البحث” أن لا تعارض بين بنية التفكير العلمي و مناهج البحث.

و ركّز على نموذجين من الدراسات النحوية؛ أحدهما قديم من روايات تقعيد النحو العربي الموروثة مثل النّص الذي يُنسب الى علي بن أبي طالب الذي فيه قسّم الكلام العربي الى اسم و فعل و حرف؛ و هذا فعل استقراء لعينة من كلام العرب ثم تصنيف و فرز على أساس الصفة المشتركه. و الآخر، جديد مستحدث مثل استقراء د. نهاد الموسى في ضوء اللسانيات الحاسوبيّة مواقع(الواو) و صنّفها و قنّنها و عمّمها.

التفكير العلمي بين المعرفة والتنظير

ناقش في “التفكير العلمي بين المعرفة و التنظير” مسألة كيفية دراسة التفكير العلمي في النحو العربي مع أن منهج البحث العلمي أولاً منهج حديث و ثانياً هو منهج غربي نظّر له و أصوله فلاسفة الغرب. و يرى أن في الأول تهمة الاسقاط و في الثاني جهل الذات الحضاريّة. اذ أننا هنا في منطق اعادة الاكتشاف فقد تتحقق المعرفة من غير ان يصر باطارها التنظيري النظري ثم يأتي منْ يصوغها في شكل منهجٍ أو نظريةٍ مع أنها كانت متحققة قبلاً. لقد كان التفكير العلمي في العالم الأسلامي معروفاً عند الفلاسفة فاستعملوا المنطق الأرسطي، و اشترطوا التجربة و البرهان و اتبعوا اسلوب الملاحظة و الوصف و التحليل ثم القياس و الاستخلاص.

المنهجية العلمية في التفكير

اذن،يمكن ان تكون المنهجية العلمية في التفكير ادراكاً سابقاً على التنظير له. و تسائل تحت عنوان “العقل العلمي.. هل كان الأناء فارغاً” عن امكانية نسبة نشأة النحو العربي الى العقلية العربية المسلمة بمعزلٍ عن التّأثر بالمناهج السابقة و التجارب الناجزة مثل النحو اليوناني! فهل كتاب النحو الناضج في القرن الثاني الهجري جاء فجاءةً دون سابق مثال؟ و هل كان العقل غافلاً ثم استيقظ مع الاسلام؟

المحاولات النحوية السابقة

يؤكد على ظهور محاولات نحوية سابقة مثل محاولة عبد الله بن ابي اسحاق الحضرمي (735)، و عيسى بن عمر (766)، و ابو عمر بن العلاء (770) و هي بمثابة الطريق النوصلة الى الانحاز الناضج في كتاب سيبويه (796).يبدو ان العقلية العلمية قديمة شكّل الاسلام حافزها على الابداع في كل العلوم. لقد ابدع العرب في الجاهلية في الجزيرة العربية و الهلال الخصيب (حضارة اليمن و الشام و العراق).

اذن بداهةً، العقل لم يكن فارغاً لأن العقلية العلمية موجودة و لكنّها احتاجت لحافز كي تنطلق، فتمثّل هذا الحافز بالاسلام. و من هشاشة جعل النحو العربي في نشأته ظلاً للنحو اليوناني، ان الاكاديون العرب زاحموا السومريين في بلاد العراق و أنشأوا النحو و دعوا الطلبة لحفظ القواعد و المصطلحات اللغوية و الأدبية، و هذه حضارة سابقة على حضارة اليونان.

أصول النحو والبحث عن نظرية علمية للنحو العربي

أشار في “أصول النحو و البحث عن نظرية علمية للنحو العربي” الى ان العلوم عند المسلمين مستفادة من الحواس و من العقل (السماع و القياس). و قد استعار النّحاة هيكل علم أصول الدين مرجعيةً لهيكل نظري في النحو العربي خاصة القياس، فالنحو كلّه قياس. و قد بُحث السماع و القياس كثيراً و وضعت لهما ضوابط و قواعد أصولية. و أشار الى قلّة الكتب في علم اصول النحو مثل كتاب ‘الخصائص’ و ‘لمع الأدلة’، و أكد بعدم ظهور نظرية في النحو رغم اداركها.

نظرية النحو العربي

ثم تسائل “ما نظرية النحو العربي؟” فوجّه الى أن طريق بناء نظرية النحو يكون في البحث عن المنهج الذي يقف خلف تقسيم النحو الى أبواب. و أشار الى أن عدم ظهور محاولة ناضجة في تكوين نظرية في النحو العربي الى الاقتصار على نظرية العامل، و الالتباس لسبب تعلمي بين ‘التقعيد’ وسيلة الانتاج و ‘القاعدة’ مادة الانتاج، الانبهار بكتاب سيبويه و غيره. و أعاد التركيز على “جناحا الموروث النحوي” و هما: (1) القاعدة… النحو: وسيلة توصيف الصواب في التعبير. (2) التقعيد… نظرية النحو و مناهجه: وسائل انتاج القاعده و تفسيرها منفكة عن القاعدة.

و ذكر في “البناء و المهندس… المعرِب و النحوي” ان معلمي النحو بمنزلة المعربين الذين يتقنون صنعة الاعراب أما النحوي يدقق في القاعدة و كأنه يختبرها لمعرفة صوابيتها في الصياغة و التطبيق. و بذا، لدينا صنفين من المشتغلين بالعربية: معربون اي مختصون بالنحو، و نحويون أي مختصون في نظرية النحو.

أنماط النحو

أقر في” النحو و التطور” بحقيقة أن اللغة كائن حي و ان القاعدة النحوية ظلّ اللغة فلابد ان تساير القاعدة التغير الطارىء على اللغة نظرياً. و قد حدّد نمطين من النحو: (1) النحو المتغيّر: النظام النحوي الذي تستجيب قواعده لما يطرأ من تغيّر في استعمال اللغة من الناحية النحوية مثل الأنظمة النحوية في الانجليزية (2) النحو الثابت: النظام النحوي الذي يكون الأصل في قواعده المبنية على الوصف و الاستقراء عدم الاستجابة لما يطرأ من تغيّر في استعمال اللغة من الناحية النحوية.

حيث تخضع القاعدة النحوية لاعادة نظر في اساليب تقعيدها لا في ذاتها؛ و هذا مثاله قواعد العربية فهي مرتبطة بالقران الكريم ثابتة. و يشير الى الى الخلط بين اللغة الفنية (الفصحى) التي تعبر عن وجدان الأمة في ميادين الحياة و اللغة الايصالية التي تستخدم أداة للتواصل السريع بين المتخاطبين في نطاق محدود.

اذ يتجه العربي الى الفصيحة في السياقات الرسميّة؛ و بذا فان اللهجات تفرّق و النحو الموروث يوحّد. لقد جعل تساوق التراث الغربي الاسلامي مع قواعد النحو العربي حعل التطور محدوداً حيث يتمثّل التّغير في بروز ظاهرة أو اخرى مثل وقوع المفعول لاجله بعد فعله او اقتراح مسميات جديدة مثل نائب الفاعل بدلاً من ‘فاعل ما لم يسم فاعله’.

الوحدة اللغوية

و لفت الى فكرة أن الوحدة اللغوية في التراث شجعت الأدباء الى استحضار رموز الماضي مثل استحضار الروائي نجيب الكيلاني شخصية عمر بن الخطاب في رواية “عمر يظهر في القدس”. اذ كانت اللغة جامعة في الحوار بين عمر و شخصيات الرواية في العصر الحديث، و هذا يختلف عن استحضار شخصيات تاريخية لا تجمعها اللغة مثل نبوخذ نصّر الذي لا يتكلم العربي فيلجأ الأدباء الى استحضار دلالات الشخصية لا لغتها ايضا.

خاتمة التمهيد

فالنحو يفرض سلطان قواعده على المتحدثين بالعربية و الكاتبين بها. و يختم التمهيد في “سؤلات الدراسة” بوضع السؤال الرئيسي في الدراسة و الذي ينظر الى بنية التفكير العلمي على انها فراغات او خانات تملؤها العلوم المختلفة بما يخفظ التوازن. و يتمثل السؤال في: كيف تدرج نحاة العربية في صرح النحو العربي في تفكيرهم العلمي من المواضعات النسبية للاستقراء الى استخلاص نظرية تفسيرية بعد سلسلة من احراءات التحليل العلمي؟

و تنبع تساؤلات فرعية هي: (1) هل توجد خطة منهجية اهتدى بها علماء العربية؟ (2) ما مواصفات جامع العربية؟ (3) ما مواصفات صاحب اللغة الذي تؤخذ منه اللغة؟ (4) ما دور مؤسسة الدولة في مشروع بناء النخو؟ (5) كيف فرزت المادة اللغوية التي تمّ استقراءها؟ (6) ما نتائج الفرز؟ (7) ما أسس النظام التفسيري الذي استنتجه النٍحاة؟ و عرض سريعاً للدراسات السابقة في هذا المجال لان المعرفة تراكمية لا تبدأ من الفراغ. و وضع أخيراً في صفحات (48 – 51) هوامش توثّق اقتباسات في التّمهيد.

الفصل الأول: الاستقراء النحوي

يرى المؤلف بما أن الاستقراء لا يكون دون مقدمات وجَب النّظر في الواقع النحوي في الفترة السابقة على نشأة النحو العربي لمعرفة أسبابها. يؤكد في “الصواب النحوي في العصر الجاهلي” على أنه عاش في الجزيرة العربية في العصر الجاهلي أحباش و فرس و روم و يهود و غيرهم الى جانب العرب. اذ كانت مكة و يثرب حواضر التفاعل اللغوي بين العربية و غيرها.

و كان العرب يتاجرون في الشام و العراق و اليمن؛ فيحدث تفاعل لغوي بينهم و أهلها. هذا يعني * تواجد عناصر غير عربية بين العرب في جزيرتهم * مخالطة العرب غيرهم اثناء التجارة * كما لم تكن الجزيرة لسان واحد؛ اذ توجد عربية حمير الجنوبي التي تختلف عن عربية قبائل الوسط أو الشمال مثل قريش.

كيف يتعلم غير العرب العربية؟

و هنا يتسائل: كيف يتعلم غير العرب العربية؟ و ما تأثير وجود غير العرب في أبناء العرب الناشئة؟ و كيف فهم أهل الشام و العراق و فارس كلام العرب؟ ثم أنه يتعلم العبيد العربية من خلال مخالطتهم للعرب؛ و هولاء لن يصلوا الى درجة عالية من الدقة في التعبير اللغوي دفعة واحدة أي سيلحنوا.

فلا يمكن للطفل العربي الذي ينشأ بين الجواري غير العربيات أن يصحح أخطاء الجواري اللغوي أي سيكتسب منهن لغته. و لهذا، كان يرسل العرب أبناءهم الى البادية لتعلم العربية. و لكن لا يستلزم ذلك أن يعود الأبناء بفصاحة كاملة لأن الفصاحة درجات. اذا، ارسال الابناء الى البادية حلاًّ لتسكين المشكله لا انهاءها.

ظاهرة المعلمين والكتّاب في الجاهلية

و توجد ظاهرة في الجاهلية هي وجود المعلمين و الكتّاب و توجد مدارس لذلك، و هذا لا يعني وجود مرجعية نحوية واحدة لهم جميعاً لأنها جهود فردية و ليس مؤسساتيّة. اذ لم تنضج بعد دواعي تأسيس النحو. كما تميّز العرب عن بعضهم بالفصاحة و البلاغة بدليل تفضيل قريش الوليد بن المغيرة في معرفة الشعر و الفصاحة و المفاضلة التي كانت تجري في الأسواق الأدبية. يدل اختلاف اللهجات العربية في العصر الجاهلي في بعض الجوانب النحوية على وجود مشكلة نحوية على مستوى اللسان، لكنها لم تكن مشكلة مؤرقة عالجها العرب باللغة المسيطرة عند التواصل بين القبائل.

تنقيح الشعر

و كان الشعراء ينقحون اشعارهم من الأخطاء فمنهم من يستغرق الحول كاملا في ذلك. و هذا بالمحمل يعني وجود نشاط لغوي في الجاهلية يتمثل في التفاعل اللغوي بين قبائل العرب و غيرهم، و وجود تفاوت في الفصاحة و البلاغة، و تعدد اللهجات، و وجود المعلمين و مراكز التعليم، و الحرص على السلامة اللغوية للناشئة، و الحرص على سلامة الأداء من الأخطاء و استعمال اللغة المسيطرة. فلم تظهر الحاجة الملحة لنشأة النحو العربي رغم وجود اللحن. أكد في “الصواب النحوي في عهد الرسول صلّ الله عليه و سلّم” على ارتباط اللغة العربية بالاسلام بشكل وثيق حيث نزل القران بها فأصبحت لغة دين عالمي. تحدّى القران الكريم قدرة البشر في الاتيان بمثله، و هذا ما فشلت به قريش و غيرها.

أهمية اللغة العربية

و قد كانت العربية لغة قبائل فأصبحت مع الاسلام لغة كيان سياسي موحد يسعى لحمايتها. و نتج عن هذين التحولين مسألة الكتابة حيث أمر الرسول عليه السلام بتعليم أسرى بدر عشرة من المسلمين الكتابة و القراءة. و هذا ما يدل على حرص الاسلام و رسوله على الكتابة و القراءة التي وسيلتها اللغة العربية. لم يكن المسؤولين عن التعليم بالأصل معلمين؛ فكل منهم اجتهد بخبرته الشخصية.

ثم أن تعليم الكتابة تتطلب ملحوظات نحوية مثل عدم تنوين الممنوع من الصرف ما يفتح باب التفكير النحوي مثل الواو الزائدة في عمرو و الالف الفارقة في جمع المذكر السالم و غيرهما. يُنسب الى الرسول عليه السلام احاديث تحض على فضل العربية و الأعراب و اصلاح اللسان و هي أحاديث لم تصح أو ضعيفة. و لكن لماذا وضعِت؟ ألا يدل وضعها على التشنيع على المتساهلين بمقاييس الصواب اللغوي. و هذا يدل على وجود اللحن و لكن ليس كظاهرة سلبية متفشية.

لماذا كان النحو سهلاً أيام الرسول صلى الله عليه وسلم؟

و يرجع عدم تقعيد النحو أيام الرسول عليه السلام الى أن حدود الدولة الاسلامية لم تصل الى الاختلاط بغير العرب بشكل كبير ما يستدعي التقعيد. في “الصواب النحوي في عهد الخلفاء الراشدين و الأموي“، برزت المشكلة اللغوية أمام الخلفاء بسبب اتساع رقعة الاسلام و بداية استقرار الدولة الاسلامية و بناء حضارتها، و برز التصور الديني للعلاقة بين الاسلام و العربية. و هما اضافة الى التحولين السابقين سبب نشأة النحو.

ما هو سبب نشأة النحو؟

يرى أن الزعم بأن اللحن هو سبب نشأة النحو هو رغبة المؤرخين اضفاء النقاء المطلق على العربية قبل اللحن رغم انه في الحقيقة كان موحودا. و يرى نشأة النحو ضرورة من ضرورات تدعيم الدولة الاسلامية بعد استقرارها و اتساعها و دخول غير العرب في دين الله افواجاً بدليل ربط نشأة النحو بمجمله بشخصية الخليفة او الامير او الوالي. و قد رافقت نشأة النحو الدراسات اللغوية الأخرى اذ اتجه عبد الله بن عباس الى المعاني و الدلالات؛ فأنتج التفسير اللغوي للتراث، و اتجه أبو الأسود الدؤلي الى المباني و التراكيب.

فريق العمل اللغوي

و قد شكّل الدؤلي فريق عمل لغوي منهم عنبسة الفيل و ميمون الأقرن و نصر بن عاصم و عبد الرحمن بن هرمز و يحيى بن يعمر. و كانت الدولة الأموية تدعم هذه الجهود من أجل حماية اللغة العربية الفصحى. أشار في “رعاية العباسيين نحاة العربية” الى اشتهار العباسيين بحب العلم و دعم العلماء حتى عمّرت قصورهم بعلماء الدين الاسلامي و علماء اللغة. استحضر الخلفاء العباسيين علماء العربية مثل الكسائي و الفرّاء و الأصمعي و اليزيدي و المازني و ابن السكيت و المبرج و ثعلبا و غيرهم. بل أدّب بعضهم أبناء الخلفاء.

من الذي أمر بجمع أصول النحو؟

و قد أمر المأمون الفرّاء بجمع أصول النحو و ما سمع من العرب و هيأ له ما يعينه على هذه المهمة فانتج كتاب (الحدود) فيه ابوابا نحوية مضبوطة تماما. لقد مرّ تاريخ المسألة اللغوية من العصر الجاهلي الى القرن الثالث الهجري في العصر العباسي بمنهجية علمية حافلة قائمة على الاستقراء و التحليل و التفسير لأنها توجهات أمّه و ليس مجرد أفراد. رأى في “الاستقرار النحوي” أن الاستقرار حكم على كلي لوجوده في أكثر جزئياته.

هدف الاستقرار النحوي في العربية

فهو تتبع منهحي لجزئيات ظاهرة تتبعاً استقصائياً. و هو نوعان هما: كامل و ناقص. يتطلب الاستقراء مستعمل مؤهل في شيء ما استعمالا مناسبا أي يشترط الاستقراء ان يكون الشيء المستعمل فيه الوسيلة قابلا للتأثر بهذه الوسيلة و ان يكون المُستعمِل ناضجاً مؤهلاً و يكون الغرض قابلاً للتحقيق. يقر في “هدف الاستقرار النحوي في العربية” بأن العربية أصبحت من لوازم الاسلام فكان الهم الأساس هو سلامة القران الكريم في بنيانه اللغوي.

و هذا يلزم أن يكون الاستقراء منهجياً منطلقاً من النص القراني ذاته. فيكون هدف الاستقراء هو تقنين نحو للعربية يتوافق مع عربية القران الكريم التي كما يراها الأوائل العربية الفصحى الجامعة. و يرى المؤلف أن القران لا يمثل لغة قبيلة معينة؛ ففيه ظواهر صوتية و صرفية و نحوية و اسلوبية من عدة لهجات عربية كلها شاف كاف مثل ما الحجازية و ما التميميّة. و لهذا، انطلقت الدراسات النحوية من معنى واحد واضح و مفهوم لتقنين نحو واحد واضح و مفهوم يمتاز بواحدة من مميزات النص القراني؛ و هو أنه جامع موحد. اذ من الخطأ تقعيد كل لهجة على حدة.

نواة الاستقراء: العينة الأولية

يشير في “نواة الاستقراء: العينة الأولية” الى أن تحليل نواة بشكل أولي يسبق تحديد العينة في الاستقراء، و قد كانت النواة هي القرآن الكريم حيث كان اللغويون الاوائل من قرّاء القران. و قد نتجَ من تحليل النواة الأولية (1) القران نص عربي في لغته (2) القران نص معرِب اعراباً مطّرداً؛ يطّرد فيه رفع الفاعل و نصب المفعول به و جرّ المضاف اليه (3) ثمّة ظواهر تركيبية غير مطّردة في القران مثل لغة أكلوني البراغيث (4) القران ثابت بالنقل الصحيح عن رسول الله عليه السلام تلقّاه وحياً.

استبعد اللغويون على أساس هذه المادة اللغوية الاحتجاجيّة لغات القبائل المجاورة لغير العرب لأن لغتها تتأثر بلغتهم، و استُبعدت على هدي النتيجة الثانية اللهجات العربية التي تساهلت بالأعراب و أخلت به كلهجات أهل الحضر عامةً. و حصر اللغويون و النّحاة على هدي النتيجة الثالثة البحث عن شواهد تؤيد الظواهر التركيبية الغير مطّردة في القران.

و اهتم اللغويون على هدي النتيجة الرابعة بصحة الشواهد النحوية؛ فالشاهد الموضوع ليس حجّة. اذن، شكّل نص القران الكريم و سماته النحوية و التركيبية أساساً لتحديد حجم العينة الموسعة و ضبطها في الأستقراء النحوي. و بهذا، استبعدت استعمالات نحوية متعددة. اذ أن الغاية هي تقعيد النحو للعربية و هذا العمل هو تقعيد لعربية القران الكريم فقط؛ و هذا ما يتضمّن مسعى لتوحيد الأمة الاسلامية على نحو القرآن.

مادة الاستقراء: العينة الموسّعة

أقر المؤلف مجدّداً في “مادة الاستقراء: العينة الموسّعة” بأن القران هو اساس منهجي اهتدى به جامعو العربية في تحليل مادة ضخمة من الشعر و الأمثال و الحكم و الخطب. و استُشهِد بقبائل مثل قيس و تميم و أسد و كنانة و الطائي.. الخ. و هنا، وجّه المؤلف الى ضرورة دراسة الجغرافية النحوية في كتاب سيبويه أو ‘كتاب معاني’ القران للفرّاء أو ‘المقتضب’ للمبرّد. تناول في “الاستقراء النحوي في ضوء الاستقراء العلمي” عدة محاور هي: 1- درجة الدقة التي تتناسب طردياً مع رغبة الباحث في الحصول على نتائج دقيقة، فكلما كبر حجم العينة كانت النتائج أدق.

التجانس بين نواة العينة (القران) و العينة الموسّعة

و قد تحققت درجة الدقة حين كانت النصوص المنتجة بالقواعد و القوانين التي اكتشفها النّحاة مماثلة في بنيتها التركيبية و الصرفية لنصوص عينة الاستقراء بسبب الحرص على التجانس بين نواة العينة (القران) و العينة الموسّعة. اذ لم يضع النحاة النتيجة قبل المقدمة لأنهم استقراءوا عينة لغوية واسعة جداً.

وضع نموذج نحوي

أما وضع نموذج نحوي (نحو القران) فقد أفاد في صياغة نموذح نحوي موحد لا يمكن الا به تقنين نحو لهجات متباينة مثل لهجة حمير و لهجة تميم علاوة على تعذر تقنين كل لهجة على حدة. فنحو القرآن كنموذج أساس كان هادياً لتقنينٍ موحّدٍ. 2- درجة التعميم: فكلما كبرت العينة زادت موثوقية تعميم النتائج. و قد سافر اللغويون و النحاة الى مواطن القبائل لمعاينتها في بيئتها و تسجيلها عملياً. 3- التباين: ان التباين ظاهرة طبيعية فمن المحال عدم وجود تباين مقبول في تمثلات الظاهرة، و هذا ظاهر مثلا في التباين بين ما الحجازية و ما التميميّة. 4- النجاح في الاختبار: تطابق نتائج تحليل العينة مع نتائج تحليل عينة أخرى شرط ‘علمية’ الاستقراء.

و هذا يكون مثلاً باختبار النتائج على نصوص لم تدخل العينة لكنها تمثّل الظاهرة نفسها. و من مظاهر تحقّق هذا عند النّحاة، أنهم لم يذهبوا الى الجزيرة العربية دفعةً واحدةً بل دفع متتالية أي تمّ الاختبار و استطلاع العينة على فترات و هذا ما استمر حتى بعد سيبويه. 5- كفاية الاستقراء: يتعذر الاستقرار التام للظاهرة اللغوية. فقد تكون العينة اللغوية من راوٍ واحد فقط لأن أي راوي يحمل فيما يرويه سمات النظام اللغوي للجماعة اللغوية كاملةً.

الشاهد النحوي

و يبقى التباين في حدود الوصف الايجابي. اما في تقنين النحو العربي كان عالي الدقة فقد استمع اللغويون و النحاة من جمعٍ غفيرٍ من اعضاء الجماعة اللغوية ما يمنع الكذب أو الوضع. كما أن المدة الزمنية بين باحث و آخر (الدّؤلي 69 – الفراهيدي 175) طويلة و كافية للتّوثق من دقة المادة التي شملها الاستقراء لتبدأ بعدها مرحلة صياغة القوانين التفصيلية للظاهرة. يرى أن هدف “الشاهد النحوي” هو الاستشهاد به على صحة القاعدة النحوية.

العصمة اللغوية

و تتوزّع القاعدة تجاه هذا الهدف في نوعين 1- القواعد النحوية العامة مثل رفع الفاعل 2- القواعد النحوية التفصيلية التي تبحث في تفصيلات دقيقة للظاهرة اللغوية قد لا تكون شائعةً مثل حذف صاحب الحال. تتواتر القواعد العامة فلا تحتاج الى الشاهد بينما تنْدُر القواعد التفصيلية فتفتقر للشاهد. و يرفض المؤلف في هذا السياق تحوّل مادة النحو العربي الى مادة في دراسة الشواهد. يتعرض تحت عنوان “العصمة اللغوية” للجماعة اللغوية بصفتها مجموعة من الناس تتداول لغة مشتركة في كل مستوياتها.

التباين اللغوي بسبب تزايد أفراد المجموعة

و كلما زاد عدد أفراد المجموعة زاد احتمال ظعور التباين اللغوي الذي قد يأخذ شكل لهجات ضمن اطار اللغة الجامعة. و قد يؤدي هذا التباين الى تموّن لغة أو لغات جديدة مثل اللغات السّامية. و كلما زاد عدد أفراد المجموعة زاد احتمال ظهور عيوب النطق، فيكون السليم و المعوق. كما يتفاوت الأفراد في صفاتهم العقلية و الخلقية ما يؤثر على الظاهرة اللغوية. و يؤدي العدد الكبير الى صعوبة الاستقراء الكامل للغة. و يعني العدد الكبير عدم عصمتهم من الخطأ.

الشخصية العلمية لعلماء اللغة و النحو

لكن استحالة ان يجمعوا كلهم على خطأ واحد؛ فالخطأ فردي لا جمعي. حيث يسعى اللغويون و النحاة الى موثوقية الكلام بتلمس معيارية قواعده الجمعية.و احتاط النحاة على قوة قوانينهم من الانتقاد، فنصوا على وثاقة المسموع و فصاحته و سلامته و عربيته و قبولهم له. ان علماء اللغة ليسوا معصومين عن الخطأ و لكن نوضح أمرين: 1- انهم مصونون في عامتهم من الخطأ لأن من العلم القول بالقواعد المطّردة المنتشرة الكثيرة في العربية 2- يمكن أن يقع الخطأ بقلة في تخليل اللغة و تفسيرها. يتفق المؤلف في “الشخصية العلمية لعلماء اللغة و النحو” مع د. فؤاد زكريا في امرين حول شخصية العالم و هما: 1- توجد دائماً استثناءات 2- الصفات هي الحدّ الأدنى المشترك و لا يعني تحققها أن يصبح المرء عالماً بحق.

و هنا يطرح تساؤلات: هل نثق بما ينسبه المُشتغل الى العرب و العلماء من أقوال و أراء؟ هل نقر بالمعرفة اللغوية التي حصّلها ذلك المشتغل؟ هل كان المشتغلون بالبحث اللغوي ابرياء من تهمة التّحيز العلمي؟ و ناقش هذه التساؤلات كالاتي: 1- الموثوقية: أي براءة المشتغل بالبحث اللغوي من الكذب او الوضع. ان الاتفاق على توثيق شخص ما هو دليل يمكن الاطمئنان اليه و البناء عليه. فقد كان الدؤلي بصرياً ثقةً في الحديث و اللغة و النحو.

علماء العربية الذين كانوا يسمعون عن فصحاء العرب

و هذا ينطبق ايضا على علماء العربية الأخرين مثل الليثي و ابن أبي اسحاق و الفراهيدي و غيرهم الذين كانوا يرتحلون الى البوادي ليسمعوا من فصحاء العرب. 2- المعرفيّة: تؤكد كتب التراجم و السّير على سعة حفظ اللغويين و النّحاة و معرفتهم باللغة و غريبها و فصيحها و عليلها.

و لهم معرفةً واسعةً خارج اللغة و النحو كالفقه و التفسير و الحديث و التاريخ و الفلسفة و الرياضيات و غيرها. 3- الموضوعيّة: ان اهم سماتها (أ) اقصاء الخبرة الذاتية لان العلم وصف الأشياء و تقرير حالتها. و من برهان موضوعيتهم، أنهم أخرجوا أنفسهم من دائرة الوصف فكانوا يكتبوا: تقول العرب كذا و كذا و كأنهم ليسوا عرب عارفين بكلام العرب. (ب) التواضع و دليله شاهد اللغويين و النحاة لغيرهم في العلم بل جعلهم في مرتبة أعلى من أنفسهم اضافةً لزهدهم و تقشّفهم. (ج) الاقرار بعدم المعرفة عندما يجهل المرء بالاجابة، و هذا ثابت عنهم في الكتب. (د) التراجع عن الخطأ (ه) الاختلاف العلمي اذ اشتهر النحاة بمخالفتهم بعضهم بعضاً في الرأي أو التحليل أو التوجيه. (و) الروح النقديّة التي تحفزهم على مزيدٍ من البحث.

التحقق والاختبار

و ناقش اخر الفصل الاول في “التحقق و الاختبار” كيفية اطمأنان اللغويين الى استقرائهم و نتائجهم و هذا تمّ بطرق مختلفةٍ هي: 1- الشروح اللغوية للنصوص الأدبية حيث سيطر الاتجاه اللغوي في شرح اشعار العرب و خطبها. 2- مجالس العلماء التي كانت تُعقد في قصور الخلفاء كأنها مؤتمرات للمناقشة و المراجعة. 3- كتب الرّد حيث أُلفت كتب ترد على اللغويين و النحاة مثل كتاب رد ابن دستويه على كتاب العين للخليل الفراهيدي. 4- اختبار الاعراب: كان العلماء يتأكدون من سلامة الاعراب بالأخذ ممن وثقوا بسلامة لغتهم و فصاحتهم، و ترد نصوص متعددة يتحوط فيها العلماء من صحة الاعراب من خلال سؤال فصحاء العرب.(صفحة 97 – 104). يختم الفصل بهوامش  توضح الاقتباسات الموجودة على امتداد الفصل الأول

الفصل الثاني: التحليل اللغوي

يتداخل التحليل مع الاستقراء في الممارسة العملية، اذ امتد الاستقراء الى القرن الرابع الهجري و ظهرت ثمار التحليل في القرن الثاني الهجري، و لم يحدث دفعة واحدة. انّ “التحليل” تنظيم رياضي لمعطيات الاستقراء يفرزها بشكل هرمي من العام الى الخاص و من البسيط الى المركّب في مجموعات جزئية تنحل صفة صفة و مجموعة مجموعة بحيث تصبح الصفة المشتركة معيار رمزي. اذن، مادة التحليل هي الاستقراء و لكن نتائجه أكبر.

القسمة الثلاثية للكلمة العربية

تكمن الصعوبة في بناء العلوم في تحديد القاعدة المركزية للتحليل لأن العمل يبنى عليها. و لهذا، تعد القسمة الثلاثية للكلمة العربية: اسم و فعل و حرف أهم قاعدة تحليلية في النحو العربي، فهي المدخل الى عام النحو العربي. يؤكد في “اللغة وسيلة” بأن اللغة وسيلة يستعملها الناس للتفاهم؛ فهي اذاً وسيلة نفعيّة. و لذا، يُكره سجع اللغة أي استعمال اللغة لغير تحقيق شرط النفع بالتفاهم و التواصل؛ حيث يأتي السجع بمؤثرات كلامية لا تزيد في المعنى.

انّ نفع اللغة من جهة ‘المعنى’ فان كان السجع جزءً من المعنى فهو محمود و الا فهو مذموم. و ما دامت اللغة وسيلة تحقق النفع بالمعنى، فان النحو المبني عليها وسيلة تحقق النفع بالمعيار؛ فمعايير النحو ليست غايات بل وسائل لغاية: “الاستعانة على فهم معاني الكتاب و السنة و مسائل الفقه و مخاطبة العرب بعضهم لبعض” [الفاكهي].

الطريق إلى تقسيم الكلمة

ثم يشير في “الطريق الى تقسيم الكلمة” الى ان تنظيم الكلمات الكثيرة في اللغة هي الخطوة الاولى لبناء منظومة نحوية. و يُروى عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه أنه قسّم الكلام الى اسم و فعل و حرف؛ فالأسم ما أنبأ عن المسمى و الفعل ما أنبى به و الحرف ما أنبأ عن معنى و ليس باسم و لا فعل.

الخطوة الأولى في التحليل

اذن، كانت الخطوة الأولى في التحليل هي: تحديد ‘المعنى و الحركة أو الزمن’ ثم على أساسها جاءت الخطوة الثانية و هي التقسيم الثلاثي للكلمة العربية: اسم و فعل و حرف. يتطرف في “التمييز بالمعنى المفرد المستقل” الى أن المعنى المفرد المستقل لا يدل جزء لفظه على جزئه. اذ لا يتحقق معنى كلمة (حسن) الأ بتضام حرف الحاء و السين و النون على الترتيب، فلا يدل أي حرف منها وحده على معنى الكلمة ككل.

شروط المعنى المفرد

اذن، يشترط المعنى المفرد (1) وجود مجموعة حروف عربية (2) تحقق معنى من تضام مجموعة الحروف (3) استحالة تجزئة المعنى حسب الحروف. و يُستدل على المعنى المفرد بأحدى الطريقتين هما: 1- المعنى المعجمي: كل كلمة لها جذر في المعجم بالضرورة لها معنى.

الكلمات المستقلة بالمعنى

و من هذا، فان الكلمات المستقلة بالمعنى هي ‘الأفعال جميعها و معظم الأسماء’ لأن الافعال تكون على هيئة معينة و يمكن ردّها الى جذر في المعجم و هذا ليس لكل الأسماء. 2- المعنى الدلالي: تدل الكلمة في أصلها و وضعها و استعمالها على معنى مستقل؛ فتكون الكلمة دالاً، و المعنى مدلولاً عليه مثل الضمائر.

و لكن لا يتحقق هذا المعنى بصيغة معجمية لها جذر متفق عليه بل يتحقق بالاستعمال و التواطؤ. و مثلها الكلمات الأعجمية نحو: تشرشل و بكين.. الخ و هي أسماء. اذن، باستعمال التمييز بالمعنى المفرد المستقل تكون كلمات العربية على نوعين: (أ) ذات معنى مفرد مستقل، و تضم الفعل و الاسم (ب) كلمات ليست ذات معنى مفرد مستقل، و تضم الحرف.

التمييز بين الأسماء والأفعال

و هنا نحتاج الى معيار يميّز الأسماء من الأفعال. يرى في “التمييز بالمبنى الصرفي” أن المبنى الصرفي هيئة حاصلة للكلمات ذات المعنى المعجمي المفرد المستقل التي تضم الأفعال و معظم الأسماء. لاحظ النّحاة أن المبنى الصرفي يتحد في الدلالة مع الزمن تارة و ينفك عن هذا الاتحاد تارة أخرى.

فجعلوا الكلمات المتحد معناها بالزمن ‘أفعالاً’، و الكلمات المنفك معناها عن الزمن ‘أسماءً’. أي أن الطريق الى القسمة الثلاثية فيها محطتان: المعنى و المبنى الدال على الزمن. فتكون بهما القسمة رباعية كالاتي: (1) معنى + زمن، مثالها الفعل (2) معنى – زمن، مثالها الأسم (3) – معنى – زمن، مثالها الحرف. (4) زمن – معنى، ليس لها مثال بالعربية.

تقسيم الفعل بين المعنى و المبنى

أكد في “تقسيم الفعل بين المعنى و المبنى” على وجود كلمات تدل بمعناها المعجمي على الزمن مثل الغد، الأمس، اليوم و غيرها و هي غير مرتبطة بالمبنى. و هذه ليست افعالاً، فكان من الضروري البحث عن المبنى الملازم لااقتران بالزمن. فوُجِدَ عندئذٍ الوزن [فعل] و تصاريفه مع مراعاة حركة الفاء و العين التبديليّة. ذكر في “الطريق الى أقسام الفعل” أن الزمن: ماض و حاضر و مستقبل و لهذا حلّل النحاة زمن الفعل بناءً على هذه القسمة العقليّة للزمن. ت

أشكال زمن الفعل

بيّن النحاة من استقراء كلام العرب أن الزمن شكلين 1. يقع فيه تلازم بين المبنى الصرفي و الاقتران بالزمن مثل ضرب، يضرب، ستضرب على وزن فعل. 2. لا يقع فيه تلازم بين المبنى الصرفي و الاقتران بالزمن، فيتحد الشكل الصرفي مع تصريفين مختلفين من حيث الاقتران بالزمن؛ فكلمة (كاتب) في ‘ما كاتب زيد قصيدة’، مثل الأفعال و هي في ‘ما كاتب مخطئاً و هاديه الحجة’ منفك مبناها الصرفي عن الاقتران بزمن مع أن الكلمتين على وزن صرفي واحد. فالمبنى مؤتلف و الارتباط بالزمن مختلف.

اختلاف الآراء

هنا انتشر رأيان: 1. يشترط التلازم بين المبنى و الزمن للفعل دائماً، فاسم الفاعل يعد أسماً سواء عمل أم لم يعمل. 2- لا يشترط التلازم الدائم بين المبنى و الزمن في الفعل طالما أنه يعمل، فاسم الفاعل يعد فعلاً طالما أنه يعمل عمله. نشأت عدة مشاكل هي: (أ) تبيّن ان الفعل الدال على الحاضر و المستقبل قد يكون على مبنى صرفي واحد مثل الفعل ‘يفعل’ فهو صالح للحال و الاستقبال و تحدد جهة زمنه ملابسات السياق. (ب) تبيّن أن الفعل ‘ادرس’ يدل على زمن في حكم الاستقبال، و الفعل ‘سيدرس’ يدل على المستقبل. و يوجد فرق بين الفعلين في المبنى الصرفي و فرق في النجوز؛ فالأول، طلبي – انشاء و الثاني، طمع في شيء- خبر. (ج) تبيّن أن الفعل المضارع المعرب تتغير حركته و يكون في الجزم على حالتين 1. الأخبار ان سُبِق بأدوات الجزم باستثناء لام الأمر و لا الناهية.

2. الانشاء ان سُبِق بلام الأمر و لا الناهية. نستنتج اذن أولاً، يمكن للمبنى الواحد الدلالة على الحال أو الاستقبال. ثانيا، يوجد فرق دلالي في الفعل غير الماضي يتمثل بانقسامه الى خبر و انشاء. ثالثاً، لا يختص الزمن الحاضر بمعنى. رابعاً، مبنى الزمن الماضي و مشتقاته لا اشتراك فيه. لقد قسّم النّحاة الفعل بناء على هذه التحليلات الى (1) الماضي الذي يدل بمبناه على الزمن الماضي (2) المضارع الذي يدل على الحاضر و الاستقبال و هو شكلين [أ] المضارع الاخباري: و يكون في حالة رفع أو نصب، و شرطه في الجزم أن لا يقترن بلام الأمر أو لا الناهية [ب] المضارع الانشائي: يدل على طلب غير ناجز مجزوم بلام الامر و لا الناهية أو دال على الطلب دون أداة جزم، و هو “فعل الأمر” الذي يشتق من الفعل المضارع. و لهذا،يقول النّحاة:الفعل ماضي و مضارع و أمر. و هذا تقسيم غير متساوق بدقة مع القسمة العقلية للزمن لاحتمال دلالة المضارع على الحاضر أو الاستقبال.

تقنين العلامات

تقنين العلامات: تتميّز الأجزاء بعلامات فارقة ضمن انتماءها للكل. و في اللغة علامات تدل على أوضاع و مباني و معاني. حيث تدل الكلمة اعتباطياً على معنى ما تعارف عليه مستعملوا اللغة عرفياً. و لكن ائتلاف الكلمات لتشكليل المعاني المركبة ليس أمراً اعتباطياً بل هو مراعاة لازمة لضوابط و قوانين، فلا نقول مثلا: حضرَ زيدً، أو زيدٍ بل زيدٌ. لفت في “الطريق الى تقنين العلامات” الى اجتماع عناصر مشتركة ضمن مجموعة؛ فمثلاً [أخوك، أخيك، أخاك] تضم كلها عناصراً مشتركة تجتمع بمجموعة {أ، خ، ك}، و توجد فيها عناصر غير مشتركة هي المجموعة [و، ا، ي] أي توجد ثوابت و متغيرات.

موقع العلامة

ان وجود المتغيّر يتوقف على سبب يخص كل تغير على حدة، و هذا يشجع على بناء فرضية كبرى هي ‘المتغيّر علامة’. ثم يناقش “موقع العلامة“؛ فهي أول الكلمة و وسطها و آخرها. تكون علامات أول الكلمة: أولا، عارضة أي علامة لا تصلح أن تدل على حالة نحوية ثابتة مثل الواو في [وَقَف – قِف]. ثانيا، الملازمة مثل حروف المضارعة [تأتي] التي يبدأ بها دائماً الفعل المضارع فتدل عليه لا على موقعه. و تكون العلامات في درج الكلمة، عارضة لعلّة و سبب مثل حدف الألف من الفعل ‘عاد’ كما في [عُد – لم يعد] لسبب املائي شكلي عارض.

أنواع العلامات

و تكون العلامات في آواخر الكلمة نوعان: أولا، التصنيف المحايد و التي تدل على تصنيف الكلمة مثل دلالة الالف المقصورة نحو ‘فتى’ على الاسم المقصور و دلالة الياء لغير اضافة أو نسب نحو ‘القاضي’ على الاسم المنقوص. ثانيا، الاعراب و البنا، و هي علامات {الفتح، الكسر، الضم} و تظهر آخر الكلمة حسب الأثر الاعرابي؛ الفاعل – ضمة، المفعول- فتحة، اسم المجرور – كسرة. اذن، الاسم يفتقر الى العلامة التي تدل على موقعه الأعرابي. و يفتقر الفعل المضارع لحركة الفتحة أو الضمة و السكون آخره حسب موقعه الاعرابي، و يفتقر الفعل الماضي للفتحة و الضمة و السكون آخره حسب موقعه الاعرابي.

أسئلة حول العلامات الإعرابية

هنا تظهر ثلاث أسئلة هي: (1) هل ظهور العلامات ناتج عن تأثر الكلمة بعنصر سابق؟ (2) هل ظهور العلامات منفك من التأثر بعنصر سابق؟ (3) هل ظهور العلامات ناتج من التأثر بعنصر لاحق بالكلمة؟ تبيّن من استقراء كلام العرب أن [أ] الاسم يتمتع في آخره بعلامة تدل على تأثره بعنصر لغوي سابق في الكلمة. [ب] يتأثر الفعل المضارع بعنصر سابق في حالة الجزم و النصب. [ج] لا يتأثر الفعل الماضي بعنصر سابق في ظهور الحركة آخره. [د] لا يتأثر الأسم و الفعل المضارع بعنصر لغوي تالٍ لهما الا في العروض.

و يتأثر الفعل الماضي بعنصر لغوي تالٍ له كالاتي: 1. اسناد الفعل الماضي الى ضمائر الرفع المتحركة فيبنى على السكون مثل ‘قرأتُ، درسْتُم، فهمْنا’. 2- اسناده الى واو الجماعة فيبنى على الضمة مثل ‘ضربُوا’. اذن، فالأصل أن يتأثر الاسم و الفعل المضارع بعنصر لغوي سابق، و العلامة دليل التأثر، و الأصل عدم تأثر الفعل الماضي بعنصر سابق أو لاحق الا اذا كان العنصر اللاحق جزء من الكلمة. و لا يمكن أن يتأثر الاسم أو الفعل بمؤثرين واحد على يمينها و الاخر على يسارها في وقت واحد. و هكذا، نخلص الى أن الحالات الاعربية هي: (1) الرفع: الضمة، الواو، ألف الأثنين، واو الأسماء الخمسة، ثبوت النّون(2) النصب: الفتحة، الألف، الياء (3) الجر: الكسرة (4) السكون.

خواص الكَلِم

ميّز في “خواص الكلم” بين ثلاث أصناف للكلم هي الصحة و الاعتلال، الجنس و العدد. أبان في “الصحة و الاعتلال” أن التحليل النحوي يسعى الى تحديد درجة الانتظام للصوت او الحرف مثل انتظام حرف العين في تصرفاته الصرفية في الأسماء و الأفعال على عكس أحرف العلة [وقف – قف/ باع – بائع/ قال – يقول – قائل]. ظنّ النّحاة أن (أ، و، ي) حروفاً في كل أحوالها و هي في الحقيقة حركات طويلة. فرز النحاة الأسماء و الأفعال حسب معيار الصحة و الاعتلال، أما الحرف فالأصل أن الاشتقاق لا يدخلها.

معيار الصحة والاعتلال في الأفعال

أعمل النحاة معيار الصحة و الاعتلال في الأفعال في بنيتها المجردة و وصلوا الى الفعل الصحيح السالم و المهموز، مضعّف ثلاثي و رباعي، و الفهل المعتل الأجوف و الناقص و المثال و اللفيف المفروق و المقرون. ذكر في “الجنس و ثنائية المذكر و المؤنت” أن التذكير و التأنيث من صفات الأسماء فقط. تأتي صعوبة الفرز بين الأسماء المذكرة و المؤنثة الى وجود أسماء تحتمل الخيارين مثل ‘معاوية’ مذكرة في الاستعمال مؤنثة في الشكل، و الأسم ‘هند’ مؤنثة في الاستعمال مذكرة في الشكل

ثلاثة معايير للتمييز بين الأسماء المذكّرة والمؤنثة

. لذا، استعمل النحاة ثلاثة معايير للتمييز بين الأسماء المذكرة و المؤنثة هي:

  1. معيار العلامة: كل اسم مختوم بأحدى علامات التأنيث – التاء المربوطة و الالف و الالف الممدودة- فهو مؤنث.
  2. معيار المطابقة الحقيقية: المؤنث ما يتناسل، و المذكر خلافه مثل سلمى و وعد.. الخ.
  3. معيار الأشارة: ما يُشار اليه باسم الاشارة المذكر فهو مذكر مثل هذا القمر، و ما يُشار اليه باسم الأشارة المؤنث فهو مؤنث مثل تلك الشمس.

تمييز الأسماء بدلالة العدد

و بيّن في “تمييز الأسماء بدلالة العدد” أن الأسم يُقسم الى مفرد و مثنى و جمع. فما يعادل الرقم واحد فهو مفرد، و ما يعادل الرقم اثنين فهو مثنى، و ما يتجاوز ذلك فهو جمع. و قد فرز النّحاة الجمع الى نوعين هما (1) جمع التصحيح: يتحقّق بالصاق زائدة في آخره مثل جمع المذكر السالم في مسلم – مسلمون، و جمع المؤنث السالم في مسلمة – مسلمات (2) جمع تكسير: يتغيّر مفرده عند الجمع زيادةً او نقصاً او اختلاف الحركات مثل أسد- أُسُود، أُسُد، أُسْدٌ.

و أوضح في “الاختصاص بالأقتران” أنه لا يظهر معنى الحروف مثل [لم، لن، ان، كي، قد..] الا عند التركيب أي الأقتران بالاسم او الفعل. اذ حلّل النّحاة الحروف مثل تحليلهم للعلامات، فوجدوا أنّ قسماً كبيراً منها يقع على يمين الكلمة، و قسماً يقع على يسار الكلمة مثل التنوين و تاء التأنيث و نون التوكيد و هاء السكت.

الطريق إلى اكتشاف الجملة

بيّن في “الطريق الى اكتشاف الجملة” أنّ اكتشاف اقتران الحرف بالأسم او الفعل قاد النّحاة الى تحليل المركبات من خلال دراسة العلاقات النحوية التركيبية مهما بلغ طول التركيب. فاهتم النحاة بتحديد الحد الأدنى من الكلمات التي تشكل شكلاً تركيبياً له معنى متحقق بالتركيب ككل. فالكلمة لها معنى أساس نواته الجذر المجرد ثم تدخل عليه زوائد لمعان تفصيلية (المجموعة المشتركة لحروف الكلمة + زوائد)، و الجملة تركيب ثتائي يفيد معنى تمّ اسناده للأسم.

نواة الكلمة ونواة الجملة

أبان في “بين نواة الكلمة و نواة الجملة” أن حروف جذر الكلمة تدور مع تصاريفها مثل [قِف، وقف]. ففي الجملة يتحقق الاسناد الاتي (1) اسم + اسم = علاقة اسناد (2) اسم + فعل = علاقة اسناد (3) فعل + اسم = علاقة اسناد. ينبغي تقدير المحذوف منعا لانه جزء من نواة الجملة مثلما أن حروف الجذر جزء من نواة الكلمة. أي اعتماد الاسناد على ثنائية المسند و المسند اليه، و هو منهج علمي سليم لان الكلمة المفردة لا تدل على الفكر بل تدل على المعنى. و هكذا،يكون المسند و المسند اليه نواة الجملة تتحقق بهما الفكرة. اذ بعلاقة الاسناد،تتميز نواة الجملة عن شبه الجملة أو التركيب الاضافي اللذين لا يتحقق بهما الاسناد.

ثنائية الاسناد ونوعا الجملة

يوجد كما بيّن في “ثنائية الاسناد و نوعا الجملة” شكلان للأسناد هما (1) المسند + المسند اليه (2) المسند اليه + المسند. فهل هما متعادلين؟ هل يعادل [حضر زيد] اسناد [زيد حضر]؟ نفى جمهور النحاة التعادل بينهما لأن الشكل [حضر زيد] حملة مغلقة لا حذف فيها أما [زيد حضر] فهي جملة غير مغلقة نحوياً لاحتمال وجود عنصر ثالث نحو [زيد حضر أبوه] فهي غير مساوية للجملة الأولى. أوضح في “العمدة و الفضلة” أن جذر الكلمة {م، م أ} هو العمدة لان فكرة الجملة تعتمد عليه، و يسمى ‘فضلة’ ما زاد على المسند و المسند اليه. تشير الفضلة الى غير المقدّر في البنية النحوية الاعرابية للكلمة و ليس صحيحاً أنها فضلة في المعنى. بل قد تكون الفضلة العنصر الأهم في تحديد معنى الجملة نحو [و لا تقربوا الصلاة و أنتم سكارى] [النساء، 43].

الاسناد بين المجاز و الحقيقة

ثم أشار في “الاسناد بين المجاز و الحقيقة” أننا نسند الحضور الى زيد في جملة [حضر زيد]، و زيد قد يتّصف بالحضور حقيقةً. اما في جملة [ولد الهدى] فان الهدى لا يُولد، فالاسناد غير حقيقي. لذا، لا يشترط النحاة الحقيقة في الاسناد لانها علاقة شكلية لفظية بين المسند اليه و معنى يتصف به اتصافاً نحوياً على الحقيقة أو المجاز

وضع المصطلحات

أبان في “وضع المصطلحات” أن وضعها لازمة لنتائج فرز المادة المُستقراه وفق الصفة المشتركة. فلابد أن يضع النحاة اسماء يصطلخونها على نتائج عملهم. لم تُوضع المصطلحات دفعة واحدةً لأن الاستقراء لم يتم دفعةً واحدةً. لذا، تعددت المصطلحات التي تم تصنيفها في مرحلة التجريب التاريخي. يبدو أن المصطلحات الأولى في النحو انطلقت من الدلالة المعجمية للكلمة، فسمي الفعل باسم مدلول مدلوله، سُمي الحرف لأن الحرف في اللغة طرف الشيء و هو يقع طرفاً مما يعمل عليه أو لأنه ينحرف عن علامات الأسماء و الأفعال او لكثرة معانيه. و سُمي المبتدأ لأوليته، و الخبر يُسهل عند السامع المعنى المطلوب. و المصدر مكان الصدور فهو أصل المشتقات، و اسم الأشارة من الاشارة، و المستثنى من الأستثناء، و الحال من الدلالة على الشكل و الهيئة…الخ.

تعريف المصطلحات

أشار في “تعريف المصطلحات” الى أن حماية دلالة المصطلح و مجاله المعرفي تجعل من تعريف المصطلحات ضرورة علمية. و يستقر التعريف غالباً بعد نضج العلم و أسس صياغة المصطلحات. لهذا، تأخرت فترة صياغة تعريفات المصطلحات النحوية. أن أهم اشكال التعريف في القرون الأربعة الأولى هي

  1. التعريف بالمثال: اعطاء مثال دال على المصطلح.
  2. التعريف بالمعنى الوظيفي: ايضاح المعنى الوظيفي للمصطلح.
  3. التعريف بأصل التحويل: ايضاح تعريف المصطلح ببيان الأصل و التخويل عنه.
  4. التعريف بالضد: تعريف مصطلح بايراد ضده؛ اذ التعريف بأحد الضدين لا يثبت حقيقة الضد المقابل.
  5. التعريف بالخاصّية: الخاصية هي صفة متلازمة للشيء؛ و هي أحسن اشكال التعريف لأن “اللغة نظام من الخواص و العلامات”.

الخاصية في النحو

و يبدو أن الخاصية في النحو ثلاثة أشكال و هي (أ) خاصيّة المبنى: لا تنفك عن الشيء فتدور معه وجوداً و عدماً مثل تعريف الفعل المصارع أنه الذي يقع في أوائله الزوائد الأربع:أ – ت – ب – ن. (ب) خاصيّة الأقتران: اقتران الكلمة بعنصر لغوي على يمينها او يسارها اقتراناً خاصاً بواحد من أقسامها نثل تعريف الأسم بأنه يقبل الجر من يمينه و التنوين من يساره. (ج) خاصيّة الموقع الأعرابي: قد تدل على تعريف مدلول المصطلح ففي تعريف الأسم، الاسناد من خواصّه، فما يقع مسند اليه فهو اسم. (6) التعريف بالماهية: مثالها، أن الاسم هو ما دلّ على معنى مفرج، و يتميّز عن الفعل الذي يدل على معنى و زمان.

فوائد التعريف

هذا تعريف صعب ينطوي على ادراك ماهية الأشياء. و ذكر في “فوائد التعريف” فائدتين هما: (1) ‘الأستدلال’ أي أن يُستدل بشيء من تعريف المصطلح غوامض الكلمات. (2) التفريع أي تقسيم الصنف الى درجات و فروع و أصول حسب توافر الخواص التفصيلية فيها مثل ‘كان و أخواتها’ من الأفعال تتميز عنها ببعض الصفات.

الكليّات النحوية

اعتبر “الكليّات النحوية” الأحكام التي يسيري مفعولها في الباب النخوي كله مثل كل فاعل مرفوع و كل مفعول منصوب. [انظر: الجمل في النحو]. اذن، تتوزع طرائق تحليل قواعد النحو في محموعتين (1) مجموعة القواعد الكلية أو الكليات النحوية (2) مجموعة القواعد الفرعية التفصيلية. و هذا مسلك علمي و منهج تعليمي حميد، و لكن وقع بعض النحاة في خطأ الخلط بين الكليات و الجزئيات.

اتجاهات تشكيل المادة النحوية

رأى في “اتجاهات تشكيل المادة النحوية” أن مرحلة تشكيل هذه المادة بدأت على شكل محاولات في التأليف النحوي ختى تصنّف نتائج التحليل بين المسائل النحوية المتداخلة. هل نضع الحال التي تسد مسد الخبر في باب الحال ام باب الخبر؟ كيف تنظّم العلاقة بين نظام الكلمة (الصرف) و نظام الجملة (النحو)؟ كيف ترتّب أبواب النحو و مسائله؟ هنا بدأت التجارب. ظهر بدايةً التأليف النحوي قبل نهاية القرن الأول الهجري على يد ابو الأسود الدؤلي و نصر بن عاصم و عبد الرحمن بن هرمز. حيث وضعوا الكتب النحوية و وضعوا للنحو أبواباً.

فقد قيل أن لنصر بن عاصم كتاباً في النحو مفقوداً و لعيسى بن عمر كتابين ثم تلت هذه المرحلة تحربة سيبويه الناجحة في التأليف النحوي. تتمثل اتجاهات تشكيل مادة النحو العربي من عهد سيبويه (1 هجري) الى ابن السراج (أول 4 هجري) بما يلي: [١] نحو المسائل: يرى النحو سلسلة من المسائل فيبحثها مسألةً مسألةً، و لا تغرض بشكب متسلسلٍ.

و هذا الاتجاه يعكس عدم نضج نظرية النحو، و الاشارة الى العلاقات بين المسائل كأن الشيء بالشيء يذكر أي ادراك لوجود علاقات بين المسائل. [٢] نحو الأبواب: يراعي تشكيل المادة النحوية في العرض أن تكون على أبواب متعددة. يشكل كل باب وحدة داخلية علمية تنسلك فيه مسائله بمنهج علمي في ترتيبها. [٣] نحو الأحكام: يتم تشكيل المادة النحوية وفق الأحكام الأعرابية الأربعة: المرفوعات، المنصوبات، المجرورات، المحزومات. [٤] نحو الظواهر: تتشكّل المادة النحوية وفق ظواهر العربية التركيبية على التقديم و التأخير و النفي و الحذف… الخ.

الاستقراء والتحليل: جدل النص والقاعدة

ثم أشار في “الاستقراء و التحليل: جدل النص و القاعدة” الى أنه اصبحت بتقنين النحو مادة الاستقراء شواهد على صحة قواعد النحاة و قوانينهم. فهي أصبحت وسيلةَ شرح قواعد النحو و قوانينه و السؤال التعليمي: من اين ندخل الى النحو العربي؟ هل نعبر من النصوص الى القواعد ام العكس؟ فنشأ اتجاهين: يميل الكوفيون الى نحو النص، و يميل البصريون و جمهور النحاة الى نحو القاعدة و المعيار. يتخذ “نحو النص” من النص مادة نحوية لشرح القاعدة النحوية و أحكام الظاهرة المراد تحليلها في النص. و يربط بين القاعدة و الاسلوب الأدبي الرفيع.

نحو القاعدة

أما “نحو القاعدة” فهو الشكل الشائع في الممارسة التأليفية و التعليمية للنحو العربي. فهو يقدم القاعدة النحوية مع شرحٍ و تحليلٍ و أمثلة و شواهد و تعليلاتٍ. تكون كتب النحو أشبه بالدساتير و القوانين التي تضمن السلامة في العربية من ناحية نحوية. هو يشمل ثلاث طبقات: القاعدة النحوية ثم التطبيق ثم التفسير لها. و بهذا، تكون نتائج التحليل قد اتخذت في صوغها و شرحها و ترتيبها صفة العمل العلمي المنظم الذي تمّ اختياره على عينة موسّعة. * هوامش الفصل الثاني (159 – 163).

الفصل الثالث- التفسير النحوي

لجأ النّحاة الى النفاذ الى اسرار القضايا النحوية داخل منظومة الكلام بمنهج علمي في التفسير و التعليل بحيث يفسرون تعميماتهم. يقوم التفسير النحوي العلمي على بيان العلاقة السببية بين أطراف الظاهرة كتفسير جزئي ثم تُؤول العلاقة السببية الى تفسير كلي يعبر عن تعميمات القوانين العلمية حتى تجتمع كلها في نظرية واحدة.

مالمقصود بتفسير الأحداث الصناعي؟

و يراد بالتفسير الاحداث الصناعي الذي يفسر اطراد الظاهرة مثل رفع الفاعل اذ ان [النظام اللغوي المستوى النحوي و الصرفي نوعٌ من النظام الحسابي] حيث اسناد الاسم (زيد) مع الفعل (حضر) بعلاقة الجمع تؤدي الى جملة (حضر زيدٌ) و لو انقصنا أحدها سنعود الى الكلمة المطلقة. كما في المستوى الصرفي، فان حذف (الألف) من اسم الفاعل (كاتب) يسلب من الكلمة دلالتها على اسم الفاعل. فالتفسير يرتبط ببعدٍ حسابيٍّ رياضيٍّ.

طبيعة اللغة و كيفية اكتسابها

يحدث خلط في مسألة الخاصية الحسابية الرياضية للغة بين طبيعة اللغة و كيفية اكتسابها و وجود علاقات منتظمة في النظام اللغوي على مستوى الكلمة و التركيب. اذ ان طبيعة اللغة و عملية اكتسابها غير قابلة للتفسير الا على سبيل الافتراض.    أما النظام الصرفي و النحوي فقابلٌ للتفسير العلمي لامكانية اكتشاف قوانين ضبطه. و هكذا، يتحرّر العلم و المختصون بالتفسير من الخرافات و الأوهام.

تفسير تقسيم الكلم

بدءَ الباحث بعنوان “تفسير تقسيم الكلم” حيث يستدعي تقسيم الكلم الثلاثي: اسم و فعل و حرف تفسيراً مناسباً، فلابد من تمييز الاسم عن الأسماء غير عربية و اسماء الاشارة و اسماء الوصل و الضمائر و غيرها.

تناول هذا التفسير في قسمين هما: (1) “التفسير الصرفي” : وصل النحاة الى فكرة الجذر في الكلمة العربية، و هو مجموعة أصوات مشتركة بين عدّة كلمات تدور حول معنى واحد عام دون اخلال في ترتيب حروف الجذر. و شكّل الجذر مفتاحاً لفكرة المجرد و المزيد، و قد تبين للنحاة وجود تلازم في الشكل و الدلالة بين المجرد و ما زيد عليه (علِمَ – عالم – معلوم – معلوم – عليم – أعلم – استعلم – تعلم) جذرها جميعها [ع، ل، م].

أساس التفسير الصرفي

و بهذا، اصبحت العلاقة مقصودة منتظمة بين نواة الكلمة و مواقع احرف الزيادة. و هكذا، شكل هذا التلازم أساس التفسير الصرفي لظاهرة الاشتقاق في العربية. يكون الجذر أشبه بمطلق المادة التي تتشكل بأشكال عدة حيث يختلف الجذر (الروح) عن صوره المتشكلة. اذ تنطلق التصاريف من الجذر اعتماداً على مجرد و مزيد كل منهما اساس لتوليد اشكال مطردة عديدة. يتولد اسم الفاعل (كاتب) مثلاً: أولا، بتحدد مصنع التصريف (مجرد) و ليس مزيد. ثانيا، ادخال مدخلات الانتاج (ك، ت، ب). ثالثا، اضافة الشكل المراد انتاجه؛ الألف و كسر ما قبل الأخر. رابعاً، توليد كلمة (كاتب).

التفسير التجريدي

و بهذا، أصبح هذا التفسير التجريدي قادرا على انتاج الكلمات بهذا الشكل حتى لو لم تكن عربية مثل (ب، ن، ك) تولد منها (بانِك). فهو تجريد يتنبأ بالكلما، و التنبأ أهم وظائف التفسير. ثم ان الاعلال و الابدال هو تفسير لتعميم النحاة حول صحيح الاسماء و الافعال مثل رد الفعل (قال) الى الجذر (ق، و، ل) اي اصله [قول]. فالأمارات تفسير شكلي و صوتي لتصنيف أبنية الكلم في العربية لكنها تفتقر الى الدلالة.

تشكل الياء في (عويل، كريم، عليم) ذات الوزن الصرفي الواحد [فعيل] أمارة على الزيادة و ليس التصنيف لاشتراكها في الوزن، فتصبح الامارة ‘الياء’ ذات دلالة احتمالية: مصدر – صفة مشبهة – صيغة مبالغة. يتحول الاحتمال من عام الى خاص عند اضافة شرط الشكل المبني ‘شرط الدلالة و المعنى’. تدل الصفة المشبهة على ثبوت، و تدل صيغة المبالغة على المبالغة و يدل المصدر على أشياء منها التوكيد. فتنحل العلاقة المشتركة بين الكلمات الثلاثة الى علاقة خاصة، فتصبح [عويل – مصدر] و [كريم – صفة مشبهه] و [عليم – صيغة مبالغة]. نستخلص أن أصل التصنيف الصرفي للكلمات اجتماع دلالتين: دلالة الشكل و دلالة المعنى، فيكون التصنيف تقاطعاً بينهما؛ فكلمة (واثق) هي التقاء المبنى [فاعل + المعنى]: التجدد من المعلوم فيكون لدينا اسم فاعل (واثق) و هكذا و هكذا.

التفسير النحوي

(2) التفسير النحوي الذي تناوله من ثلاثة جوانب، هي (أ) تفسير أصول الأسم: يتألف الأسم من ثلاثة أحرف فأكثر، و له دلالة مستقلة، و لا يقترن بزمن. و لكن جاءت أسماء خارج هذه المواصفات المثالية مما يستدعي تفسيراً علمياً لها، و هذا بالأساليب الأتية: [١] فَصْل الشكل عن المعنى: يكون للأسم حكمين؛ حكم من جعة الشكل و حكم من جهة المعنى. و يخرجان من بنية واحدة بخطين متوازيين مثل عمل المصادر و المشتقات عمل أفعالها نحو (ما قارئ زيد الكتاب.)،اذ تصنّف (قارئ) اسماً لأن في آخرها تنوين و هي على صيغة صرفية اسم الفاعل، لكنها تحمل دلالة الفعل المضارع (يقرأ).

فهي شكلاً من الأسماء، و معناً و صرفاً من الأفعال. و هذا ليس تناقض في الذات انما في الاستعداد مثل اجتماع الخير و الشر في الشخص، فيكون فعله أما خيراً أو شراً. يرى جمهور النّحاة أن اسم الفاعل لا يعمل بشكله بل يعمل بمعناه اعتماداً على فصل الشكل عن المعنى. و هذا حسب المعادلة الرياضيّة: {القاعدة= الشكل + المعنى، القاعدة= الشكل – المعنى، القاعدة= المعنى – الشكل}. و ينطبق فصل الشكل و المعنى أيضاً على اسم الفعل. [٢] الشّبه الذي اعتُمِد في تفسير بناء بعض الأسماء كالضمائر و أسماء الأشارة و الوصل و بعض الظروف.

الشبه والاستبدال

و الشبه هو اتفاق بين المشبه و المشبه به في وجه يكون أصلاً في المشبه به مثل تفسير بناء الضمائر بالشبه الوضعي لأن معظمها يشبه الحرف في وضعه على حرف أو حرفين. [٣] الأستبدال: أي التعويض عن بناء الفعل باعرابه اعراباً محلياً، فنقول: كذا في محل كذا مثل اعراب اسم الاشارة (هذا) في جملة (هذا نحو العربية) اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. و يشير صواب الاستبدال الى صنف التقسيم فكل ما يستبدل بالاسم اسم، و وحدة الموقع الأعرابي فكل ما يستبدل بالمبتدأ مبتدأ.

الشذوذ

[٤]  الشذوذ: يشمل كل ما شذّ عن الانصياع لعموميّة القاعدة النحوية، و يؤكد أن القاعدة لا تسبق الاستعمال. و هذا مثل اسماء الأصوات التي جاءت محاكاة لأصوات الحيوانات أو الطبيعة، و قد الحقت بالأسماء لأنها دالة على غير مقترنة بزمن. (ب) تفسير أصول الفعل: تتسم الأفعال العربية بحدّة الخاصيّة الصرفيّة لأنها تتميّز بدرجة عالية من الأطراد المنتظم فهي جبريّة.

تفسير الأفعال

و قد احاط النّحاة بتفسير الأفعال على نحو: [١] اعراب المضارع.. منطقة الأعراف: يبدو الفعل المصارع المعرب همزة وصل بين الأسم المعرب و الفعل المبني. أخذ من الأسم الاعراب و تبادل معه في بعض المواقع و شابهه أحياناً في الوزن و صلح للدّلالة على الحال و الاستقبال كاسم فاعل. و اخذ الفعل من مزاياه في التعدي و اللزوم و الدلالة على الزمن و البناء. [٢]تحوّل الفعل الى اسم..

الحساسة السياقية

الحساسة السياقية: يكون المنع من الصرف حينما يكون العلم على وزن خاص بالفعل أي متحولاً عن فعل بعد افراغه من خصائص الفعل في الدلالة على الزمن و الافتقار الى المسند اليه، فمثلاً في جملة (يعيش يعيش) تكون الكلمة الثانية اسن لاكتمال الجملة بها و كلمة (يعيش) من الأسماء العربية. [٣] الشذوذ: تسكين العين في (نعْم، بئْس) من الشذوذ لأنه على غير مقتضى تعميم القياس. و اعتبر النّحاة دخول (ال) التعريف على الفعل المضارع تصرفاً شاذاً مثل (اليجدع).

الضرورة الشعرية واللهجات

و تحديد الشاذ خطوة علمية بحيث يتميز عن الصنف العام المطرد الكثير. [٤] الضرورة الشعرية و اللهجات: الشعر موطن الضرورة المستحبة مثل صرف الممنوع من الصرف و نوطن الخروج عن حدّ القاعدة؛ و هذا بشرط عدم الأكثار من ارتكاب الضرورة بما يعيب الشعر. (ج) تفسير أصول الحرف: تكون حروف المعاني بالأصل على أقل من ثلاثة أحرف. و تعمل بالاختصاص بأحد القبيلين؛ الاسم أو الفعل المضارع.

و تخرج الحروف عن هذا الأصل العام كالأتي: [١] دعوى التركيب: لا يأتي من الحروف ما هو على أربعة أحرف الا و أن يكون الرابع حرف لين مثل – حتى و الاّ و أمّا- لأن حرف اللين يجري مجرى الحركة و الزيادة للاطلاق. و تأتي – كان، لعل، لكن- بأكثر من ثلاثة أحرف و ليس فيها حرف لين لأنها مركبة كتركيب الكاف التي زيدت عليها ‘أن’. [٢] الامتزاج بالاسم او الفعل: اتحاد الحرف بالاسم او الفعل اتحادا تاما فيصبح معه الحرف كالجزء الأصل مثل دخول السين الى الفعل المضارع ‘سيحضر’.

الانفكاك وتفسير الاختصاص

[٣] الانفكاك و تفسير الاختصاص: فسّر النحاة عمل بعض الحروف بالاختصاص في العمل، و لكن بعضها تفتقر لذلك مثل – أن و اخواتها- لأنها تنصب المبتدأ و الأصل في عملها الجر. ثم حرف المشبه – ليس – تجدّد رفع المبتدأ و تنصب الخبر على خلاف الأصل. و فسر النحاة ذلك بالتشبيه فجعلوا ان و اخواتها مشبهة بالفعل و أخوات ليس مشبهة فيها بجامع النفي. [٤] الشذوذ: كل ما لا يظهر لدى النحاة له علّة قوية يعدونه شاذاً مثل دخول الكاف على هو و أخواتها من الضمائر.

تفسير الجملة

نظر في “تفسير الجملة” الى الجملة على أنّها تركيبٌ اسنادي، فالأسناد شرط لها. فهي فكرة توضح موضوعها لذا انبنت الجملة على ثنائية المسند و المسند اليه و ثنائية العمدة و الفضلة في القول. أكد في “الموجود بالقوة و المختفي في الظاهر” أن الجملة تتألف من المسند و المسند اليه حتى تتكوّن الفكرة الصغرى. و بهذا، فالمسند و المسند اليه هدفهما افهام المتلقي فكرة معينة. و يمكن ان يتحقق هذا الافهام بحذف أحد العنصرين الأساسيين أو كلاهما اتكاءً على ملابسات الموقف الكلامي و عناصره السياقيّة و اللفظيّة.

المسند والمسند إليه

و لكن حذف العمدة (المسند و المسند اليه) لا يلغي وجودهما بالقوة طالما أن الفكرة الصغرى وصلت للمتلقي، فيكون تقديرهما أو أحدهما واجباً. فقولنا: ضرب، تدل على معنى الضرب لأن ينقصها فاعل الضرب حتى يتم افهام المتلقي الفكرة الصغرى. أما ان كان السياق في الموقف الكلامي مفهوماً بين المتكلم و المتلقي، فقد تصل الفكرة من مجرد كلمة (ضَرَبَ). فرّقَ في “الفضلة و المعاني الأصلية” بين جملة (١. جاء زيدٌ.)  (٢. جاء زيدٌ مساءً.)، أضافت الثانية معنى الزمن؛ زمن المجيء. و قد اكتفى النّحاة بتقدير العمدة من الجملة (المسند و المسند اليه) و لم يقدروا الفضلة (مفعول به، حال، ظرف…الخ)  كمظهر احترام المعنى و عدم تحميل النص فوق ما يحتمل. و بما أن الفضلة باب معاني أضافيّة، اقتضى التفكير العلمي تقديرها احتراماً لحدود الكلام و نصّه.

التقاطعات الإعرابية

نظرَ المؤلف في “التقاطعات الأعرابية” الى الأعراب على أنه تحليل/تفكيك شكلي للجملة/الكلام تتوزع فيه كل كلمة في بابها النحوي بما يكشف اتساق التركيب. ففي جملة (النحو مفيدٌ)، تكون (النحو) في باب المبتدأ و تكون (مفيد) في باب الخبر، و تكون العلاقة التحليلية بين المبتدأ و الخبر و ليس بين الكلمتين ذاتهما بحيث يمكن استبدال توزيعهما أو موقعهما بكلماتٍ أخرى و تبقى محافظة على نفس التصنيف.

و بذا، تكون الخانة هي الموقع العميق للكلمة، و الكلمة من ظواهر البنية السطحية، و الأصل التساوي بين السطح و موقعها العميق. ففي المثال (قرأ زيدٌ الكتاب مساءً) تساوي [فعل ماض + فاعل + مفعول به + مفعول فيه]. أكد في “الأستبدال المعجمي” أنه بالامكان استبدال جملة (ينام) في (زيدٌ ينام) باسم مشتق (زيدٌ نائمٌ) و العلاقة بين [ينام و نائم] علاقة موقعية؛ كل منهما يقع خبراً، و هي علاقة معجمية لاتحاد الكلمتين في المعنى المعجمي. اذن، كل استبدال معجمي هو استبدال موقعي نحوي و العكس بالعكس.

الاستبدال المعجمي 

و الاستبدال المعجمي استبدالٌ جزئي، فلا يجوز أن نستبدل الجملة كاملةً. فجملة (عاد زيدٌ و هو مبتسمٌ)، جملة كبيرة تتألف من جملتين صغيرتين هما: (و هو يبتسم + يبتسم) حيث أن (و هو يبتسم) في موقع حال. أشار في “التفسير بالضمائم الموقعية” الى أن النّحاة لم يتبيّنوا علاقة مؤثرة بين موقع الفاعلية و مجيء الفاعل معرفة أو نكرة، فيصبح من غير قيد أو شرط. اذ نقول: [جاء رجلٌ – جاء الرّجلُ]. و لكن ثبت وجود علاقة بين موقع المبتدأ و مجيئه معرفة او نكرة نحو (الكتاب مفيد) تكون كلمة (الكتاب)  مبتدأ لأنها معرفة مفيدة صالحة للأخبار عنها من غير تأويل أو تقدير.

اذن، اذا كان الأسم معرفةً صلح أن يُبتدأ به من غير قيد او شرط. اما اذا كان نكرةً فان له شروطاً تؤدي الى رفع ما لحق به من نكارة جعله صالحاً للابتداء به. و هذه التفسيرات للابتداء بالنكرة تتكىء على وجود كلمة تسبق المبتدأ النكرة أو تتأخر عنه، و هو ما نسميه ‘الضمائم الموقعية’ التي تُقسم بدلالة الجهة الى قسمين هما: (١) الضمائم اليمنى: وجود كلمة تسبق المبتدأ النكرة مثل (أ) النفي – ما رجل في الدار. (ب) الاستفهام- أله مع الله. (ج) لولا الامتناعيّة- لولا اصطبار لأودى كل ذي فقه. (د) واو الحال (ه) فاء الجزاء الواقعة في جوابه (د) شبه الجملة المتعلقة بالخبر.

(و) لام الابتداء الداخلة على المبتدأ النكرة – لرجلٌ قائمٌ. هذا يعني أن الضميمة اليمنى مع الأسم النكرة معادلةٌ للاسم المعرفة الذي هو أصل الابتداء. و نستدل من استقراء الضمائم اليمنى ان كل موقع اعرابي يتكىء على ضميمة يمنى لا يجوز أن يتقدم عليها. (٢) الضمائم اليسرى: وجود كلمة يسار الموقع الاعرابي مثل (أ) الوصف – رجل كريم زارنا. (ب) اضافة التخصيص – عمل برّ يزين. (ج) العطف – طاعة و أمرٌ معروف أمثل من غيرها. أي أن الابتداء النكرة مع الضميمة اليسرى يعادل الاسم المعرفة. اذن، الضمائم مقوّيات اعرابيّة تقوّي المواقع الاعرابية الضعيفة اذا كانت خلاف الأصل.

التفسير بالنيابة

أشار في “التفسير بالنيابة” الى ان النّحاة جعلوا لكل باب نحوي مواصفة قياسية تعد مرجعاً في ضبط الباب و احكامه. فقالوا مثلاً في حدّ المفعول المطلق: المصدر الفضلة المؤكد أو المبني لنوعه، عمله مثل جملة (افترق البصريون عن الكوفيين افتراقاً قليلاً). جاء المصدر (افترقاً) فضلة مؤكداً لعامله اللفظي (افترق)، و لكن في جملة (افترق النّحاة فرقة غير مُضرة)، جاء اسم المصدر (فرقةً) فضلة مؤكداً لمضمون لفظ عامله لأنه اسم مصدر لا مصدر.

و في جملة (افترق البصريون عن الكوفيون قليلاً) جاءت (قليلاً) فضلة تؤكد الاقتران لكنها في التقدير نعت للمصدر المحذوف حيث انتقلت نحو موقع المفعول المطلق و قامت بوظيفته. اذن، هذه الجمل الثلاث ليست سواء من حيث المفعول المطلق؛ فلا يضبط حدّ المفعول المطلق المساواة بين المصدر و اسم المصدر لأنها تفتح باب احلال أي صيغة مصدرية من الجذر [ف، ر، ق] في موقع المفعول المطلق. و هذا ليس ضبط علمي للعلاقة بين المفعول المطلق و عامله.

و لا يجوز عد كلمة (قليلاً) مفعولاً مطلقاً لأنها في الأصل نعت لمفعول مطلق و مع ذلك دلّتا بالصيغة أو الموقع على المفعول المطلق لهذا قال النّحاة المتأخرون بالنيابة. اذ التفسير بالنيابة هدفه المحافظة على قوة الضبط في القاعدة النحوية و حدّها لكي تبقى القاعدة متوهجة.

أنواع التفسير بالنيابة

و يكون التفسير بالنيابة على أنواع هي: [1] النيابة عن الموقع: ينوب موقع عن موقع على يمينه أو يساره مع بقاء امارة دالة على النيابة التي قد تكون ‘لفظية’ مثل اجراء تغيير على بنية الفعل تدل على حلول نائب الفاعل محل الفاعل أو ‘سياقيّة’ نستدل عليها بأصول النحو مثل انتقال النعت الى موقع المفعول المطلق عند حذفه.

ففي جملة، (قُتِلَ الذئبُ)، حصل انتقال موقعي، انتقل بموجبه المفعول به من موقعه المنصوب الى موقع الفاعل المحذوف فقام بوظيفته في الاسناد فاستحق الرفع. {استنتج: ان لكل كلمة موقع يعطيها بدوره وظيفة لها علامة نحوي} و يكون الانتقال الموقعي في باب المفعول المطلق على شكلين: أولا، الانتقال نحو اليمين مثل انتقال الصفة الى اليمين محل المفعول المطلق المحذوف في (اذكر الله كثيراً) التي أصلها (اذكر الله ذكراً كثيراً).

ثانياً، الانتقال نحو اليسار مثل تقدّم العدد (ست) على المعدود (قراءات) في جملة (قرأتُ الكتاب ست قراءات.) و المعدود في الأصل مفعول مطلق، فبحذف العدد تكون الجملة (قرأت الكتاب قراءات.) حيث حلّ العدد محل المفعول المطلق و أخذ حكمه الأعرابي و تحوّل المفعول المطلق الى موقع آخر و اعراب اخر. و توجد فرضيتان للانتقال العلمي يمكن اختبارهما: أ- ان الانتقال الموقعي يُشترط فيه المحافظة على الحكم الأعرابي، فالفاعل و نائبه مرفوعان، و المفعول المطلق و نائبه منصوبان. ب- ان الانتقال الموقعي نحو اليمين يكون بحذف المفعول المنوب عنه نهائياً لكن الانتقال الموقعي نحو اليسار يكون بذكر المنوب عنه بلغظة لا بوظيفته و لا بحكمه الاعرابي.

النيابة عن المبنى الصرفي

[2] النيابة عن المبنى الصرفي: و هذا ما يسمى ‘الملاقاة في الاشتقاق’. ففي قوله تعالى: {و تبتّل اليه تبتيلا}[المزمل، ٨] جاء المصدر (المزمل) مؤدياً لوظيفة المفعول المطلق لكنه ليس قياسي من الفعل (تبتّل) اذ القياس في مصدره (تبتُل)، فكأن صيغة (تفعيل) نابت عن صيغة (تفعّل) لحصول ملاقاة بينهما في الجذر، فتعرب كلمة (تبتيلا) نائباً عن المفعول المطلق، ملاقية في الاشتقاق، منصوباً و علامة نصبه الفتحة الظاهرة، و التنوين للتمكين. ان النيابة في هذا الموقع ضبط لالية اشتقاق المصادر من الافعال عدا ما يُضيفه الى المعنى من ظلال اضافيّة. تبتّل على وزن تفعّل و هو يفيد التدرج و التكلف و (فعّل) يفيد التكثير و المبالغة <انظر: فاضل السامرائي>.

النيابة عن لوازم الموقع

[3] النيابة عن لوازم الموقع: تعني لوازم الموقع العناصر التي يشتمد الموقع وجوده و وظيفته من وجودها بالفعل او القوة، فالفاعل يستمد وجوده في الأصل من وجود الفعل و النعت يستمد وجوده من المنعوت. و اللوازم نوعين: (1) اللوازم التي تكون هي نفسها من المواقع الاعرابية فالفعل من لوازم الفعل لكنه في الوقت نفسه موقع اعرابي. (2) اللوازم التي لا تكون مواقع اعرابية من جهة الموقع الجديد، فالمنعوت ليس موقعاً اعرابياً أي لا يوجد في الاعراب ما يسمّى بالمنعوت لذا لا يكون المنعوت مبتدأ أو خبر..الخ.

لكن لا يمكن أن يكون منعوتا و حسب. اذن، لوازم النوع الأول اعرابية، و لوازم النوع الثاني معنوية ترابطيّة. فقولنا: صمتاً،تمت فيه فائدة الكلام لكن هذه الكلمة اختزلت بداخلها دلالتين؛ دلالة على المصدرية و دلالة على الفعل المحذوف الملاقي لها في الاشتقاق، فأصلها: اصمت صمتاً، لهذا فكلمة (صمتاً) مفعول مطلق.

التفسير بالحلول والسداد

في “التفسير بالحلول و السداد“، عرّف المؤلف الحلول و السداد هو أن يسد عنصر واحد أو أكثر مسد عنصرين أو أكثر في وقت واحد لا على سبيل الحذف و النيابة بل على سبيل خضوعه لتحليلين كل واحد منهما يخرجه على وجه، و يُجمع بين التحليلين بمفهوم الحلول و السداد.

فقولنا: (أقادمٌ زيدٌ؟) يجوز فيه ان نعرب كلمة (زيد) فاعل مرفوع لاسم الفاعل (قادم) سد مسد الخبر. و هذا الاعراب يجمع بين أمرين: أ- اعمال الظاهر و اجراء الكلام على مقتضى ما يطلبه لفظ الكلام، فكلمة (قادم) اسم فاعل منوّن عامل لهذا تطلب فاعلاً لها. ب- ايفاء الموقع حقّه، فكلمة (قادم) في موقع مبتدأ، و هذا الموقع يطلب عادةً الخبر.

و لأنّ اللفظ و الموقع يطلبان شيئاً واحداً دون تنازع، لجأ النحاة الى التفسير بالحلول و السداد، فأجروا الاعراب على اللفظ و السداد على الموقع. فقد أعرب جمهور النّحاة مثلاً كلمة (هذان) في (أقائمٌ هذان؟) فاعلاً لاسم الفاعل سدّ مسد الخبر، و كلمة (العمران) في (و ما مضروب العمران.) نائب فاعل لاسم المفعول سدّ مسد الخبر، و كلمة (الوجهان) فاعلاً للصفة المشبّهة سدّ مسد الخبر، و كلمة (الكحل) في (و هل أحسن في عين زيد الكحل منه في عين غيره؟) فاعلاً لاسم التفضيل سدّ مسد الخبر.

و كلمة (أبواك) في (و ما قرشي أبواك.) فاعلاً للاسم المنسوب الدّال على الصفة سدّ مسد الخبر. و لا يشترط في الحلول و السداد أن تكون الكلمة على لفظها و حلولها ذات حكم اعرابي واحد. يمكن أن يسد المرفوع مكان المرفوع، و يسد المنصوب مكان المرفوع، و المرفوع مكان المنصوب.

أمثلة سداد المرفوع مكان المنصوب

و من أمثلة سداد المرفوع مكان المنصوب كلمة (الزيدان) في (ليس قائمٌ الزيدان.)،أعربها ابن عقيل: فاعل مرفوع سدّ مسد خبر ليس المنصوب؛ أي سدّ عن أن يكون لليس خبر لأنها لل تستحق حينئذ خبراً بل فاعل اسمها. و من أمثلة سداد المنصوب مسدّ المرفوع، سداد الحال عن هبر المبتدأ في قول (أخطب ما يكون الأمير قائماً.)، فكلمة (قائماً) مسد خبر المبتدأ (أخطب). و في حديث الرسول عليه السلام: (أقرب ما يكون العبد من ربّه و هو ساجداً.)، فالجملة الاسمية (و هو ساجداً) تُعرب حال تسد مسد خبر المبتدأ (أقرب). و قد يسد العنصر مسد عنصرين أي موقعين نحويين. فمثلاً، سدّت (انّ و اسمها و خبرها) في الجمل: (ما ظننت يوماً أن النّحو صعب.

تعلَّم أنّ النحو ميزان العربية. وجدت أنّ النحو سهل.) مسد مفعولي ظن و أخواتها. اذن، كلمة ‘مسد’ في الاعراب تفسِّر خروج بعض أنماط التعبير الصحيحة في العربية عن حدِّ الباب و رسمه، فيرجع للباب تماسكه و انضباطه كما في ضبط سداد الحال مسد الخبر اذ عدم التفسير بالسداد يحتاج الى تقدير. و السداد شكلٌ من أشكالِ لفت النّظر الى معنى مقصود. “فهو تلوين نحو ذو بُعد بلاغي” [انظر: الراضي الاستراباذي، ابن فلاح اليمني في شرح الرضي على الكافية. ج١، ص٢٧٦-٢٨٢/ المغنى في النحو. ج٢، ص ٣٥٦ – ٣٦٣].

التفسير بالتأويل

و اعتبر المؤلف في “التفسير بالتأويل” أن التفسير بالتأويل هو لجوء جمهور النّحاة الى تفسير القاعدة النحوية و انماط التعبير في العربية بتأويل التعريف و التنكير و الخبر و الانشاء و الوصف و الجمود و الاشتقاق و الثبوت و الانتقال و غيرها للتتاسب و أصل القاعدة. فمثلاً، أصل الحال ان يكون نكرة مشتقاً لكن اجاز النحاة الخروج عن الأصل بقانون من ذلك: (فأرسلها العراك) تقدّر (فأرسلها معتركةً)، فأوّلت المعرفة بالنكرة بدلالة صحة الاستبدال. و قولنا: (طلع زيج بغتة.) تؤول بمشتق تقديره (مباغتاً).

التفسير بنظرية العامل

ثم طرح المؤلف سؤالاً “أين التفسير بنظرية العامل” اذ رأى نظرية العامل نظرية تفسيرية تفسّر ظاهرة الاعراب في العربية، و هي ببساطة اقتران بين عنصرين يسمى الأول ‘عاملاً’ و الثاني ‘معمولاً’. و وظيفة العامل هي طلب تقيّد المعمول بالحكم الاعرابي الذي يناسب موقعه، و وظيفة المعمول التدليل على تقيّد طلب العامل بعلامة اعرابية تصلح امارة على الحكم الاعرابي. فيكون تفسير العلامة الاعرابية اقتضاء العامل لها، و هذا الاقتضاء ناتج عن الاقتران الشكلي المنتظم بين العامل و المعمول. المعمول جزءٌ من ظاهرة الاعراب لظهور العلامة الاعرابية عليه أما العامل فلا يشترط أن يكون معرباً فيمكن أن يكون مبنياً كالفعل الماضي و الحروف المختصّة.

ان فكرة العامل الذي يفسّر العلامة الاعرابية في المعمول تحولت الى نظرية علمية انبنى عليها تفسير جمهور النحاة لظاهرة الاعراب. و قد انتشرت نظرية العامل حتى تناسى بعض النحاة الجوانب التفسيرية الأخرى في النحو العربي. و اختلف النحاة على مذاهب شتى أصلها الاتفاق على نظرية العامل و سبب الاختلاف هو تجاوز الاتفاق على قانون يرشد الى العامل.

الاستدلال على العامل

يتفق النّحاة كما أشار المؤلف في “الاستدلال على العامل” على نظرية العامل و الخلاف بينهم على الوسائل، و هو خلاف علمي. فقد اختلف النحاة على قانون عام يرشد الى العامل، فكل منهم اجتهد في المسألة. و اقترح المؤلف القانون الذي أطلق عليه [قانون التدمير] ان العامل هو العنصر الذي اذا حُذفَ اختلّ اعراب الكلام لأنه علّة تدور مع المعلول وجوداً و عدماً. اذ يحل الدمار بالجملة عند حذف العامل بالقوة أو الفعل، فيصبح الحذف وسيلة الاختبار في الاستدلال على العامل.

لو خذفنا الفعل من جملة (عشق المزارع الأرض) ستصبح (المزارع الأرض) و هي بلا معنى ما ينبغي اسقاط العلامة الاعرابية من عنصريها أي ان الجملة عند حذف الفعل قد تدمّرت و هذا يدل على أن الفعل هو العامل الذي أوجد التفسير الظاهر لرفع الفاعل و نصب المفعول.

ظهرت العلامة الاعرابية على المبتدأ و الخبر في (الطقس معتدل)، و العامل هو الابتداء المحذوف اذ تقدير الجملة (ان/كان الطقس معتدل). في الاستثناء، يوجد تلازم بين وجود (الا) و وجود المستثنى المنصوب لأن حذف اداة الاستثناء يخل بالجملة، فالاستثناء عامله الأداة لكنها غير مختصة بنصب الاسم بعدها لذا يميل المؤلف الى عدّها عاملاً بالنيابة عن الفعل (استثني) الذي يطلب منصوباً اذا نصبت.

أنواع العامل

العوامل اللفظية

و تناول في “انواع العامل” ثلاثة أنواع عي: (1) العوامل اللفظية و هي الأصل في العربية مثل الفعل الذي يعمل في الفاعل و تائبه و المفعول به و المفعول فيه و المفعول له و ما شابه. فحذف الفعل من الجمل مثل [عاد زيد – ضرب زيد سعيداً – قُتل الذئب – فهم سعيد النحو فهماً جيداً] يلغي ظاهرة الاعراب المنتظم في كلماتها. و الفعل هنا عامل لفظي ملفوظ به في الجملة. و كذلك دخول (ان و اخواتها) على الجملة الاسمية و نصبها للمضارع و جزم (لم و اخواتها) للمضارع.. الخ.

العوامل المعنوية

(2) العوامل المعنوية التي لا تظهر في الجملة لكن اثرها و هو الاعراب المنتظم يظهر في الجملة. فرفع المبتدأ أثر لعامل معنوي لا يظهر و كذلك رفع المضارع أثر لعامل معنوي نستدل عليه في الأتي: [__يحضر زيد – لم يحضرْ زيدٌ – لن يحضر زيدٌ]. توجد خانة فارغة تناظر أداة الجزم و النصب و هي العامل المعنوي الذي أحدث الرفع في الفعل المضارع.

العوامل النائبة عن معانيها

(3) العوامل النائبة عن معانيها التي تتلازم مع دخولها تلازماً دائماً بالفعل او بالقوة مثل حروف النداء التي تلازم المتادى. فحرف (يا) هو العامل النائب عن معنى النداء أي الفعل (أنادي) في قولنا: [يا زيد، تمهّل] بدليل أن النداء لا يصح الا بهذه الأداة أو أخواتها. و ان حذفت فانها تكون مقدّرة و لولا التقدير لم يجز ان تحذف و سبب القول بالنيابة أن الفعل المقدّر لا يجوز أن يظهر و ان ظهر استحال الكلام الى معنى جديد كتحوّل النداء بعودة الفعل من انشاءٍ الى خبر.

عامل الباب و عامل المسألة

بيّن المؤلف في “بين عامل الباب و عامل المسألة” بأنّه يطّرد في نصب خبر (كان) أن العامل هو (كان) أو أحد أخواتها لأن حذف كان أو أخواتها يقضي على تماسك الجملة و بلغي معنى النسخ فيها فتكون كان عامل باب. يظهر شكل آخر من العامل في الجمل الأتية (ضرب زيد خالداً ضرباً – أنا ضاربٌ خالداً ضرباً – الضاربُ زيداً ضرباً خالدٌ) تكرّر المفعول المطلق ثلاث مرات في الجملة الأولى معمولاً للفعل، في الثانية معمولاً للخبر، و في الثالثة معمولاً للمبتدأ بدلالة تدمير الجملة عند حذف أي من العوامل الثلاثة.

عامل النصب في المفعول المطلق

و هذا يعني ان عامل النصب في المفعول المطلق ليس من شكل عامل الباب [الثابت في العنصر اللغوي] لأنه متغيّر حسب تركيب الجملة و هذا يسمى [عامل المسألة]. و من أمثلة عامل المسألة: النعت و التوكيد و العطف و البدل. ففي قولنا: جاء زيدٌ و خالدٌ، فان عامل (خالد) هو نفسه عانل رفع الفاعل (زيد). اذن، يفسّر العامل العلاقة الاعرابية على المعمول لأنه يلازمه و يدور معه وجوداً و عدماً بالقوة أو بالفعل.

هل يقع الخطأ في التفسير العلمي؟

ثم يسائل المؤلف أخيراً “هل يقع الخطأ في التفسير العلمي؟” و يُجيب بالايجاب، اذ التفسير العلمي وصفٌ للانتقال المنهجي بين خطوات القضية أو المسألة أو العلم أي أنه حكم على المنهج لا نتيجة تطبيق المنهج. لهذا، قد يكون صواباً أو خطأً. و مثال هذا تفسير القدماء لظاهرة ‘أحرف العلة’ فهم يفسرون الألف من الفعل (سقى) في قولنا: سقت همد الشجرة، بقولهم: ان الأصل (سقى) بتسكين الألف وقد التقت الألف الساكنة مع تاء التأنيث الساكنة فأجتمع الساكنان، فحذف الأول لأنه حرف علة. [سَ قَ ىْ- س قَ تْ + ىْ +تْ = – ت]. اذن، سقى + تْ = سَقَتْ.

التفسير العلمي من جهة الشكل الإملائي

و هذا تفسير علمي من جهة الشكل الاملائي لكنه غير صحيح من جهة أخرى لأن الألف صوت صائت طويل أي أنه ليس بحرف اذ لا يكون جزءاً من الجذر و لا يبتدىء المقطع الصوتي به و لا يقبل الحركة، و ما لا يقبل الحركة فهو حركة أي صائت. لهذا فهو لم يحذف في الحقيقة و انما جرى اختزاله و تقصيره بدلالة وجود الفتحة التي هي الصائت القصير من الألف. فهذا التفسير الصوتي علميٌّ من جهة المقاطع الصوتية. و في جملة (انكسر الزجاج)، فان الزجاج فاعل للفعل حقق الاسناد مع انه غير متمثل في الواقع المادي، فلابد اذن من فاعل له. و هذا تفسير صحيح نحوياً لكنه غير صادق واقعياً. ففي بعض السياقات، تغيّر وزن (انفعل) مثل انكسر صيغة مبني للمجهول و بذلك تكون (الزجاج) نائب فاعل.

خاتمة

{يختم الفصل الثالث بهوامش (صفحة 220- 223) يبيّن فيها توثيق الاقتباسات خلال الفصل}و يأمل تحت عنوان “الخاتمة: خط النهاية الأول” في الانتقال المنهجي من الاستقراء الى التحليل ثم التفسير أن يكون قد نجح في تقديم البرهان على الدرجة العالية من التفكير النحوي في النحو العربي ملتزماً بالأمانة في النقل و الدّقة في الشرح و التحليل و ان يكون علمياً في الطرح.

فيديو مقال التفكير العلمي في النحو العربي

 

https://youtu.be/hmezOzseWFU

أضف تعليقك هنا