عن قهوة مُدهش وأرصفة الكتب والذكريات ميدان التحرير بالعاصمة صنعاء نموذجاً

قهوة مُدهش أو المعروفة بـ قهوة العم مُدهش في شارع المطاعم في التحرير أقدم مقهىٰ في اليمن وصنعاء، لها تاريخ عريق من الأصالـه والإرث والنكهة الخاصـة الممزوجة بجودة الطعم والمذاق.

قهوة مُدهش في سطور

من لم يعرف هذا المقهىٰ العتيق راح نصف عمره هذا ليس مجرد مقهىٰ بل مُلتقىٰ جمع الطبيب والمهندس والسياسي والمثقف والصحفي والكاتب والعامل على طاولة واحده عشنا فيها أقدس وأجمل طقوس حياتنا كان بداية تشكيل الوعي الإنتمائي للأماكن من هذا المقهىٰ الأزلي…

واجهتنا المفضلة لصُنع التجليات اليومية مع بعض الرُفاقـ والأصدقاء، حتى الكتالي أصبحت الجزء الأكبر من الحنين والإرث المُعتق في الذاكرة ومصبات القهوة ورائحة البُن اليمني الأصل المُحوج كلها تفاصيل لها دلالاتها يصعب فصلها عن الجزء الأخر من الإنتماء.

منذ بداياتي ترافقني ذات الذكريات وذات المكان

عرفتها بعد سنتين منذُ هجرتي المُبكرة من القرية أسفل لواء إب للعاصمة صنعاء بعد الثانوية العامة في البداية كنت لا أعرف اهم معالم صنعاء التاريخية حدي نطاق الحي الذي أسكن فيه وما حوله، ومعرفتي بطيئة بالأماكن كأي ريفي مُهاجر بالبداية يلاقي صعوبة في فهم مداخل ومخارج المدينة ظليت حبيس المكان لئن تشكلت الصورة المكانية للعاصمة صنعاء، وأصبحت شبيه بسكانها القدامىٰ حتى بعدها تعرفت على أهم أماكنها العتيقة كصنعاء القديمة بجميع أسواقها وقهوة مُدهش وقهوة وردة وغيرها من الأماكن المعروفة لدى الجميع.

أول بداياتي بالذات أيام الجامعة كنت في العطل أتردد للمقاهي لشرب الشاى لكن بالضبط ما كنت عندي خلفيه عن أهم وأشهر المقاهي بتلك الأماكن كان قصدي يشرب شاى في التحرير في نهار عصري عابر وأعيش لحظة الإنسجام مع البيئة المُحيطة ،كنت أذهب التحرير وأشرب الشاي العدني والأحمر ثم أذهب لشراء الكتب من الأرصفة بسعر رخيص مقارنة بشراء نفس الكتب من رفوف مكتبه معروفة.

نحو النضج والارتقاء

ليت فترة وجيزة سطحي المعرفة بالتحرير وأماكنه المشهوره حتى تخرجت من الجامعة بدأت الحياة تتغير تماماً وأصبحت أكثر نضجاً ومعرفة بصنعاء توسعت علاقتي وأصبحت صاحب دخل وأشتغل بمهنتي التخصصية كمهندس مدني لأعمال خاصة وإستشارات هندسية ،وهنا تمكنت نوعاً ما بعدة فترة من الإستقرار معنوياً ومادياً وكان لي طقوسي الخاصة أمارسها بكل نشوة وحب بعيداً عن التكلف أو الإبتذالـ ،توسعت علاقتي مع الجميع وتعرفت حينها على أماكن وملتقيات الثقافة والتطوير عرفت مخازن تستطيع أن تأخذ منها أمهات الكتب الثمينة وكانت أغلبها في ميدان التحرير غير المعروض على الأرصفة أستطعت أن أجمع عدد لا بئس به من الكتب بجميع انواعها وتخصصاتها الأدبية والعلمية والفلسفية والترجمات والتاريخ والسياسة والأدب الروسي والغربي بشكل عام والروايات العربية والأجنبية حينها أستطعت أن أسس مكتبتي الخاصة في المنزل وكانت ولا زالت بالنسبة لي متنفسي الوحيد للإبحار في عالم المعرفة والإختلاء بالنفس والروح بعيداً عن ضجيج الحياة، وكانت بديل كل شيئ زائف على هذه الحياة باب للهروب من بؤس الواقع.

يومياتي في “مقهى مُدهش”

كنت أذهب كل أسبوع ثلاث مرات للتحرير وأشرب القهوة في مقهىٰ مُدهش القهوة التي شكلت فينا وعي خالص لمعنىٰ الأماكن وعتاقتها هُناك كان يجتمع الدكتور مع المهندس والأديب مع المثقف والكاتب مع الصحفي والسياسي مع الناقد على طاولة واحده يتناقشون أخر مُستجدات الوضع الحاصل بكل هدوء ورقي بعيداً عن تعالي الأصوات أو المُشاجرة الكلامية كلاً يذهب مع صديقه ورفيق عمره لشرب ما تيسر من الشاى العدني أو قهوة البُن اليمني الأصيل يبهرك الأسلوب والتعاطي ومذاق القهوة التي ما أن تذهب إليها حتى تعود لها مجبراً لتكرار التجربة المُلهمة، كل شيئ له قصة حنين وبقايا إرث كتالي العم مُدهش وبساطة المكان وإحترافية العمال في تجهيز القهوة بأعلى جودة وإتقان كراسي مزحومة وصفوف من الإنتظار ورزق كريم من رب كريم وحي عريق يزرع في نفسيتك تفاصيل عميقة لمعنىٰ الإنتماء للأماكن والوطن.

بحر الذكريات

بساطة الناس وعدم تكلفهم في مُمارسة الحياة بتعالي تجبرك أن تكون واحد منهم تعيش تفاصيلك بكل مزاجيات ما تشتهيه النفس وتنتشيه الروح، جمعتنا هذه الأماكن سنوات كبرنا على حبها وذكرياتها مع أصدقاء أعزاء تقاسمنا معاهم عيش الحياة السهلة وصنعنا مجدنا الخالد البعيد عن كل عوامل التزيف وحياة الترف المقت، رفاقـ كُنا معهم نناقش تراتيلنا المُعتادة بكل عفوية بعيداً عن لكنات التعقيد أو حتى التكلف في إنتقاء فلسفة الحديث والإنبهار.

الأماكن والأصدقاء والكتب هي إرث من عرفوا الحياة وهم لا يؤمنون بحياة التقيد أو النفاقـ او حتى النكوص، أردنا أن نتصافي مع الحياة فجعلنا منها ساحة ومُتسّع لإحتواء كل أمالنا وإنتكاصتها المُتعافه بعد إن داويناها بالحب والتسامح والسلام وقبول الأخير بعيداً عن إنتقائيات السلالة أو المذهب أو الأصل فإنتصرنا لذواتنا ونحن في بداية حراكنا المعرفي الأولـ وكان الفضل لمثل كذا مُلتقيات زرعت فينا حب الطقوس والتفاصيل والإنتماء.

إلى إن جاءت الهجرة خارج الوطن تركنا كل ذلك ولنا أمل كبير – بعد تجربة العيش خارج نطاق الوطن – بالعودة لحيث سكن الروح ومحطة الوعي والإنتماء والنضج المُبكر..لحيث الورود والمطر وشتائئات المدينة ورائحة الخبز والبُن والذمول الصنعاني المُباع على أرصفة سائلة صنعاء القديمة.

فيديو مقال عن قهوة مُدهش وأرصفة الكتب والذكريات ميدان التحرير بالعاصمة صنعاء نموذجاً

أضف تعليقك هنا