توازن العقل والدين عند ابن رشد

بقلم: مامون هيثم

نكبة ابن رشد

أسس عبد الرحمن الداخل ملكا لبني أمية بالأندلس، استمر من عام 138 هجرية الى عام 427 هجرية، ولما ذهبت هذه الدولة تقاسم الأمراء أقاليم البلاد، فكانت ملوك الطوائف الذين عرفهم التاريخ، وكان أشهرهم أمرا (المعتمد على الله أبو القاسم محمد بن عباد) ملك اشبيلية، لكن يوسف ابن تاشفين استولى على ملك ابن عباد بالأندلس، فهجر ابن عباد الى طنجة.

أمام هذا الزخم التوسعي للدولة المرابطية فإنها لم تهنأ بذلك بعدما استولى الموحدون على دولة وملك المرابطين بزعامة (محمد بن عبد الله بن تومرت المهدي) وخليفة عبد المؤمن بن علي. فكانت لهم الغلبة وكان لهم ما أرادوا ببسط أيديهم على قرطبة وغرناطة ففتحوا الأندلس كلها. فلما توفي عبد المؤمن سنة 558 هجرية، وولي الأمر ابنه أبو يعقوب يوسف، الملقب بالمنصور وهو الذي ساند ابن رشد وشجعه على التفلسف. ففي عهد أبو يوسف يعقوب كانت نكبة ابن رشد وأصحابه بعد محاكمة لا ظل للعدل فيها.

لماذا تمت محاربة الفلسفة؟ 

عموما خلال الفترتين المرابطية والموحدية همشت الفلسفة، خاصة مع المرابطين الذين همشوا علم الكلام والفلسفة وطلب الفقهاء من ابن تاشفين إحراق كتب الإمام الغزالي بدريعة الإلحاد فنقصت الكتب والمكتبات. وبشكل أٌقل تهميشا إبان فترة الموحدين.

فالفلسفة عند ابن رشد بحث عن العلل ومحاولة فهم العالم وقوانينه ولنا في قصة (حي بن يقضان) خير دليل، فسخر ابن رشد وقته للترجمة، فترجم كتب (أرسطو طاليس) وبسط مفاهيمها بأمر من الأمير أبو يعقوب. فالعديد من الفلاسفة كابن رشد انتقدوا ولنا في كتاب الامام الغزالي (تهافت الفلاسفة) تكسيرا لحاجز التفلسف العقلاني المنطقي، حتى أن البعض اعتبر الغزالي مسؤولا عن اغراق الشرق في عصر الشروحات والحواشي والتعليقات والمختصرات، فأصبحت الفلسفة اقتباسات بما يوافق الشريعة …عكس الغرب مع ابن باجة وابن طفيل اللذان عملا على احياء الفلسفة على نهج ابن رشد الفيلسوف.

فالمقاربة ثلاثية بالأساس فمذهب السلف قائم على التسليم بالنصوص، عكس مذهب المعتزلة الذي أعطى للعقل الحرية في فهم نصوص القران الكريم وتأويلها بما يتفق مع العقل، فالعقل والوحي من الله، فلا يتنقضان، فما يجيء به الوحي معقول والا وجب تأويله عقليا. فاذا توسطنا فمذهب الأشاعرة وسط بين المذهبين السلفي ومذهب المعتزلة، حتى في التشريع فالمذهب الحنفي, يعتمد على الرأي و القياس العقلي .اضافة الى ان المذهب المالكي يعتمد على الحديث غالبا, خلافا للمذهب الشافعي الجامع للطرفين المتعارضين.

الشرع والفلسفة في فلسفة ابن رشد

بنى ابن رشد فلسفته على أن ما أدى اليه البرهان الصحيح لا يمكن أن يخالف ما أتى به الشرع, قال ابن رشد (الحق لا يضاد الحق, بل يشهد له).فالشريعة توجب الفلسفة لأن الشرع لا يصطدم بالعقل ,فالشرع ينقسم الى ظاهر و باطن ذلك أن الناس مختلفون في الفطر و العقل لهذا يختلفون في فهم النصوص و ادراك ما يراد بها ,فالناس عنده ثلاث أصناف, الخطابيون أو العامة و المتكلمون وهم أهل الجدل و أخيرا البرهانيون (أهل العلم و خاصته),فالمتكلمون على سبيل المثال اختلفوا مع الفلاسفة في أمهات المسائل, أولها علم الله ,خلق الله العالم لغاية خاصة, ولهذا جعله على ترتيب يحقق تلك الغاية, فيجب أن يكون عالما به و بأحواله كلها, ولا يصح أن يوصف الله حسبه بأن علمه كلي أو جزئي .ثانيها, قدم العالم, قديم من جهة الزمن مادام هو معلول عن الله تعالى…و كذلك محدث من مريد أراده وهو الله تعالى. فأما ثالثها فكيفية الجزاء في الدار الاخرة …فرد بها على الامام الغزالي في كتابه (تهافت التهافت) …فابن رشد إذا فيلسوف عقلاني والعالم حسب تصوره قديم بقدم المادة ومحدث لأن صور المادة تتجدد باستمرار.

المنطق والعقل في فلسفة ابن رشد

ويقر بأن هنالك أمورا يعجز العقل عن معرفتها فإذن لا مناص من الرجوع فيها الى الوحي، والوحي متمم لعلوم العقل. كمثال فالإنسان لا تقوم حياته وسعادته الا بالفضائل النظرية والخلقية (الدعاء، الصلوات …) بمعنى الشرع الموصى به.

الذين لا يفهمون ابن رشد ولا يفهمهم ,فهو غير عقلي مع العامة…علمه سام لهم و نافع مع أهل العلم (البرهانيون), فخلاصة القول لا يصنف كعقلاني أو لا عقلاني …فعمله في نظرية المعرفة أدت الى ثورة فكرية بأروبا خلال القرن 15 ميلادي, اذ يعتبرونه المعلم الأول بعد الفلاسفة اليونان ,فبمساعدة العقل الفعال (العقل الإلهي) الخالد الذي يشرف على العقل الإنساني و يلهمه الحقائق المختلفة متى كان مستعدا و أهلا لها, للوصول الى السعادة الكاملة يصل الى المعرفة الحقة , بل الطريق الذي يتم به اتصال العقل الإنساني بالعقل الفعال ينتقل به من القوة الى الفعل و الادراك , و بهذا التفكير يمرن العقل على الفهم و يتصلان , لأن كمال العقل بالفكر السليم و هي قوة العقل الأصلية فنصل الى الله بالعلم و المعرفة و الدرس و التفكير النظري الفلسفي للاتصال بالعقل الفعال.

استفادة الغرب من فلسفة ابن رشد

أهملت فلسفة ابن رشد في الإسلام فهو الذي أخد عن الفارابي و ابن سينا (اخر فيلسوف إسلامي),أخدت عنه أوروبا و يهود أوروبا كمعلمهم الأول , فمدرسة ابن ميمون اليهودية التي كانت تدرس الفلسفة الإسلامية استمرار لها بأوروبا و منبع من ينابيع الثورة الفكرية الأوروبية ان لم نقل العالمية.

بقلم: مامون هيثم

 

أضف تعليقك هنا