همسة في أذن معلم

بقلم: أ غدير عدوان وأ سالي ناصر

همسة في أذن كل معلم

إن استخدام الطرق التدريسية التقليدية وكذلك ضعف إلمام بعض المعلمين بالطرق والاستراتيجيات الحديثة التي تنمي عمليات العلم وتشجع التفكير، أدى ذلك إلى انخفاض مستوى تفكير الطلبة، وقتل الإبداع والابتكار لديهم، فتنمية قدرة الطلاب على التفكير يعد من أهم أهداف التربية عموماً، حيث تعينهم على التغلب على مشاكلهم الحياتية التي تواجههم، مما أدى ذلك إلى الاهتمام المتزايد ببرامج حديثة لتعليم التفكير،حيث يطلق عليها ما يسمى التعليم من أجل التفكير.

إن الروتين والملل الذي يتسلل لكل معلم في مهنته وخلال تدريسه لطلابه يكاد ينسي المعلم مهمة أساسية أو لربما لو أسميناها مهمة ممتعة وهو كيف تتواصل مع عقل طالبك ،كيف بإمكانك أن تحسن من تفكيره ، وكيف لك أن تفتح مداركه وآفاقه في العالم الذي يدور حوله.

لماذا يعتبر الطالب مدرسته سجناً؟

لقد بات طالب المدرسة اليوم في سجن كما هو يتصوره في مخيلته ،ذاك المكان الكئيب الذي يجد فيه معلما متسلطا لا يطلب منه سوى واجبات منزلية بالإجبار وأنشطة تكاد تقتل اهتمامه وميوله في حياته ،متناسيا وبشكل كامل ما يطمح إليه طالبه وما يرغب به ، فعلى كل معلم أن يستيقظ من حلم الوظيفة إلى حلم شغفه بمهنته لكي يخرج أسرى المدارس إلى عالم الواقع ،ومن هنا نرى في هذا المقال وفي بضع من الكلمات بأن هناك مجموعة من الخطوات ولنعتبرها همسات حانية لتصل إلى قلبك قبل أن تصل إلى عقلك، ومن بين تلك الهمسات:

ماذا على المعلم أن يفعل حتى يصل لعقل طلّابه؟

طالبك بين يديك كصفحة بيضاء تلون فيها ما تريد وتكتب فيها ما ترنو إلى الوصول إليه ،لكن السؤال هنا ماذا علي كمعلم أن أفعل كي أصل لعقل طالبي وأعطيه ما ينفعه من العلم وينفع به غيره، إذن وقبل كل شيء أول ما عليك القيام به هو أن تبني علاقة وطيدة بينك وبينه لكن مع وجود حدود من الاحترام والتقدير الذي يلف هذه العلاقة ، لكن هل هذا يكفي ؟! ، هذا يقودنا إلى السؤال الأصعب هنا وهو كيف يمكن أن أؤثر على طلابي وأصل إلى تفكيرهم خلال شرحي لدرس العلوم أو الرياضيات أو اللغة العربية أو أي مادة تعليمية.

الشروط التي يجب أن يؤمن بها المعلم

ولهذا الغرض جاءت باحثتان من الجامعة الإسلامية تخصص ماجستير مناهج وطرق تدريس وقامتا بإعداد ما يسمى بنموذج تدريسي يمكن لأي معلمة اتباعه وخاصة في مادة العلوم والذي يعتبر من أكثر المواد المفعمة بالتفكير والتي يمكن أن تفتح العقول التي تكاد تدفن ، وقبل أن نقدم الخطوات كان لا بد من عرض مجموعة من الشروط والتي يجب أن نتعرض فيها لعقل المعلم قبل الطالب وهي :

  1. الايمان بأن جميع الأطفال قادرون على التفكير.
  2. أن يدرك التلاميذ أن التفكير هدف ينبغي السعي إليه.
  3. تقديم مشكلات للتلاميذ تتحدى تفكيرهم.
  4. توفير بيئة تعليمية آمنة خالية من التهديد.
  5. توفير بيئة غنية بالمثيرات.
  6. القدوة الحسنة :من الضروري أن يكون المعلم نموذجا مثاليا لأداء سلوكيات وعادات العقل لأن التلاميذ يتعلمون من سلوكه وأعماله أكثر مما يتعلمون من أقواله.

وهذا النموذج المميز يتضمن مجموعة من الخطوات المنظمة المتسلسلة ،والتي يمكن اتباعها لتعليم التفكير وهي كالتالي: وتتكون مراحل النموذج من المراحل الرئيسة التالية:

مراحل النموذج التعليمي

  1. الإعداد الحسي.
  2. الصراع الذهني.
  3. تقديم تعريف المفهوم يتضمن خصائصه الحرجة والعلاقات التي تربطها.
  4. تقديم مجموعة كافية من الأمثلة واللأمثلة المتعلقة بالمفهوم.
  5. التفكير في التفكير (التدريب الاستجوابي)
  6. التجسيرلتعزيز التعلم.
  7. تقديم التغذية الراجعة للطلاب بعد ظهور الاستجابات مع التركيز على استخدام التعزيز.

شرح تفصيلي لمراحل النموذج

  • الإعداد الحسي

وهذه المرحلة تكون في بداية الموقف التعليمي(الدرس) حيث يقوم المعلم بعرض جميع عناصر الدرس بشكل متسلسل مع توضيح الأفكار والمفاهيم الأساسية للتأكد من معرفة التلاميذ لها،وتهتم هذه المرحلة بالتطور الذاتي والبناء الاجتماعي للمعرفة من خلال تبادل وتشارك المعلومات والمفاهيم بين التلاميذ مما يمكنهم من الاستيعاب الصحيح للمفاهيم والمصطلحات بشكل ملموس.

  • يحاول المعلم تقسيم المتعلمين إلى مجموعات عمل لإثراء المناقشة.
  • يكون المعلم أكثر من مجرد ملقي للمعلومات أو الإدارة وأكثر من ميسر ومسهل لعملية التعليم بل ويجب أن يكون موجها للأنشطة الصفية والمناقشات والحوارات التي تلعب دوا ر مهما في تنمية التفكير.
  • يربط المعلم بين الخبرات التي اكتسبها المتعلمون في الحصة والخبرات السابقة. توظف في هذه المرحلة استراتيجية المناقشة الجماعية ،استراتيجية تعدد الحواس،الاستقصاء الموجه،KWL

أمثلة التحضير الحسي الملموس

  • يقوم المعلم بتوجيه أنظار الطلاب إلى كأس به ماء أو طبق كبير به حركة موجية مفتعلة ثم يسأل ،ماذا ترون؟
  • ما سبب هذه الحركة؟
  • هل هي مستمرة أم تزول؟.
  • ويمكن عرض صور(شبه حسي)
  • يعرض المعلم صورة لخلية نباتية وخلية حيوانية ثم يسأل : أي منهما تمثل النباتية وأيها الحيوانية؟
  • التعارض المعرفي(الصراع الذهني)

الأساس في هذه المرحلة هو وضع مشكلة أو سؤال لا يستطيع الطلبة إيجاد حل له باستخدام طرق تفكيره الحالية، مما يسبب حالة من اللاتوازن في البناء الذهني للتلميذ،فعندما لا تتطابق فكرة جديدة مع معرفته السابقة يحدث التضارب أو الصراع وتعديل خارطة المفاهيم العلمية لديه ،وهنا يأتي دور المعلم لمساعدته على تحقيق هذا الهدف.

يتعرض المتعلمون من خلال الأنشطة الحسية إلى مشاهدات تكون مفاجئة لهم لأنها لا تتفق مع توقعاتهم ولا تتناغم مع دوافعهم أو خبراتهم السابقة أو مع خبراتهم المباشرة التي تعرضوا لها في بداية النشاط تتولد نتيجة هذه المفاجأة حالة من التعجب والاندهاش تدفع المتعلمين الى تنفيذ الأنشطة بحماس ودافعية لحل إشكالية التعارض المعرفي الذي يواجههم يستعين المعلم بأنشطة صفية محيرة للمتعلم وذلك حتى يصل المتعلم الى اقصى ما يستطيع من التفكير بل يتعداه حتى يستطيع الوصول إلى حالة الاتزان والاستقرار.توظف في هذه المرحلة استراتيجية : المناقشة الجماعية،العصف الذهني،حل المشكلات

أمثلة الصراع (التضارب الذهني)

لو امتلك الانسان القدرة على سماع كافة الترددات، كيف سيكون حاله؟ وللتعرف على شروط صدى الصوت يقوم المعلم بطرح الموقف التالي: ذهب أحمد الى ملعب وتحدث ولم يحدث صدى صوت لماذا لم يتكون صدى صوت أحمد؟ أو يذهب المعلم بطلابه إلى ساحة المدرسة ويسألهم لماذا لم يسمعوا صدى الصوت.  اختلط على أحد طالبات الصف الثامن شريحتين لخلية نباتية وحيوانية كيف يمكن أن تميز بينهما؟

  • تقديم وبناء المفهوم

يتكون المفهوم من اسم المفهوم والدلالة اللفظية له،فالمعلم يقدم اسم المفهوم وعلى الطالب بناء المعرفة ذاتًيا ووصف المفهوم وتحديد صفاته المميزة والعلاقات التي تربطها، ويجب تزويده بالوسائل والأدوات والفرص اللازمة والملائمة ليقوم بذلك، وليس فقط فهم وهضم المفاهيم التي قام ببنائها وتشكيلها، بل الاستدلال، وبناء قواعد وأنماط لهذا الاستدلال من أجل إيجاد حلول للمشكلات. توظف في هذه المرحلة استراتيجية :استراتيجية تعدد الحواس،استراتيجية تشكيل المفهوم، خرائط المفاهيم.

أمثلةالبناء وتشكيل المفاهيم

هنا يترك الطالب لبناء معرفته ذاتيا إلى أن يصل للمعرفة بنفسه.مثلا:أن يصل إلى أن هناك نوعان من الأمواج “طولية ومستعرضة ”
وان الطولية تحتاج وسط ناقل بينما المستعرضة لا تحتاج الى وسط ناقل.

  • تقديم الأمثلة واللأمثلة

يصنف الطلاب المواد التي أمامهم حسب الخصائص المشتركة بين العناصر التي أمامهم إلى  الأمثلة واللاأمثلة على الفلزات، بحيث يقدمها لهم أزواجاً متقابلة (مثال – لامثال)، وأن تكون متدرجة في
مستوى الصعوبة من السهل إلى الصعب. وهنا يخبرالمعلم عن المثال بأنه مثال على المفهوم وعن اللامثال بأنه لا مثال عليه .

  • التدريب الاستجوابي/التفكير في التفكير( الإدراك فوق المعرفي)

أي إنـه يمكـن النظـر إلـى مـا وراء المعرفـة علـى أنـه قـدرة مـن القـدرات التـي تـؤدي إلـى زيـادة خبـرة الطلبـة ، وتشـير مـا وراء المعرفة إلى قدرتهم على ادراك عمليات التعلم ومراقبتها .يتطلب من الطالب أن يفكر في عملية ومراحل التفكير التي مر بها لحل مشكلة ما أو الإجابة عن سؤال ما،وتستهدف هذه المرحلة توجيه التلميذ للوعي بكيفية تفكيره ويعي ويدرك كيفية تعلمه.
تبدأ هذه الخطوة بتحقيق مبدأ وعي المتعلم لعمليات تفكيره أو إدراكه لما يقوله وما يعمله ولماذا استخدم هذه الطريقة في التفكير ولماذا فكر من خلالها.

يقدم الطلاب خطوة التدريب الاستجوابي، حيث يقدمون مجموعة من الأمثلة واللاأمثلة الجديدة على المفهوم بشكل عشوائي ،والخطوة الأهم هنا هي مطالبتهم بإعطاء التبرير لكل عملية اختيار أو استثناء،وفي كل عملية اختيار أو تحديد للمفهوم أو استثناء لغير المثال أو إعطاء السبب لماذا هذا مثال أو ذلك ليس مثالاً على المفهوم يدرك المتعلمون نوع التفكير الذي استخدموه في حل المشكلة ويكونون على وعي  بخطواته حيث يستطيعون تنظيم أفكارهم وخطوات تفكيرهم ذاتيا الأمر الذي يؤدي إلى الإسراع في نمو مهارات تفكيرهم وبالتالي زيادة النمو المعرفي لديهم .توظف في هذه المرحلة استراتيجية : المناقشة الجماعية ،حل المشكلات، KWL

أمثلة

  • يفكر المتعلمون في الأسباب التي دعت الى التفكير في المشكلة من خلال الأسئلة التي يطرحها المعلم عليهم مثل:
  • كيف فعلت ذلك؟
  • لماذا فعلت ذلك؟
  • هل توضح لماذا فكرت في ذلك؟
  • لماذا اعتبرت أن هذه الخلية نباتية والأخرى حيوانية؟
  • لماذا صنفت هذا مع المثال على المفهوم وهذا مع اللامثال على المفهوم؟
  • التجسير:(عمل جسر بين الخبرة في الموقف التعليمي والخبرة في المواقف الحياتية)

الهدف منها مساعدة التلاميذ على إدراك العلاقة بين المعارف والخبرات التي اكتسبها في موقف تعليمي مع خبراته في الحياة، ويعد بناء هذه الجسورأمرا ضروريا لتطبيق الخبرات التعليمية في الحياة الواقعية تهدف هذه الخطوات الى ربط الخبرات التي حصل عليها المتعلمون من الأفعال التي قاموا بها مع خبراتهم في حياتهم العملية ومع الموضوعات الدراسية المتعددة.

إن بناء جسور فكرية بين الأنشطة والحياة العملية أمر ضروري لإخراج الخبرات التعليمية من الإطار النظري الى الإطار العملي والتطبيقات الحياتية.إن إيجاد علاقات وروابط بين الخبرات الجديدة المتعلمة والمواد الدراسية الأخرى يساعد على نقل أثر التعلم إلى جوانب حياتية مختلفة وبالتالي بناء وتكوين صورة متكاملة للمعرفة. توظف في هذه المرحلة استراتيجية  المناقشة الجماعية ،خرائط المفاهيم ،الاستقصاء الموجه.

أمثلة التجسير

  • تطبيق ما سبق تعلمة في مواقف جديدة.
  • اذكر بعض الأمواج المستخدمة في حياتنا اليومية.
  • عدد بعض الأمثلة لحركات تشبه الحركة الموجية.
  • قدم تقرير عن أهمية الأمواج في مجالات عدة ” الطب، الجيولوجيا، المحيطات، والملاحة البحرية والجوية.
  • قم بعمل زيارة لمكتبة المدرسة واجمع معلومات عن الخلية النباتية والحيوانية.
  • قدم بحث حول المفهوم الذي تعلمته اليوم.
  • تقديم التغذية الراجعة والتعزيز

يقدم المعلم التعزيز المناسب أو التغذية الراجعة التصحيحية لكل طالب حسب ما يتناسب مع الموقف التعليمي.إذن فهذه الخطوات التي وردت سابقا يمكن لأي معلم أن يتبعها في حصصه خلال شرحه لدروسه وهذا كفيل ان ينقل الطالب من تفكيره البسيط المحسوس إلى تفكير مجرد ،بعد أن يكون قد تشرب المفهوم واكتسبه وخاصة في خطوة التفكير في التفكير فيكون الطالب قد عبر عن طريقة تفكيره للمعلم ،وهنا دور المعلم يهذب هذا التفكير ويرتقي به ليسمو إلى أعلى المستويات.

وفي ختام كلماتي أرجو من كل معلم أن يعي بتلك الهمسة وأن ياخذ هذه الأمانة على محمل الجد لكي نحقق ما تهدف له اصول التربية وهي تربية إنسان صالح مفكر ينفع نفسه وأمه ووطنه

المصادر والمراجع

  • هلال، كريم، والجبوري، صبيح. (2015م.) فاعلية أنموذج تسريع التفكير في التحصيل والذكاء الوجداني لدى طالبات
    الصف الاول المتوسط في مادة التاريخ، كلية التربية للعلوم الإنسانية، جامعة بابل
  • السوالمة، سالم معيوف سالم. (2008م). فعالية استخدام نموذج تعليمي تعلمي متمازج في تنمية التفكير العلمي واثارة
    التعلم لدى طلبة الصف الثامن الأساسي في مبحث العلوم واتجاهاتهم نحوه
    ، أطروحة دكتوراه، جامعة اليرموك،
    الأردن.
  • صالح، عايش شحدة. (2005م.) برنامج مقترح للتسريع الذهني في مادة الرياضيات لدى طلبة الصف السادس
    الأساسي بمحافظة غزة
    (رسالة ماجستير غير منشورة.) جامعة الأزهر، غزة، فلسطين.
    صالحة، بسام حسين. (
    2014م). أثر برنامج تعليمي على استراتيجية عباءة الخبير في تنمية مهارات القدرة على حل
    المشكلات لدى طلبة الصف السادس بمحافظات غزة
  • (رسالة ماجستير غير منشورة.) جامعة الأزهر، غزة،فلسطين.
  • الطيطي، مسلم يوسف إسماعيل. (2014م). أثر برنامج تعليمي للتعلم المستند الى الدماغ في الدافعية للتعلم والتحصيل
    والتفكير العلمي لدى طلبة الصف الخامس الأساسي
    . أطروحة دكتوراه، جامعة اليرموك، الأردن.
  • الظاهر، زكريا محمد وآخرون. (1999م.) مبادئ القياس والتقويم في التربية، مكتبة الناشر، دار الثقافة، عمان.
  • العبد الله، هادي ورحمن، إيمان. (2012م.) نموذج تحفيز التفكير في تنمية التفكير الابتكاري لدى طالب
    الصف الثاني متوسط في مادة الفيزياء، كلية التربية، جامعة القادسية.
  • عبود، سهاد عبد الأمير. (2017م). أثر استراتيجية التسريع المعرفي في التحصيل وتنمية التفكير العلمي لدى
    طالبات الصف الأول متوسط
    ، كلية التربية للعلوم الصرفية، جامعة بغداد.
  • إن استخدام الطرق التدريسية التقليدية وكذلك ضعف إلمام بعض المعلمين بالطرق والاستراتيجيات الحديثة التي تنمي عمليات العلم وتشجع التفكيرعبيد، وليم. (2009م.) استراتيجيات التعليم والتعلم، ط .1الأردن: دار المسير

بقلم: أ غدير عدوان وأ سالي ناصر

فيديو مقال همسة في أذن معلم

 

أضف تعليقك هنا